ماهلية.. حرمـان يتوغـل بين جبـال النسيان

السبت 31 أكتوبر-تشرين الأول 2009 الساعة 08 مساءً / مأرب برس-استطلاع / ذياب الشاطر
عدد القراءات 22006
 
 

مديرية ماهلية إحدى مديريات محافظة مأرب، تقع جنوب غرب عاصمة المحافظة وتبعد عنها بحوالي (90) كيلو متر وترتبط حدودها الإدارية مع مديرية العبدية وبعض المناطق التابعة لمحافظة البيضاء بالإضافة إلى مديرية رحبة.. السفر إلى ماهلية متعب وشاق جداً نظراً لتضاريسها الجبلية القاسية التي تتخللها عدد من الوديان مع وعورة الطرق خاصة مع عدم اكتمال تعبيد الطريق الرئيسي المعروف بطريق (مأرب – البيضاء ) والذي مضى على تدشين العمل فيه منذ أكثر من عشرين عاماً ومع ذلك لا زال بحالة يرثى لها.. تاريخ ماهلية تحتفظ به بعض الكتابات الحميرية والآثار القديمة الموجودة في (ثماد) وهجر قانية.. وحاضرها تكشف عنه معاناة الناس وتردي الخدمات الأساسية التي تشعرك بوجودها خارج نطاق الجمهورية اليمنية... (صحيفة مأرب) زارت المديرية وسلطت الضوء على الواقع المرير الذي تبينه سطور هذا الاستطلاع:

أجيال تبحث عن التعليم ومبان معرضة للانهيار

تعاني مديرية ماهلية كغيرها من مديريات محافظة مأرب من ضعف كبير في الاهتمام بالعملية التعليمية التي تعتبر أهم ركائز التنمية والتطوير والبناء في المجتمعات وبالرغم من وجود حوالي 17 مدرسة أساسية وخمس في قانية وثانويتان فقط، إلاّ أن النشيفه، العشة، عبال، المجحفة. تحتاج إلى مدارس، هذا بالإضافة إلى أن الطلاب في (آيال جول العقال) يدرسون في عشش أو المسجد في أفضل الأحوال، وتوجد مدارس أساسية مكونة من خمسة فصول بمدرس واحد ...المدارس في ماهلية بحسب الأهالي معظمها تحتاج إلى ترميم، أما مدرسة (الفرش) فإنها معرضة للإنهيار والسقوط على رؤوس الطلاب إذا لم تقم الجهات المسئولة بترميمها.

تردي البنية التحتية للتعليم تنعكس على بقية الوسائل، فنقص الكتاب المدرسي بات عادة سنوية، ومعلمي المواد العلمية والمدرسين المؤهلين حاجة المدارس والأجيال الباحثة عن تعليم متميز.. ولكم أن تتصوروا أيضاً أن هذه المديرية لا يوجد بها معمل مدرسي.. فكيف سيكون مستوى الحصيلة العملية للطلاب الذي يعيشون في مثل هكذا وضع؟!!.

التعليم في ماهلية بحاجة إلى تظافر جهود الجميع لانتشاله من حالته المأساوية، وتكثيف الرقابة على إدارة التربية في المديرية وإدارات المدارس، والعمل على توفير مستلزمات ووسائل العملية التعليمية وتأسيس مدارس خاصة بالبنات مع تفعيل دور مجالس الآباء واختيار الشخصيات الكفؤة والمؤهلة للإدارة والتدريس بعيداً عن الإملاءات الضيقة ، هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى المجتمع لظهور جيل متعلم يحمل عنه أعباء البناء والتنمية بدلاً من حالة العزوف والتسرب من المدارس للهجرة والاغتراب التي أنتجها واقع التعليم الذي لا يلبي طموحات الطلاب.

الصحة.. وجود لا يخلو من المنغصات

الصحة في ماهلية عبارة عن مركز صحي في مركز المديرية (العمود) ووحدتان صحيتان في قانية وحلاقة والأخيرة موقفة بسبب خلافات (آل حسين والطولا) ويعمل بها (2) طبيب عام ومساعد طبيب ومختبرات في مركز العمود.. وما عدا هذا ..كل شي معلول ، ولولا جهود فردية من مدير إدارة الصحة بالمديرية بحسب الأهالي لكانت الأمور أكثر سوءً، ووجود مقر وحيد للإدارة من بين الإدارات التنفيذية يدل على أن هناك جهوداً تستحق الشكر.

الأهالي في ماهلية يتمنون مستشفى مدعوم بالكفاءات والنفقات التشغيلية يكفيهم عناء السفر إلى الجوبة أو مدينة مأرب أو البيضاء والتي تصل تكاليف إيجار السيارة إلى ما يقارب (20.000) ريال في بعض الأحيان، ناهيكم عن الطرقات الغير معبدة التي تطول معها ساعات السفر وتزيد من عناء المريض أو المصاب ويتحدثون عن حالات فارقت الحياة أثناء قيام أهاليهم بإسعافهم، كما أن مناطق (النشيفة، العرش، القرش، الحلاقة) تحتاج إلى وحدات صحية تتوفر فيها الخدمات الطبية وكوادر مؤهله للارتقاء بالواقع الصحي لتلك المناطق النائية، ومن الأهمية بمكان أيضاً توفير سيارة إسعاف تكون تحت إشراف إدارة الصحة بالمديرية وذلك للقيام بإسعاف الحالات الطارئة مجاناً أو برسوم رمزية بحسب حالة المريض المادية.

الطرقات.. وعورة لا تصلح للحمير

إذا كانت هناك عدة طرق من الجهات التي تربط المديرية وبين مناطق المديرية إلاّ أنها سيئة جداً ووعرة للغاية، وتحتاج المديرية إلى إنجاز طرق داخلية معبدة تربط المديرية بمناطقها (ثماد، قانية، العرش، حلاقة) نظراً للتكاليف المادية المترتبة على وعورة الطرقات حتى أن المريض في العرش مثلاً يحتاج إلى (خمسة آلاف ريال) إيجار السيارة التي ستنقله إلى مركز المديرية.

هناك أيضاً الطريق الرئيسي الذي يسمى طريق (مأرب – البيضاء) لم يكتمل إنجازه حتى اللحظة بالرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على تدشين العمل فيه ومع ذلك يراوح مكانه بما يوحي أن هناك نوايا مبيته لإبقاء تلك المناطق محرومة ومعزولة.

المعاناة التي يعاينها أهالي ماهلية من الطرقات لا تتوقف عند هذا الحد فقط، بل تصل إلى عزل المديرية أثناء سقوط الأمطار ونزول السيول التي تقطع الطرقات ويضطر الأهالي إلى البقاء أيام وأسابيع حتى انخفاض منسوب المياه، كما نود أن نشير إلى أن الحمار وسيلة النقل المثلى لنقل الأمتعة، وليس هناك منطقة خالية من الحمير رغم امتلاك السيارات العادية.

مشكلة الاتصالات

أنت في ماهلية.. أنت خارج نطاق التغطية.. حتى أن خدمة الاتصالات السلكية معدومة ويعتمد الأهالي على الأجهزة النقالة التي توفرها (وزارة الاتصالات)، وكذا أجهزة الجوال ( CDMA – GSM ) التي تصل تغطيتها إلى بعض الأماكن المرتفعة.. وتحمل المواطنين وزارة الاتصالات والسلطة المحلية إهمال موضوع الاتصالات وعدم إدخال شبكة اتصالات وسنترال سلكي إلى المنطقة.

الفانوس بديل الكهرباء

تعيش كافة مناطق ماهلية في الظلام ومشاريع الكهرباء الحكومية غائبة بشكل كلي، ويعتمد الناس على الفوانيس أو مولدات كهربائية خاصة بالنسبة لميسوري الحال أما في(العمود) مركز المديرية فيقوم الأهالي بجهود ذاتيه بتمويل مولد كهربائي عبر رسوم شهرية تدفع لتغطية نفقات الديزل والعامل... وما عدا ذلك فإن الظلام سيد الموقف.

أزمة المياه وواقع العطش

المياه مع أهميتها الكبرى في الحياة لم تجد اهتماماً من الجهات المعنية حيث أن هناك مشروع مياه حكومي فقط لا غير وهو خاص بمركز المديرية ولا يزال العمل جار فيه.. أما بقية المناطق فلا وجود لمشاريع مياه فيها ويعتمد الأهالي على (الحمير) لنقل المياه من الآبار مع استخدام (الدلو) لجلب المياه في بعض المناطق.

ويتحدث المواطنين متسائلين حول جدوى وجود هيئة عامة لمياه الريف فيما المناطق الريفية يقتلها الظمأ ومهددة بالجفاف.

سنوات مليئة بالثأر والصراعات

تعاني مديرية ماهلية كغيرها من مديريات المحافظة والمجتمع اليمني من آفة الثأر والصراعات القبلية، وعادة ما يلجأ الناس إلى الأعراف القبلية للتحاكم والفصل في القضايا وذلك الأخير أثر على دور إدارة أمن المديرية التي رأت في ذلك تخفيفاً من مسئولياتها أضف إلى ذلك عدم وجود محكمة قضائية، وهو ما يعقد كثير من الخلافات ويزيد من التكاليف المادية على أطراف النزاع الذي يتنقلون من شيخ إلى آخر طمعاً في الحلول التي تصبح بعيده المنال نظراً لزيادة الأحقاد والضغائن خلال فترة البحث عن حل المشكلة التي تطول في غالب الأحيان، وأبرز تلك القضايا والصراعات نجدها في (ثماد) بين آل حسين والطولا وقد مر عليها عشر سنوات تقريباً، وفي (الشاجن) بين النهمه وآل طالب منذ عامين تقريباً وجمعيها بسبب خلافات على الحدود والأرض، وفي الوقت الذي حصدت تلك الصراعات أرواح عدد من الضحايا، نجدها لا زالت بدون حلول الأمر الذي يضع على عاتق المشائخ والوجهاء الخيرين والجهات المعينة البحث عن حلول جذرية من أجل سلامة الأرواح واستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة بالإضافة إلى حل مشكلة الحدود المشتركة بين (الصعاترة) حتى لا تنشأ صراعات جديدة لتلك الأسباب، كما ننوه إلى أن نزاعات آل حسين والطولا تسببت في إيقاف مدرسة ووحدة صحية في حلاقة وذلك الأمر له انعكاساته السلبية على التنمية ومشاريع البنية التحتية في المديرية بشكل عام، حيث أن السلطة تبحث عن أي ذرائع أو شواهد تغطي عجزها عن تحقيق التنمية في تلك المناطق.

الهروب من الفقر إلى الغربة والضمان الاجتماعي لن يحل المشكلة

الضمان الاجتماعي وحالات الرعاية باعتبارها إحدى وسائل التخفيف من حدة الفقر لا يودي دوره بالشكل المطلوب بحسب الأهالي، حيث يشكو الناس من عدم وجود آلية عادلة لتوزيع حصة المديرية من حالات الرعاية الاجتماعية بالرغم من أنها ليست كافية، مشيرين إلى أن هناك مراكز بها كثافة سكانية تتساوى في الحصص مع المراكز ذات الكثافة السكانية المحدودة نتيجة ضعف الأمانة وعدم المسئولية لدى من يتولون مهمة التوزيع في المديرية، أما حصة المديرية من الوظائف في الشركات النفطية والشركات العاملة في محافظة مأرب فإنها في عداد المفقودات، وهو ما يجعل الشباب والعاطلين علن العمل يتجهون للاغتراب والبحث عن العمل خارج الوطن سواء بطرق رسمية أو عبر التهريب إلى السعودية... هناك قضية الزراعة والثروة الحيوانية التي يعتمد عليها غالبية السكان لا يوجد أي اهتمام بها من قبل السلطة المحلية والجهات المسئولة، حتى إن الأغنام تتعرض لعدد من الأمراض التي تحتاج إلى لقاحات بيطرية لا تجدها في المديرية فتكون النهاية موت الأغنام وخسارة المواطنين لجزء من موارد الدخل الرئيسية المحدودة.

المجلس المحلي.. تصاعد الخلافات وتراجع التنمية

حالة استياء عارمة تسود أوساط المواطنين من أداء المجلس المحلي، وتنتاب الناس حالة من الشعور بالندم على سوء اختيار أعضائه، ويتحدث الأهالي عن المجلس المحلي بكونه فاشل في إدارة المديرية وعاجز عن تقديم أي خدمات من شأنها رفع مستوى التنمية وتحسين أوضاع المواطنين.

يشير الأهالي إلى أن الخلافات التي بين مدير المديرية والأمين العام للمجلس المحلي على إدارة العمل والتي كان أبرزها وجود (ختمين) للمديرية وآلية التوقيع على المناقصات وابتزاز المقاولين التي يتهم كل طرف الطرف الآخر بالقيام بها.. كلها انعكست سلباً على أداء المجلس المحلي الذي بات في موقف لا يحسد عليه جراء عدم قدرة أعضائه على الوفاء بالتزاماتهم ووعودهم لجمهور الناخبين، وإذا استمرت الأمور تسير في ظل هكذا وضع فإن التنمية لن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، كون الوضع الحالي بحاجة إلى إيقاف تسارع خطوات السير إلى الوراء.. الأمر الذي يضع المسئولين والشخصيات الاجتماعية أمام مهمة صعبة ومسئولية كبيرة لمراجعة الأداء والنظر بعين المسئولية لبناء مديرية ماهلية وانتشالها من بين براثن الحرمان ومستنقع الإهمال واللامبالاة الذي تغوص بين أوحاله البائسة.