في كتاب توثيقي.. الشاعر بلغيث يرصد أبرز روائع شعر الوهبي

السبت 30 أكتوبر-تشرين الأول 2010 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - علي الغليسي
عدد القراءات 11914

تمكن الشاعر/ سعيد علي بلغيث بعد جهود مضنية من جمع وتحقيق ما شاع من أشعار الشاعر الشعبي/ عبدربه محمد الوهبي الذي عاش في تضاعيف القرن الثاني عشر الهجري، ويعتبر من رواد القصيدة الشعبية ومجدد في الأدب الشعبي، وإذ ظلت الساحة بعده شاغرة فإن أحداً من الشعراء الشعبيين لم يستطع مجاراته من زمانه حتى اليوم، ولم يبلغ الشأو الذي بلغه كون نتاجه الأدبي هو الذروة السامقة في بعض بلاد شرق اليمن لما يلامس الوجدان الإنساني في شعره من حسن الديباجة وروعة المعنى وجزالة اللفظ وعذوبة النغمة وفصاحة المفردات، وهي مزايا قد لا تجتمع جملةً واحدة لشاعر شعبي.

يشير بلغيث في مقدمة كتابه (روائع من شعر الوهبي) الذي يقع في (146) صفحة، أن التسع القصائد والمقطوعات التي احتواها الكتاب من تراث الشاعر تكفي للحكم على موهبته بما في ذلك قصيدته (الميمية) التي لو لم يكن له إلا هي لخلدت ذكره، وأضاف المؤلف بأن إبراز الشاعر على الساحة الأدبية ومحاولة إنصافه من خلال نصوصه التي شاعت في الأوساط القبلية وظلت تتناقلها الأجيال، يرجع إلى كون تلك النصوص بمثابة واحة غناء وارفة الظلال يطيب للناقد التطواف بين خمائلها والسياحة في أجوائها، كما أن الغيرة على تراث الشاعر بعد تهافت بعض المقلدين ومحاولاتهم الفاشلة سرقة معانيه، حيث ظهر من لم يتورع عن الادعاء لفظاً ومعنى، ولولا أنه عزيز المنال وعسير الانتحال، لما له من شيوع وذيوع ومزايا أخرى لذهب نهبا مقسما بحسب تعبير المؤلف.

الشاعر (عبدربه محمد ضيف الله منصور نمي) من (بني وهب) أحد بطون (مراد)، نزح جدهم الأعلى (نمي) على وزن (قصي) من منطقة (الجوبة) واستوطن منطقة (الوهبية) الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة البيضاء على بعد 80كم تقريبا، وقد كان الشاعر المولود في (الوهبية) من أحلاس الخيل يملك عنان الحصان الملقب (كريان) الذي خلده الشاعر بوصفه له، فاقترنت شهرته بشهرة صاحبه، فصار كأنه (سكاب) أو (الورد) أو (البلقاء) وهي من أشهر الخيول العربية في التاريخ كان يملكها الشاعر الجاهلي بشر بن خازم ومعاوية بن عمرو بن الشريد والبلقاء فرس للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ...عاش الشاعر عبد ربه الوهبي في منطقة ريفية لا يوجد بها أي وسط ثقافي أو هجرة من هجر العلم، ولم يصل من أخبار وآثار الشاعر أنه تيسر له مطالعة كتب الأدب والتاريخ بما فيها الشعر العربي الفصيح، لذا فلا يمكن أن يؤخذ عليه ما أخذ على غيره ممن حاكوا أشعار القدامى وسقوا معانيها وانتحلوها وقلدوها.

يقول بلغيث أن الشاعر الوهبي اشتهر بالجود والكرم ولازمته تلك الصفات على الصعيد الشخصي، هذا بالإضافة إلى اعتزازه بنفسه واعتداده بشاعريته، وقد اشتهر هذا الشاعر أيضا بالغزل أكثر من شهرته بغيره من الأغراض الشعرية الأخرى حيث يحتل الغزل حيزا كبيراً في قصائده، فضلا عن مقطوعات له لا تعالج سوى موضوع الغزل، هذا بالإضافة إلى تألقه في عدد من الأغراض كالفخر والحكم والأمثال والدعاء والابتهال، كما أن الشاعر الوهبي أتقن فن الوصف بكفاءة عالية، إذ يصف جواده الملقب (كريان):

ذا قيل من له السبق حصان أدهم

محجل أربع طويل الباع مهمام

يسبق ويلحق ويتقفا ويتقدم

وهو (كريان) ذي ما هو مع يامي

قرت له الخيل رب أبيض ورب أسحم

وكم من أحمر شرس مزعال مقدام

ولا شك أن أول شاعر خط هذا السبيل هو امرؤ القيس الكندي أشهر شعراء العرب على الإطلاق حيث قال في وصف حصانه:

مكر مفر مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطه السيل من عل

ويقول بلغيث وهو مدير الأحوال المدنية بمديرية العبدية – مأرب أن الشاعر (الوهبي) جعل غرض المديح في شعره وقفاً على قومه، وما ذاك إلا أن الشاعر بقريحته الطيبة وروحه المرحة ونفسه التواقة إلى المعالي حلق خاليه في سماء المدح، فخلع على أصحابه من الإطراء الجميل والثناء الحسن حللاً منسوجة وبروداً موشاه، حيث لم يرق شاعر شعبي إلى الجانب الفني الذي وصل إليه الوهبي، وباء المقلدون بالفشل باستثناء عدد قليل جددوا وأجادوا في هذا الغرض، وربما تطلعت أكثر من قبيلة إلى نبوغ شاعر يقتفي أثر الوهبي.

الجدير بالذكر أن سعيد بلغيث المولود في (قرن) في مديرية العبدية بمحافظة مأرب 1968م أديب وشاعر وباحث مهتم بالأحداث التاريخية والأعراف القبلية ويحمل عضوية (مؤسسة الإبداع للثقافة والأدب والفنون) اهتم بالأدب الشعبي وتتبع درره وجواهره، وقد كان كتابه الجديد (روائع من شعر الوهبي) حصيلة سنوات من التوثيق والتحقيق.