هادي يترنح بين الإطاحة والبقاء
بقلم/ علي بن ياسين البيضاني
نشر منذ: 9 سنوات و 3 أشهر و 7 أيام
السبت 20 ديسمبر-كانون الأول 2014 09:16 ص
 

رغم قناعتي وقناعة كثير من الناس أن بقاء هادي على رأس السلطة كارثة ، إلا أن تركه لها فى الوقت الحالي كارثة أكبر وأعظم مما قد يتصوره عاقل ، لما أحدثه الرجل - وقد حاز حب الشعب يومًا ما - من مراوغات سياسية رغم دهائه ، والدهاء عندما يفتقد الأخلاق يكون وبالاً على صاحبه ، ولو بعد حين من الزمن ، وهذا الذي حصل بالضبط ، فالسياسة لها أصولها وأخلاقها ، كما أن لها وسائلها وطرقها ، بالإضافة إلى القدرة المتينة للإمساك بكل خيوط اللعبة بيده ، وهذا ما لم يحسنه هادي مع كل الأطراف السياسية والعسكرية التي تعامل معها ..

ظن هادي برجال الثورة الذين أجلسوه على كرسي الحكم أنهم يبتزوه بالمطالبة بالتغيير ، وهو لا يعلم أن سبب اختيارهم له هو أساسًا من أجل التغيير ، وإعادة صياغة اليمن صياغة مدنية حضارية تعيد الأمور إلى نصابها .. فأراد أن يتخلص من الهاجس الثوري بالإطاحة بهم بالمؤامرة الدنيئة التي أسقطتهم وأسقطت البلاد معهم ، وأسقطت كذلك مكانته وهيبته كرئيس لليمن الموحد ، وإذا بالرازم والمس الشيطانــي (عبد الملك الحوثي ) وعصابته يستولون عليه وعلى البلاد ، ومن ورائهم خصمه اللدود ( عفاش ) ..

لم يستطع هادي أن يفعل بهم شيئًا ، أو يمنعهم من أي فعل أي شيء ، لأنه بصريح العبارة كان واحدًا من المتآمرين على قوى الثورة ، وهو الذي سهَّل للحوثيين بغباء منقطع النظير من اقتحام صنعاء ، رغم أنه ظل يشحذ سيفه من قبل دخولهم عمران ، ويتوعد بالخطوط الحمراء ، لكنها صارت خضراء فانتهكت صنعاء في ليلة غبراء ويوم أغبر ، فكيف له أن يقول لهم بعد ذلك قفوا عند حد معين ؟! حتى وإن قبل بعد ذلك أن يكون ديكورًا لسلطة وهمية فلن يقبلوا به أبدًا ..

الإنقلاب على سلطة هادي تم في 21 مارس وقضي الأمر ، وما يحدث بعد هذا اليوم هو الإبقاء عليه كغطاء شرعي على أفعالهم الدنيئة ، وهدفهم البعيد من ذلك هو إسقاط هيبته من قلوب الناس ، حتى يصلوا إلى قناعة تامة بعدم جدوى بقائه ، ثم أن الحوثيين بحاجة إلى فترة من الزمن لترتيب أمورهم السياسية والإدارية ، ومعرفة ماهية السلطة التي هم بحاجة لمعرفتها ، والتي لم يكن في بالهم أن يحققوا ذلك الإكتساح الرهيب في ليلة بلهاء مخزية فتفاجأوا بما حققوه ، فتريثوا لأن خصمهم القديم وحليفهم الجديد ( عفاش ) أراد حينذاك أن يبطش بالكل ويسيطر على السلطة فأبقوا الأمانة عند ( هادي ) حتى تستتب لهم الأمور .

أما هادي فى الوقت الذي انتظره اليمنيون أن يقف موقفًا عظيمًا أمام ما يجري من استكمال ميداني للإنقلاب ، تسمّر على الكرسي ولسان حاله ( ما هكذا كان الإتفاق ) ، أما الآن وبعد عربدة الحوثيين فيبدو أنه سيترك كل شيء إذا ما طلبوا منه تسليم السلطة ، أو سمحوا له بالخروج الآمن ، لأن المخطط الإماراتي الأبعد من مخطط هادي يقتضي إعادة السلطة إلى ما قبل ثورة 11 فبراير .

لكن كيف ستتم الإطاحة بالرئيس هادي وحكومته وبقية مؤسسات الدولة والألوية التي ما زالت خاضعة له ووزير دفاعه ( الهُمَام ) موجودة وجاهزة – حسب التصريحات – ؟؟ يبدو أن هناك ترتيبات لإسقاطها كما تم سابقًا مع بقية المعسكرات ، لكن هل سيكون ذلك وفقًا لتفاهمات سياسية أو معركة مسلحة تطيح بأحـــــد الفريقين ؟ الدولة ممثلة بالرئيس لم يعد يهمها حاليًا أن تسلّم السلطة ، وقد وردت تصريحات متناغمة بين الرئاسة والحكومة تسير في نفس الإتجاه بالإستعداد لتسليم السلطة للحوثيين ، وما أظن من سلّم البلاد كلها برضاه ، أن يتراجع عن تسليم سلطاته الشكلية لهذه العصابة المسلحة ، لكن يبدو أنه يواجه ضغوطات كبيرة من الدول الخليجية ، وعلى وجه الخصوص السعودية لأن ذلك في نظر الأخيرة معناه قيام دولة شيعية إيرانية محادة لها ، وهذا ما لم يمكن أن تقبل به .. فهل يستثمر الرئيس هادي مثل هذا التخوفات الإقليمية لصالحه لدفع الضرر ؟ ، وهل السعودية يمكن أن تدعمه ؟ وهي تعلم أنه ليس رجلها الذي يمكن أن تركن عليه في تنفيذ سياساتها ، التي أخلف وعوده السابقة لها ، يظل ذلك احتمالاً ، وهناك إحتمال آخر : أن تقوم الإمارات بإقناع السعودية بتنفيذ المخطط السابق بأن تعيد السلطة لأحمد علي مقابل أن يتم إنهاء مشروع الحوثي إلى الأبد ، أو ضمان عدم توسعه بمحاداة السعودية ضمن تفاهمات معينة ، ربما يكون ذلك من ضمن الخيارات المطروحة حاليًا لصانعي أزمة اليمن ، فهل يمكن للسعودية أن تقبل مثل هذا الخيار ؟ وهي تعلم أن الإمارات ورطتها سابقًا بالإطاحة بالقوى القبلية والعسكرية المؤيدة للسعودية وخط الدفاع الأول لها أمام التمدد الشيعي ، فتصاب بانتكاسة ثانية ، هذا ما لا نعلمه ، وهل تخطط السعودية الآن للإطاحة بهادي بطريقتها ؟ وإيجاد قوى أخرى تدين لها بالولاء تقضي على كل المشاريع ( المؤامرات ) السابقة التي أوصلت اليمن ومن بعدها السعودية إلى مأزق حقيقي يمس الكيان السنـي فى المنطقة ؟ ومن هي القوى التي يمكن لها أن تقف إلى جانبها ؟. 

ثم ما هو الموقف الدولي من كل ما يحصل فى البلاد ؟ هل يمكن للدول العشر الوقوف مع هادي حتى لو أطيح به بطريقة عسكرية ؟ هل يمكن التدخل عسكريًا لحسم الأمور لصالح هادي ؟ يبدو أنه خيار مستبعد ، لعلمهم المسبق بأن هادي أصبح منتهي الصلاحية ، وليس هو رجل المرحلة ، والمواقف الدولية مبنية على مصالحها أولاً ، ويعلمون كذلك أن الرجل لم يعد مرغوبًا من الشعب ، والوقوف إلى جانبه عسكريًا معناه أن تدفع بقية الفئات الشعبية الصامتة أو المتفرجة للوقوف إلى جانب الإنقلابيين لمحاربة التدخل الأجنبي تحت مبررات وطنية .

تظل الإحتمالات كثيرة ومفزعة ، وصراعات الحوثيين والعفاشيين فيما بينهم حول مآلات العلاقة فيما بينهما لاحقًا بعد سقوط هادي هي المؤثرة فى المشهد السياسي اليمني ، والرئيس هادي ما زال مضطربًا في تحديد موقفه من كل ما يعتمل ، ويبدو أنه ما زال يعيش حلم سلطة لم يحسن إدارتها ، ويطمح للإستمرار فيها رغم كل ما حصل من خراب فى البلاد ..

لكن يظل إصرار الإنقلابيين ( الحوثيين والعفاشيين ) على إعادة البلاد إلى ما قبل ثورة 11 فبراير هو الوضع الأقوى والسائد حاليًا ، وأن الترتيبات الأمنية والعسكرية والمدنية تسير في هذا النسق المدمر للبلاد والعباد ، ما يعني أن أقرب الخيارات هو الإطاحة بهادي وسلطته كآخر حل ممكن ، ثم الترتيب بعد ذلك لإيجاد دولة عفاشية إيرانية تكون شبيهة بسوريا من الناحية السياسية ، على أن يتولى عبد الملك الحوثي السلطة الدينية بصورة مصغرة مستنسخة من المرشد الأعلى ( آية الله علي خامنئي ) يسيطر على مقاليد الحكم ..

 لكن يظل السؤال المهم هنا ؟ أين هي القوى الأخرى الصامتة عن هذه المؤامرات التي تُنْسَجُ خيوطها في وضح النهار ، وما سمعناه أو قرأناه سوى بيانات تحذيرية من بعض الأحزاب السياسية ، فهل تكفي تلكم البيانات مما يُعتمل ؟ هل نحن بحاجة إلى التفاف شعبي عارم يسقط كل الفئات والأحزاب والجماعات المسلحة ، هذا ما يجب أن نفكر فيه كشعب مطحون تلعب به سلطة واهنة ، وأحزاب مترددة تفكر فى الموقف الدولي أكثر مما تفكر في شعبها ..

أما إمكانية تلافي الإطاحة بالرئيس هادي ( كمصلحة عليا للبلد فقط ) ، فالذي نراه من وجهة نظرنا القاصرة أن يقوم هادي بمصارحة الشعب بكل وضوح ، وأن لا يعوّل كثيرًا على الموقف الدولي ، وأن يعلنها صراحة أنه سيسلّم السلطة في 21 فبراير 2015م إلى الشعب ليختار الشعب من يريد ، وإعادة الإعتبار لثورة 11 فبراير بإعادة زخمها من جديد ، والجلوس مع قيادات الأحزاب السياسية ومستشاريه الأمناء في كيفية بلورة موقف وطني واحد من كل ما يعتمل فى البلاد ، وبالتأكيد سيضمن الإلتفاف الشعبي حوله ، مع ضرورة أن يتم ذلك بالتنسيق والتأييد من السعودية لضمان الدعم المالي والسياسي والدولي ليكتب لمثل هذا الأمر النجاح ، وهي أيضًا تستفيد من تجنب وقوعها فى الفخ الإيراني ، وإن حصل من الطرف الأقوى ( الحوثيين والعفاشيين ) أي مواقف معارضة سواء عسكرية أو فوضوية ، فسيتم مواجهتها شعبيًا وخليجيًا ودوليًا ، بشرط أن يتخذ هادي موقفًا واحدًا ، بعيدًا عن أي تردد ، بضرورة إستعادة البلاد من قبضة العصابات المسلحة ، ثم التسليم للسلطة في 21 فبراير كخيار لا رجعة عنه ، ويكون بذلك قد أعاد الاعتبار للبلاد والعباد وله شخصيًا أمام شعبه خلال الفترة الماضية ، ومع ذلك لا أظنه يفعل ذلك .

 علي بن ياسين البيضاني