|
أعلم بأن مُجرَّد استذكار حرب صيف 1994م مؤلم لليمنيين ، لأن التحدث عن ذلك الحدث ينكأ الجراح التي أثخنتنا جميعاً ، فأنا أحد المتضررين إلى اليوم من تلك الحرب ولو بشكل غير مُباشر ..
لكني هنا أسعى إلى تغيير بعض المفاهيم السائدة والمغلوطة لدى البعض ، والتي تراكمت فكونت بيئة خصبة لقادة الحراك تُساعدهم على نفث الأفكار الهدَّامة بين الشباب في المُحافظات الجنوبية .
لذا سيتم توضيحها عبر سلسلة أطروحات بدأً بهذا المقال والنيِّة لله ثم للوطن وشعبه إن شاء الله .
المفهوم الأول : هناك من يعتقد بأن حرب 1994م كانت حرب بين الشطر اليمني الشمالي و بين الشطر اليمني الجنوبي ، وهذه معلومة عارية من الصحة تماماً ..!
والدليل على ذلك أنه في تلك الحرب كان هناك تأييد واسع في أوساط الشطر الجنوبي اليمني لمبدأ الحفاظ على الوحدة اليمنية ، وقد كان هذا جلياً عندما وقفت مُحافظات جنوبية بأكملها جنباً إلى جنب مع أبناء المُحافظات الشمالية في الميدان للدفاع على الوحدة فسميت جميعها بقوات الشرعية ، وقد كان هذا التأييد- بعد إرادة الله عز وجل- سبب من أسباب انتصار قوّات الشرعية على شرذمة الانفصال في وقت قياسي ، وهذا يعني- تعريف دقيق لجبهتي الحرب - أن الحرب كانت بين فئة من تُطالب بالتمسك باتفاقية مايو عام 1990م ، و بين أُخرى ارتأت نقضها و الرجوع إلى ما قبل هذه الاتفاقية .
ولهذا يُخطئ من يعتقد أن فتنة 1994م كانت بين الشطر الشمالي والجنوبي ، كما يقترف الخطيئة – وليس الخطأ – المرجف الذي يُروّج إلى أن تلك الحرب كانت حرب احتلال شطر لشطر .
المفهوم الثاني : كثيراً ما وجدنا في الآونة الأخيرة أشخاصاً سطحيين في التفكير ؛ ويظهر ذلك في تطاولهم على أبرز عُلماء اليمن الأجلاء أمثال الشيخ " عبد المجيد الزنداني " وغيره ، وذلك لأن هؤلاء العُلماء قد أفتوا بشرعية مُحاربة الفئة المُطالبة بتمزيق اليمن بعد التوحّد في مايو 1990م ..!
ولا أدري بحق .. ألأنَّ ورثة الأنبياء في اليمن قالوا: لا لتفريق الشعوب ولو بقوّة السلاح ؛ فهذا يعني أنهم سُفهاء ؟ ( وحاشاهم )
إذا كانت إجابتهم على هذا السؤال بـ( نعم ) فيجب عليهم تطبيق منطقهم هذا على الناصر" صلاح الدين الأيوبي " وبالتالي يجب تقبيحه وتقبيح فعله عندما سيَّر أخاه " توران شاه " بجيش إلى اليمن ليُرجعها إلى حكم الدولة الأيوبية بالقوّة ، بعد أن سلب الحكم رجل يُسمى " عبد النبي بن مهدي " سنة 569هـ ..
أو عندما أعدَّ العُدة ، وجيّش الجيوش الجرارة بقيادة أخيه " الملك العادل " إلى مصر بعد أن علم بأن أهل مصر قد الّتفوا حول رجل يُدعى " الكنز " زعم أنه يُريد أن يُعيد بناء الدولة المِصرية المُستقلة سنة 570هـ .
من جهة أُخرى ولأني على عِلم بأن بعض المناوئين للوحدة اليمنية لا يُحبون أن نستدل بجهبذ من جهابذة العالم الإسلامي إذا ما دافعنا عن الوحدة اليمنية فيما نكتب ، لأنهم- للأسف- يتأسون بالغرب ويحتذون حذو قادتهم ؛ لأجل ذلك حرصت هنا على أن أستشهد بفعل قائد وزعيم غربي وحّد شعبه بالقوّة في زمن ليس ببعيد عن يومنا هذا ، وذلك لأخاطب من يتبعون أيديولوجيات و مبادئ وقيم ذلك الجزء من العالم (الغرب) ومن ثم يستأسدون بهم على أخوانهم.
بالرغم من أن الرئيس الأمريكي " إبرهام لينكون " كان سبباً في موت أكثر من 600 ألف أمريكي ؛ لكنه يُعتبر ثاني أفضل رئيس أمريكي على الإطلاق في نظر الأمريكيين والعالم بأسره بعد " جورج واشنطن " مؤسس الولايات المُتحدة الأمريكية ، وذلك لأن الرئيس الأمريكي " إبرهام لينكون" حافظ على وحدة الولايات المُتحدة الأمريكية بالقوّة ، فخاض الحروب الدامية والطاحنة لأجل الحفاظ على تلك الوحدة ..!
فقد أدّى فوز مُرشح الجمهوريين " لينكون " في الانتخابات الرئاسية سنة 1860م ؛ إلى إعلان الولايات الأمريكية الجنوبية الانفصال عن الولايات المُتحدة الأمريكية فكونت ما يُسمى بـ( الولايات الكونفدرالية الأمريكية) ، وقد قوبل إعلان الانفصال برفض كامل وشديد من الولايات الشمالية مُمثلةً بـ" لينكون " ولهذا نشبت حرب ضارية استمرت لسنوات بين الولايات الأمريكية الشمالية المُتمسكة بالوحدة والجنوبية الرافضة للوحدة وقد انتهت هذه الحرب بعد تعميد وحدة الولايات المُتحدة الأمريكية التي نعرفها اليوم بدماء ما يزيد عن ( 600000 ) أمريكي من الطرفين .
ما يعنينا هُنا بأن القائدين: الناصر " صلاح الدين الأيوبي " وثاني أعظم رئيس في تاريخ الولايات المُتحدة " إبرهام لينكون " ؛ كانا يعلمان مدى أهمية وحدة الشعوب ..!
فصلاح الدين استقى علمه ويقينه بأهمية وحدة الشعوب من قول الله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) وكثيرٍ من الأحاديث النبوية ، كما أنَّ " لينكون " قد استقى معلومة أهمية توّحد الشعوب ؛ من درايته وخبرته الاقتصادية ، والتي تُشير إلى أن المُجتمعات لا ترتقي إلا إذا كانت هذه مُجتمعات تتكامل اقتصادياً .. فالثروة البشرية الضخمة في الولايات الأمريكية الشمالية ؛ لن تكون ذا نفع إن لم توجد أراضي الولايات الأمريكية الجنوبية المُتميزة بالخصوبة العالية ، والتي كان أهلها يستجلبون الثروة البشرية من قارة إفريقيا كعبيد ليعملوا في هذه الأراضي في مهنة الزراعة..!
كما أن القائدين يعلمان بأن سُنَّة الحياة الكونية تُحتِّم وجود ذوات وقبائل وجماعات تهوى التقوقع والانفراد بالسلطة والثروات وسطوة النفوذ ، ولذا كان يجب عليهم التسليم لهذه الحقيقة التي تحدث في كل زمان وتوجد في مكان ، وبالتالي قدموا التضحيات للتوحد وقمع أي مساع للتفريق والشتات ، وها هو التاريخ يذكر هذه التضحيات من باب التبجيل والتمجيد ، لا التقبيح والتنديد ، كما أنه يذكر من قدمها أبطالاً وليس مُجرمي حرب ولا قتلة .. فالتاريخ لا يُحابي ، وإن وجد من يسعى لإغوائه ليذكر ويصف العظماء أمثال الشيخ " الزنداني " في اليمن بما يسوء ويُخجل ، و الله المستعان على ما يصفون .
hamdan_alaly@hotmail.com
في الخميس 26 فبراير-شباط 2009 06:32:15 ص