قصة الجبان الذي امتطى ظهر الأسد.. انظروا
بقلم/ صلاح السلقدي
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 16 يوماً
السبت 24 سبتمبر-أيلول 2011 05:58 م

قصة (علي بن لبدان) التي سوف نسوقها هنا بتصرف هي قصة معاصرة ربما من نسج مخيلة احدهم، إلا أنها تضاف إلى

تاريخ الأدب العربي وبالذات الأدب القصصي الشعبي الزاخر بتراكماته الحاملة للعبر والحكم التي لا حصر لها ...

(علي بن لبدان) هذا رجل في غاية الغباء والجبن ولكنه مع ذلك مهووس بالشهرة والظهور بل قل بحب الزعامة حسب مفهوم اليوم ومستعد أن يبيع الدنيا حتى يكون شيخ منطقته وقبيلته ولو باع كل ما يملك من ارض ومواشي ومدخرات،وهذا فعلا ما عمله (علي بن لبدان) حين باع كل ضماره ليشتري بها (جنبية) من أغلى الأنواع وأفخرها،ولم ينس أن ينقش عليها اسمه المبجل قبل عبارة( الشيخ القاتل مئة والآسر مئة)، ومن ثم ضرب في كل البقاع والأصقاع لا يعرف إلى أين يهيم بوجهه، حتى إذا ما بلغ منه التعب كل مبلغ استلقى تحت شجرة كبيرة وراح في نوما عميق، إلى أن قدم نحوه قوما لهم حروب كر وفر مع خصوما أشداء وذو بأسٍ شديد،تطلعوا في هيئة هذا الشيخ المزعوم وهو يغط في نومه ونظروا إلى جنبيته ، وأخذتهم الدهشة من هيبته وطلاوة جنبيته،لم يترددوا ان عرضوا عليه بعد أن أيقظوه ان يكون شيخهم ليصد عنهم غول الأعداء، ولكنهم اشترطوا عليه ان يجتاز ثلاثة امتحانات لتطمئن قلوبهم :

  الشرط الأول شرط الفروسية: والشرط الثاني شرط الشجاعة والثالث والأخير هو شرط الذكاء،حيث أنبئوه أولا بشرط (الفروسية) بان عليه ان يواجه غارة العدو القادم من اتجاه الشمال لوحده فوق حصان له يختاره من بين أحصنتهم،ولأنه يعرف انه اجبن من ان يواجه حتى شخص واحد ناهيك عن جيش قبلي كامل، فقد فكر ان يحتال على القوم ويهرب بحصانهم بمجرد ان يجمح به باتجاه الشمال وطلب منهم ان يوثقوه شديدا بسرج الحصان، لئلا يوقع، وما ان أسرع الحصان باتجاه الشمال حتى حاول (الشيخ علي) ان يحرف اتجاهه جنوبا ولكن دون جدوى فقد ظل الحصان يجمح به باتجاه العدو شمالا دون ان يتمكن من كبح جماحه، حتى إذا ما اقترب من شجرة كبيرة حاول ان يتشبث بأحد فروعها فانسلخ الفرع كاملا بيده وهو يجمح حتى شاهده العدو وهو على هيئة شجرة جامحة فتملكهم الرعب من هول المشهد فولوا الدبر، فعاد الشيخ الذي خدمه الحظ من أول امتحان من الامتحانات الثلاثة مزهو بنصره المزعوم، فتعجب القوم منه وكبر في أعينهم وهو صغير .

  ثم طلبوا منه أن ينفذ الشرط الثاني شرط (الشجاعة) ، حيث يجب عليه ان يذهب بحصانه ليصرع أسد ضخم كاسر يجوس بالحمى ، ولأنه يعرف انه اجبن من ان يواجه ثعلب فضلا عن أسد فقد راودته نفس فكرة الهروب من المأزق، حتى إذا ما كان بمنتصف الطريق سمع زئير الأسد عن بعد، فتسلق اقرب شجرة ليلوذ بها من مصيره المحتوم وربط بجذعها على عجلة من أمره حصانه الذي هو الآخر تملكه شديد الخوف من الأسد ،وافلت من عقاله دون ان يعرف الشيخ علي لبدان المتخفي بالاعلى ان حصانه قد افلت وهرب وان الأسد يقبع بنفس مكان الحصان، حتى إذا ما اختفى زئير الأسد من المكان قفز الشيخ من فوق الشجرة معتقدا ان قفزته ستكون على ظهر حصانه ، ولكن حظه العاثر قاده الى فوق ظهر الأسد ولم يجد بدٌ من أن يتشبث بظهر الأسد وقد استبد به الهلع والخوف حتى جف ريقه وتجمد الدم بعروقه من هول الوقعة،ظل الأسد يهيج به يمنة ويسرة محاولا إنزال هذا الشيخ التعيس من فوقه حتى وصل إلى مقربة من القوم ليشاهدوا منظرا أذهلهم وصعقهم الاستغراب وعمدوا الى ضرب الأسد بكل أنواع الأسلحة ليخلصوا شيخهم الهمام منه دون ان يعرفوا ان الشيخ قد أوشك على الهلاك من شدة الخوف والهلع، ولكن الشيخ الخواف لم يدع هذا الموقف ليمر دون أن يستثمره ويدعي بطولة زائفة ستنقله نحو رأس حكم هؤلاء القوم السذج .

  إذاً لم يبق أمام( الشيخ علي) إلا الشرط الثالث والأخير ليسود القوم بعد ذلك أن افلح بتخطيه ، وهذا الشرط هو شرط (الذكاء)، حيث قدموا له (تنكة) غير محكمة الإغلاق بداخلها عسل وروث حمير تبعث منها، والمطلوب منه - وهو أغباء أغبياء قومه كما أسلفنا- أن يعرف ما بداخلها، فظل يضرب كف بكف وهو في وضع حيص بيص أنى له ان يعرف ما بداخل هذا التنكة على الرغم من انبعاث رائحة المحتوى، فظل مطرقا لبعض الوقت ثم تمتم بكلمات خافتة واليائس يعتريه: ( أول مشواري كان ناجح وبطعم العسل ولكن يبدو ان حظي بالأخير سيكون يا حسرتاه بطعم(الضفع)، فسمعه احدهم وصاح : نعم نعم لقد عرفت اللغز ياشيخ (علي بن لبدان) ،فهنيئا لك السيادة والريادة والزعامة علينا إلى آخر رجل منا والى آخر طفل فينا، دمت لنا قائدا(فارسا شجاعا ذكيا).