|
أتفهّم سبب الحالة الهيستيرية التي عكستها بعض الردود والتعليقات وحتى المقالات التي أراد أصحابها أن يثبتوا لنا بأن اليمانيين أقبح أهل الأرض..! وليس كما ورد في كتب الحديث وما نقلته في مقالاتي الأخيرة.. تحديداً المقال الذي كان بعنوان (اليمنيون خير أهل الأرض).
من الطبيعي جداً أن أجد من ينزعج ويشتاط غضباً، لأنه حبا حبواً لإنكار يمانيته في كثير من وسائل الإعلام، بهدف تحقيق أهداف سياسية أو لأن مصالح دنيوية غابت عنه بأي شكل من الأشكال. فرد بعضهم على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبيات شعر كان أصحابها قد قدحوا في اليمن وأهله بأبياتهم، ويا لسفه المُقارنة. أمّا بعضهم فلم يدخر جهداً في استذكار وسرد جرائم القتل والاغتصاب والنهب والسرقة والتقطّع والحروب التي تحدث في اليمن، وكأن العبد لله همدان العليي ضيف قادم من كوكب آخر، ولا يعرف ما يحدث في اليمن من أحداث..!
وبالرغم من تفهمي لتلك الحالة التي يعيشها أصحاب مشروع ما يسمى بالجنوب العربي، لكني أستغرب مدى ضحالة تفكيرهم وجهلهم، عندما يحاولون أن يجعلوا بعض المواقف والأحداث السلبية، معايير يتم من خلالها تقييم أرض طيبة وشعب مؤمن حكيم حباه الله منزلة خاصة مُثبتة في الكتاب والسنة..!
أولاً: يجب أن أؤكد أني لم أقل في مقالي الذي أثار حفيظة البعض أن ( السلطة أو المُعارضة خير أهل الأرض) وإنما قلت (اليمنيين). وهذا التوضيح أزج به هنا، لأن هناك مَنْ يسعى -لؤماً- إلى أن يجعل (السلطة) هي اليمن والعكس، فإذا كتبت مادحاً اليمن، قالوا عليك (مطبّل) للسلطة، و إذا كتب أحدهم قادحاً في اليمن، فإنما هو ينتقد السلطة..!! وهذا التصور لا يمكن له أن يكون صحيحاً بأي حال من الأحوال.
ثانياً: يجب أن يفهم الجميع بأن هناك معايير ربانية خاصة ليس لها علاقة بتلك التي يعتمد عليها الإنسان لكي يحكم على الشعوب، وهذه المعايير ربما يصعب على العقل البشري أن يستوعبها.
فعلى سبيل المثال.. كيف لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن يمتدح أهل اليمن هذا المديح الغزير في أكثر من موقف، بالرغم أن كثيراً من اليمنيين فيهم الجهل والجفاء والشدة التي آذت سكّان المدينة المنورة حتى أنهم شكوا أذية اليمنيين لأبي بكر الصديق حينها؟ كما جاء في كتاب (الطريق إلى دمشق) ص205 للمؤلف أحمد عادل كمال كيف لرسول الله أن يصف قوماً كأهل اليمن بأنهم حكماء وهم بهذا الشكل المنفّر عند البعض؟
كان رسول الله صلى الله وسلّم، يعرف جيداً بأن القبائل اليمنية فيها الجهل ما فيها وفيها الجفاء في التعامل بسبب الطبيعة الجغرافية التي يسكنونها كما جاء في كتاب (فلسطين واليمن علاقة متمددة عبر الزمن)ص71، ورغم ذلك قال فيهم ما لم يقله في بشر، وشهد لهم بشهادات مشرفة لم يشهد لأحد في الدنيا مثلها.. والسبب هنا، أن هذه المزايا والشهادات الروحانية، لا تعتمد على المعايير الدنيوية.
أجزم بأننا نتفق هنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وكلامه وحي يوحى، ومن هذا المنطلق سأتساءل للإثبات: هل أنزل الله عز وجل وحيه على محمد صلى الله عليه وسلم بأن اليمانيين أهل الحكمة والإيمان والطيبة ومدد الإسلام وخير أهل الأرض، وهو لا يعلم-وحاشى أن يكون كذلك- أن بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرتد بعض أهل اليمن، وأن منهم من سيدّعي النبوة، وأن منهم من سيؤسس فتنة عظيمة بين المسلمين؟
لا شك أن أي مؤمن بالله عز وجل سيقول: إن الله عز وجل يعلم بأن هذه الأحداث ستحدث بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نبأ الصحابة بحدوثها. فإذا كان كذلك، فكيف يوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليمنيين أهل الحكمة والإيمان وخير أهل الأرض، في حين فيهم من سيرتد عن دين الله ومنهم من سيكذب على الله ويدعي النبوة ومنهم من سيفتن بين المسلمين في تلك الفترة..!؟
فكون الأسود العنسي وعبد الله بن سبأ يمنيين، فهذا لا يُنقص من فضل وعظمة الشعب اليمني، أو لأن بعض قبائل اليمن رفضت دفع الزكاة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يخل بمكانة وفضائل أهل اليمن ودورهم البطولي في الذود عن دين الله ورفع رايته لمجرد انحرافهم في فترة من الفترات.. وقد قال أبوبكر الصديق في أهل اليمن بعد موت رسول الله بالرغم من أن بعضهم ارتد عند دين الله : (فإن الله مهلك بهؤلاء-يقصد أهل اليمن- أعداءنا وبأشباههم جمع هرقل والروم).، فهو يستند على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصالحة لكل زمان ومكان والتي لا تقبل التشكيك.
كما أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال في قبيلة همدان وهي أكبر القبائل اليمنية التي تنتشر فروعها في كل شبر من الأراضي اليمنية اليوم:
(يا معشر همدان: أنتم درعي ورمحي، والله لو كنت بوابا على باب جنة لأدخلتكم قبل جميع الناس، وما نصرتم إلا الله تعالى ، وما أجبتم غيره)
اليوم قد يتساءل البعض، كيف يكون أهل اليمن أهل حكمة وإيمان وأن يكونوا خير أهل الأرض وفيهم من يسرق ويقتل ويغتصب ويفسد ويتقطّع؟ وهو ذات التساؤل.. لماذا يصف الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الزمن أهل اليمن بالحكمة والإيمان والطيبة وأنهم خير أهل الأرض وفيهم الأسود العنسي وعبد الله بن سبأ ومنهم من ارتد عن دين الله ؟ بل السؤال الأهم: هل كان اليمن في تلك الحقبة أيام رسول الله خالياً من حوادث السرقة والقتل والاغتصاب والتقطّع ومن ظواهر الإفساد والحروب والتسول والفقر؟
قصارى ما أريد إثباته، هو أن جرائم القتل أو السلب أو الاغتصاب أو الفساد والحروب والفقر، وتمرد البعض عن دين الله.. ليست معايير يمكن من خلالها الحكم على الشعب اليمني هل هو من خير الشعوب أم لا.. لأن هذه الجرائم والأفعال كانت تُقترف من قبل شواذ المجتمع اليمني وغيره في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إن أهل اليمن خير أهل الأرض وأنهم حكماء وأهل الإيمان والطيبة...وللحديث بقية..
Hamdan_alaly@hotmail.com
في الثلاثاء 06 يوليو-تموز 2010 04:35:55 م