صالح على خُطى (باجبو) وفرصة الزحف التي أضاعها شباب التغيير

الجمعة 15 إبريل-نيسان 2011 الساعة 04 مساءً / مأرب برس – خاص - عبدالرقيب الهدياني
عدد القراءات 10924
  في كل يوم يمر من عمر الثورة، يظهر الشباب في الساحات والميادين أجمل ما فيهم من بسالة وقيم وأخلاق ، وبالمقابل يظهر صالح ونظامه وحاشيته أسوأ ما فيهم من عنف ومراوغة وفقر أخلاق.

علي عبدالله صالح الذي يميل إلى العنف وافتعال الأزمات يتمنى لو تتغير الظروف ليفلت من هذا المأزق والحصار إلى أي واقع آخر حتى لو كان ذلك نموذج صديقه القذافي، وإزاء كل هذا التعنت والتقلب في المواقف لا أرى نهاية للرئيس صالح غير مآل (بابجو) الرئيس المهزوم في ساحل العاج الذي اقتادته القوات الفرنسية من غرفة النوم حينما رفض هذا الأخير الانصياع للإرادة الشعبية وتسليم السلطة لخصمه الفائز في الانتخابات.

صالح يعاند أمام الإرادة الشعبية وفي أذنيه من الصمم ما يحجب عنه سماع هدير الملايين في ساحات التغيير وميادين الحرية داخليا ونداءات الأشقاء والأصدقاء المطالبة صراحة بتنحيه عن السلطة والرحيل الفوري.

صالح يتحدث عن الرحيل المشرف متجاهلا مسيرته الغير مشرفة وسنوات حكمه الحافلة بالفشل ومغامراته الطائشة في الحروب والدمار .. في القتل والبطش .. في النهب والإقصاء.. ربما لا يعي صالح أن النهايات لن تكون إلا على نسق البدايات ، أكثر من ثلاثة عقود -هي فترة الرئاسة - انطوت خالية من أي منجزات أو أعمال صالحة ، لكنها مثقلة بالمآسي والفشل الذريع.

يتحدث صالح وقومه عن الخروج المشرف ،غير مدركين لما اقترفوه من جرائم بحق هذا الشعب والكفيلة بوضعهم في صف أشقياء قوم ثمود.

يسعى صالح لأن يصنع هو بنفسه خاتمة حكمه كما يريد، وتريد جماهير الثورة أن تكون صاحبة الكلمة الفصل في ذلك، إرادة حاكم كهل في مقابل إرادة وعزيمة ثورة شبابية فتية، يراهن صالح وقومه على خبرات من الزمن البائد وأدوات قديمة في واقع جديد ، ويراهن الشباب على حماس ملتهب لم يعرف الانكسار وأدوات عصرية لا يعرفها صالح ولا قومه من ذوي العقول المتقادمة ، وبين الفريقين لا مجال للمقاربة أو التحدي على الإطلاق.

بعيدا عن المبادرات وأهمها الخليجية، ودون التعرض للمواقف المؤيدة للثورة وأبلغها الأمريكية والأوروبية، لقد أهدر شباب الثورة فرصة الزحف إلى قصر الرئاسة وتحقيق مطلب التنحي في ذلك التوقيت المناسب يوم اهتز صالح واهتزت أركان نظامه عسكريا وأمنيا ودبلوماسيا واهتزت حكومته وأعضاء حزبه عقب الإعلان المدوي لقائد الفرقة المدرعة علي محسن صالح ، لم يحسن شباب الثورة في ساحة التغيير بصنعاء اقتناص اللحظة والتحرك من الساحة صوب القصر وإعلان الانتصار العظيم، تذكروا أن صالح نفسه في ذلك اليوم قبل التنحي في اللقاء الذي عقد بمنزل عبدربه منصور هادي وشعر بالهزيمة واستسلم لها لولا تسامح الثوار وترك صالح في فسحة من الوقت ليجمع أنصاره في جمعة التسامح ، وهي التي منحته وأنصاره بعضا من الثقة وسوقوا من خلالها حججهم ومبرراتهم ، في التمسك بالسلطة وعدم الإذعان لصوت الجماهير المرابطة في ساحات وميادين أمانة العاصمة والمحافظات . 

ستنتصر الثورة وسيذهب صالح وقومه، وسيذكر التاريخ قصة أطول حاكم على الإطلاق حكم اليمن لـ( 33) عاما ،في ظل حكمه توحد اليمن لكنه قاد حربا عسكرية لإقصاء شركائه في الوحدة وفشل فشلا ذريعا في ترسيخ هذا المنجز الكبير، وافتقد للاستقرار نتيجة حروبه العبثية في طول وعرض الوطن على الدوام ، واعتبر اليمن في ظل حكمه من أفقر بلدان العالم، وصنف بالدولة الهشة والحكم الفاشل حيث عمه الفساد والعبث والفوضى وغاب عنه النظام والقانون، وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع ثورة شعبية سلمية أطاحت بهذا الحاكم ونقلت الشعب اليمني إلى المستقبل.

الثورة تجب ما قبلها ولا تقبل الترقيع وأنصاف الحلول

مخطئ من يصور ما يجري في اليمن باعتباره أزمة بين سلطة ومعارضة، وبالتالي تبدو الأخطاء فادحة في الحلول الآتية من هكذا فهم، لا يجوز الحديث عن تفويض الصلاحيات من رأس النظام إلى نائبه أو من يريد، كما لا يجوز الحديث عن أحزاب يجب التفاوض معها وتقديم المبادرات والحلول إليها، لأنها باختصار لا تملك إنهاء حالة الاحتجاج في الساحات والميادين.

هذه الملايين التي تهتف بإسقاط النظام إنما تعني انتهاء حقبة وبدء أخرى جديدة، انتهاء حقبة فشلت كل أدواتها من مؤسسات وأحزاب (حكومة ومعارضة) للخروج بالبلد من حالة الانسداد السياسي والفقر المعيشي والتعثر التنموي ، فخرج الشعب ليفرض الشرعية الثورية وإعلان وفات آليات العمل السياسي السابقة كمؤسسات (الرئاسة و الحكومة والبرلمان) والأحزاب وكذا الدستور، وهذا ما يعبر عنه الشعار العريض( الشعب يريد إسقاط النظام).

كما أن الثورة التي لا تحقق جميع أهدافها ليست ثورة، وبهذا المنطق يجدر ببعض السياسيين التوقف من التهافت عندما يعلنوا ترحيبهم المتسرع ببعض المبادرات والحلول القادمة من هناء وهناك، وهي غالبا ما تكون ترقيعية ومحاولات للمقاربة وتكون غالبا لصالح الطرف الضعيف وهو النظام اليوم الذي يبحث عن طوق نجاه ينقذه من طوفان شعب لابد وأن تتحقق إرادته في الاقتصاص من ظالمه. 

سجل أنا يمني

أجد ذاتي في كل هذه الساحات الثائرة ، مع كل هؤلاء المحتشدين في الميادين ، هتافاتهم أصبحت ملئ سمع الدنيا وبصرها، كم تبدو صورة اليمن بهية في عيون أهلها ومحيطها وكل الدنيا ، مثالا للعزة والكرامة ورمزا للإباء رافضة الظلم والطغيان ، فشكرا لهؤلاء الثوار الشباب الذين رسموا لليمن عنوانا جديدا وكسروا تلك الصورة البائسة لبلدهم في عقول ومخيلة العالم.

على مدى عقود كرس الحاكم ووسائل إعلامه وزبانيته تلك الصورة القاتمة للشعب اليمني، باعتباره الشعب العالة والفقير وغير المنتج .. الشعب الهمجي ،القبلي وأرض تنظيم قاعدة جزيرة العرب ..القنبلة الموقوتة .. رؤوس الثعابين والشعب المفتت والمجزئ إلى أربعة أشطار.

هذا الحاكم لا يملك من مؤهلاته القيادة غير العجز والفشل .. الفساد والعبث .. الدمار والبطش بالشعب ، تسول بنا الدنيا وراح يطلب المساعدات، حد إهدار كرامة الشعب الأصيل ، ووصل المستوى بنا أن كتب إعلان على حفاضات الأطفال: ( اشتري حفاضات ( pampers ) وأنقذ حياة طفل يمني) ليتم التبرع بقيمتها لشراء لقاح أطفال اليمنيين.

هذه الهبة الشعبية والثورة المتعاظمة في كل أرجاء الوطن، أعادت الاعتبار لنا كيمنيين، ولهذا أستطيع اليوم وبكل فخر أن أتحدث عن انتمائي لهذا الوطن ، اليوم فقط أستطيع أن أهتف بأعلى صوتي : رددي أيتها الدنيا نشيدي رددي وأعيدي وأعيدي .. عشت إيماني وحبي أمميا ومسيري فوق دربي عربيا وسيبقى نبض قلبي يمنيا .. لن ترى الدنيا على أرضي وصيا.

الشعب اليمني أذهل الدنيا يوم خاض ثورته السلمية ، وشهد العالم هذا البلد القبلي و الخمسين مليون قطعة سلاح وهو يصنع ثورته الحديثة في ساحات التغيير وليس في جبهات القتال، حمل الورود ورابط بصدور عارية فقهر عنف النظام المتهالك، لأنه يتمثل مقولة المهاتما غاندي: أومن أن اللاعنف يتفوق على العنف بصورة مطلقة والتسامح أقوى من العقاب. 

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية