|
عبر إحدى القنوات التلفزيونية الإخبارية، تابعتُ حواراً مع أحد قيادات المعارضة الجزائرية والذي يقطن لبنان حالياً.. كان الحوار حول الأزمة السياسية الغريبة بين الشقيقتين العربيتين مصر والجزائر..
ما لفت انتباهي في هذا الحوار.. هو موقف المُعارض الجزائري مما يحدث بين بلده ومصر، حين قال للمُحاور أنه: من قادة المُعارضة الجزائرية في الخارج، لكنه اليوم يقف قلباً وقالبا بجانب "بوتفليقة" ومع النظام الحاكم في بلده ضد التعدي المصري على الجزائر على حد تعبيره.
تلقائياً حملني تفكيري إلى التأمل في موقف المُعارضة اليمنية " أحزاب اللقاء المُشترك" من تدخل إيران السافر في الشأن اليمني.. فوجدت بأن المُعارضة اليمنية قد تخاذلت في القيام بواجبها تجاه هذا الوطن في هذه الأيام العصيبة، وفضلّت على أن تكون فقط مُعارضِة لكل شيء.. للصالح والطالح ومُنتقدةً للخطأ والصواب، كما أنها تناست بأن الوطن شيء، والحزب الحاكم شيء آخر، فلم تعد تُفرِّق بين مشكلة النظام، وبين الخطر الذي يواجه الوطن بأكمله..!
المُعارضة اليمنية-مع احترامي الشديد والصادق لبعض قياداتها- تستبعد وجود الدعم الإيراني للحركة الحوثية، ليس لثقتها بعدم وجود هذا الدعم في الواقع، بل لأنها توقن بأنها مُطالبة بتغليب المصلحة العليا للوطن، والجلوس مع النظام الحاكم التي تعتبره عدوا لها على طاولة واحدة في حالة تسليمها بوجود الدعم الأجنبي للحركة الحوثية.. وهذا الأمر يتطلب منها التغاضي والتنازل عن مواقفها، ونسيان عدائها السياسي -أو على الأقل تأجيله- للنظام الحاكم والوقوف إلى جانب هذا النظام مهما كانت سيئاته، ضد أي تدخل أجنبي يصنع الفوضى في اليمن.
المُعارضة اليمنية لازالت تُشكك في الدعم الإيراني للحركة الحوثية، مُتجاهلةً التقارير الدولية التي تقول بأن الحرب في شمال اليمن هي حرب بين السعودية وإيران بالوكالة..مُتجاهلةً الكم الهائل من الأسلحة الإيرانية الصنع التي يجدها الجيش اليمني والسعودي بحوزة المُقاتلين الحوثيين وماذا يعني ذلك.. مُتجاهلةً مُناشدة قيادات كبيرة في إيران للحكومة اليمنية والسعودية إيقاف الحرب على المُجرمين في شمال اليمن وداخل الأراضي السعودية.. بل أن المُعارضة اليمنية قد غضّت الطرف عن الدعم الإعلامي الإيراني المُباشر للحركة الحوثية، وهي تعلم بأن واقعنا اليوم أثبت بأن الدعم الإعلامي، اشد وطأة وتأثيراً من الدعم بالمال والسلاح....!
ولا أدري..هل تنتظر المُعارضة ظهور" خامنئي" أو "نجاد" عبر الفضائيات بكل سذاجة، مُعترفين صراحةً بدعم بلادهم للتمرد في شمال اليمن؟ وأخشى إن حدث ذلك.. بأن تلتمس المُعارضة العذر لإيران، وتقول بأن فشل الحزب الحاكم في إدارة البلاد، هو ما دفع بإيران إلى دعم الحركة الحوثية في اليمن ..!
والغريب أن المُعارضة اليوم تعتبر أفعال الحوثي خارجة عن القانون وتنتقد الأخير وتصفه بالمذنب، لكنها في نفس الوقت تصف الحرب الدائرة في بعض مناطق صعدة وعمران بالحرب العبثية..!! وتُنادي بإيقاف هذه الحرب وتجعل ممن تضرر من سكان صعدة وعمران واليمن عمومة سبباً لإيقاف هذه الحرب...
ولكن صوت المنطق والعقل يقول.. بأن العبث هو أن نترك المُجرمين والمُخربين على" حل شعرهم" ليعبثوا هم بأمن الوطن وأمن جيرانه بين الحين والآخر، ثم نطالب الحكومة بخلق الأمن والاستقرار..!
العبث هو أن نترك جماعة تحمل هذا الفكر السرطاني المغلوط، وهي تحمل السلاح والذخيرة التي تمكنها من الصمود أمام دول لفترات طويلة..
العبث هو أن نضع الحلول الآنية كما فعل الحزب الحاكم في الحروب السابقة عندما تساهل مع هذه الفئة وأوقف عملية اجتثاثها عدة مرات حفاظاً على الأرواح والأموال، وكأننا تعودنا على حقن الوطن بحقنات من "الفلتارين" ليسكِّن وجع هذا الوطن لفترات بسيطة ثم يعود، بدلاً من أن نقوم باستخدام المشرط والمقص والقيام بعملية جراحية وانتزاع الجزء السرطاني مهما كانت العملية مؤلمة ومُكلفة..
العبث والفشل أيها السادة.. هو عندما نجعل من النازحين والقتلى والخراب الذي سببه المُجرمون، سبباً في أن نُطالب بإيقاف الحرب وعدم مُحاسبة ومُعاقبة هؤلاء المُجرمين ومُهادنتهم؛ بدلاً من أن نستغل الخسارة مادامت قد حدثت، ونثأر لهؤلاء النازحين والقتلى، وأن نصمم ونضحي لاجتثاث المُسبب في تشريد الناس وقتلهم وهدم اقتصاد البلاد.. لنتحاشى وقوع وتكرار هذه الكارثة والخسائر في الأرواح والأموال في المُستقبل كما تكررت ست مرات..
المُعارضة اليمنية بهذه السياسة تُسبغ على جرائم الحركة الحوثية شيئاً من الشرعية دون قصد، عندما تُطالب الحكومة بإيقاف الحرب أو عندما تصفها بالعبثية، كما أنها بهذه المطلب تدعم المُتمردين معنوياً، وتزيد من صبرهم وصمودهم في الجبهات بالرغم من الخسائر والضربات الموجعة التي تلقوها، لأنهم لا يواجهون موقفاً سياسياً موحداً ضد أفكارهم السامة ورادعاً لأفعالهم الإجرامية، وفرصتهم الوحيدة في هذه المرحلة هو أن تستطيع المُعارضة إجبار الحكومة بأن توقف الحرب عليهم وبالتالي يخرجون من هذه الحرب من مركز قوة وانتصار.. والحقيقة أن الشك قد بدأ ينتاب بعض السياسيين المُتابعين للأحداث، في احتمالية وجود قيادات في المعارضة تسعى إلى أن تكون المُعارضة اليمنية اليوم عبارة عن وسيلة لتقديم الدعم الغير المُباشر للحركة الحوثية، مُحاوِلَةً إنقاذ مشروع هذه الحركة المتطرفة إذا ما تم إيقاف الحرب في هذا الوقت بالتحديد..!!
إن المُتابع-المُتجرد من التبعية الحزبية والولاءات السياسية- لمواقف المُعارضة اليمنية اليوم؛ سيجد بأنها تتعامل مع حرب صعدة والحراك في بعض محافظات اليمن على أنها أزمات صنعها الحزب الحاكم وحده..! مُتناسية بأنها-المُعارضة اليمنية- شاركت أيضاً في صنع هذه الأزمات في اليمن، عندما تبنت الخطاب التحريضي في مُعالجة وانتقاد أخطاء الحزب الحاكم في اليمن منذُ سنوات..! كما أنها تعتقد بأن الحوثية والحراك مشاكل سيتضرر منها الحزب الحاكم فقط.. في حين أن هذه المشاكل عبارة عن مخاطر حقيقة تُهدد أمن واستقرار ووحدة اليمن ككل، ولا يقتصر تهديدها على القصر الجمهوري أو اللجنة الدائمة بصنعاء أو فروع الحزب الحاكم في المُحافظات اليمنية والله المستعان على ما يفعلون.
Hamdan_alaly@hotmail.com
في الخميس 03 ديسمبر-كانون الأول 2009 06:23:33 م