خيمة اللحظات الأخيرة لصالح في الحكم وسيناريوهات الساعات القادمة

الأحد 05 يونيو-حزيران 2011 الساعة 06 مساءً / مأرب برس/ نبيل سبيع
عدد القراءات 80464
 
 

لم يتمكن الرئيس علي عبدالله صالح وما تبقى من نظامه من إكمال أول ركعة من صلاة الجمعة 3 يونيو 2011. فعند لحظة الركوع، دوى انفجار كبير في قبلة مسجد النهدين الواقع في أقصى الجنوب الشرقي من حرم القصر الرئاسي جنوب العاصمة صنعاء اختلفت الروايات حوله، لكنه سيكون بلا شك أكبر حدث في تاريخ اليمن الحديث.

الانفجار، الذي شغل اليمن والعالم وما يزال يكتنفه غموض شديد حتى الآن، ما يزال مصدرا للمعلومات والروايات المتضاربة حول طبيعته ومن وقف وراءه. فقد تضاربت المعلومات حول المادة المتفجرة بين الحديث عن قذيفة وصاروخ وعبوة ناسفة كما حول من قام به بعد نفي أبناء الشيخ الأحمر علاقتهم به وتبرئة الرئاسة لهم. لا أحد يمتلك القصة الحقيقية والكاملة لما جرى، لكن هذه الرواية المستقاة من مصادر خاصة من القيادات التنظيمية للمؤتمر وحلفائه وجهات وثيقة الإطلاع على الأمور قد تكون الرواية التفصيلية للساعات الأخيرة لصالح في قمة هرم سلطة اليمن.

خيمة اللحظات الأخيرة

بعد أربعة أشهر من صلاة الجمعة في مسجده الفخم الواقع في ميدان السبعين، غير صالح مكان الصلاة منذ أسبوعين إلى مسجد النهدين الواقع داخل حرم قصره الرئاسي الأكثر تحصينا في اليمن. في كل جمعة، كان صالح يخرج الى خيمته المخصصة للقاءاته الصباحية الواقعة في حوش منزله شمالي غرب القصر حيث يستقبل ما تبقى من رجال نظامه ثم يغادر معهم بوابة القصر الشمالية الى جامع الصالح لأداء الصلاة قبل أن يقوم بآخر وأكبر حدث سياسي لم يعد بمقدوره القيام بأكثر منه: ارتقاء منصة السبعين وإلقاء خطبة قصيرة على أنصاره المحشودين بالمال العام من مختلف محافظات الجمهورية. لكنه في آخر جمعتين لم يعد يغادر البوابة الى الجامع نفسه بل يتجه الى الجامع القديم القائم منذ بناء القصر قبل أكثر من حوالي 25 عاما في أقصى الجنوب الشرقي من الحرم الرئاسي أسفل الجبلين الشهيرين بحثا عن أمان.

كعادته، خرج صالح مرتديا زيه القبلي التقليدي هذه الجمعة التي لم تختلف كثيرا عن سابقاتها سوى في جوها العام الذي فرضته حربه مع مشائخ قبائل حاشد من بيت الأحمر في عمران وفي سنحان الذين حرصوا على التبرؤ منه علنا وبشتى السبل عبر تكريس لقبه وسط شباب الثورة السلمية: عفاش. اللقب كتب على أرضيات وجدران ساحة التغيير في صنعاء في محاولة من بيت الأحمر للفصل بين نسبه ونسبهم بعد ثلاثة عقود ونيف من اشتراكهما في السلطة والنسب، ولكن أيضا وأكثر من ذلك في محاولة لتعييره بنسبه الإجتماعي كسليل أسرة بسيطة من الشعب. لكن صالح بدا متمسكا بشيء من حاشد حتى آخر لحظة عبر تشبثه بجنبيته ذات "العسيب" الأخضر الحاشدي، وهو التشبث الذي يعكس نفسه على الأرجح حتى من خلال تعمده إبقاء جنبيته و"عسيبه" متسخين تماما دون أن يسمح لأحد الإقتراب منهما لتنظيفهما ربما على عادة القبائل والبدو الأقحاح.

لابد أن الأمر أصبح معتادا لرجال صالح الذين ينتظرون دخوله الخيمة كل جمعة بتلك الجنبية الحاشدية. لكن شخصا واحدا بين الجميع كان متواجدا هذه الجمعة لأول مرة منذ بداية الثورة ربما نظر إلى الجنبية والعسيب بشكل مختلف هذه المرة. حمير الأحمر كان متواجدا في إطار مساعي وساطة داخل خيمة صالح التي غادرها قبل نحو ساعة من الهجوم، طبقا لمصادر خاصة قالت إنه تذرع بتحفظه على حضور الصلاة في مسجد النهدين تفاديا لظهوره على كاميرات التصوير.

اعتذار حمير عن الصلاة في المسجد ومغادرته المكان كان أحد الأمور التي أثارت الشبهات حول دور أبناء الأحمر في الهجوم. لكن رجالا آخرين اعتذروا عن حضور الصلاة قالت المصادر إن بينهم وزير الخارجية أبوبكر القربي الذي سبب اعتذاره بوجود ضيوف لديه في منزله. وأحمد عبيد بن دغر وعارف الزوكا وصلاح الصيادي نجوا بأمر من صالح نفسه. فقد أمرهم بالتوجه الى المنصة وانتظاره هناك.

في هذه الخيمة القماشية والمقلمة بخطوط بيضاء وخضراء عريضة وعمودية، اعتاد صالح أن يلتقي ضيوفه من كل فئات المجتمع حيث يعقد معهم الصفقات وغالبا ما يوجه لهم الأوامر منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. لكن ضيوفه لم يعودوا كثيرين. نفس الأسماء والوجوه تتردد على هذه الخيمة خلال الثورة التي خلعت أطراف وأعضاء نظامه عضوا عضوا وقطعة قطعة كما تخلع الملابس.

إنها خيمة اللحظات الأخيرة والأصدقاء الأخيرين حيث جلس صالح خمسة أشهر يشاهد الزلزال وهو يضرب نظامه وعرشه بقوة دون أن يملك حيلا. لجأ الى القوة والعنف الوحشي ثم إلى "الأشقاء والأصدقاء" في الخليج والعالم ثم الى الحرب دون أن ينجح في إيقاف الزلزال.

الخيمة مستطيلة ويتم الدخول اليها من منتصفها حيث يتخذ صالح مكانه على يمين الداخل إليها فوق مقعد جلدي (كنب) بني اللون وأمامه طاولة شاي كبيرة بأقدام قصيرة من نحاس وسطح زجاجي يوجد غيرها الكثير من الطاولات المشابهة ولكن الأصغر حجما موزعة أمام كراس حديدية بجلسات ومساند ظهر حمراء مخصصة للضيوف. هذا هو المشهد الذي ودع عليه نظام صالح نفسه قبل يومين.

يبقى مقعد صالح الجلدي وطاولة شايه ثابتين مكانيهما في حين يتغير ترتيب أماكن كراسي الضيوف وطاولاتهم بتغير طبيعة اللقاء وحاجة صالح منه. إذا كان يريد أن يخطب في ضيوفه، يقوم خدمه اليمنيون بترتيب كراسي الضيوف الحمراء في صفوف كصفوف كراسي التلاميذ أمام مدرس يؤدي مهمته جالسا. وإن كان لقاء اعتياديا للتشاور مع رجال القبائل وغيره كأغلب اللقاءات التي أجراها خلال الشهور الخمسة الأخيرة من الثورة الشعبية السلمية، فإن الخدم يقومون بترتيبها على جوانب الخيمة.

ضيوف صالح الأخيرين

ضيوف صالح خلال فترة الثورة هم في الغالب الضيوف أنفسهم الذين يظهرون الى جواره في منصة ميدان السبعين حيث يبدو ان ترتيب أماكن جلوسهم لا يختلف كثيرا عن ترتيبها داخل الخيمة. رئيس البرلمان يحيى الراعي يشغل كرسي الضيف الواقع على يمينه فيما يشغل رئيس الوزراء علي محمد مجور كرسي الضيف الواقع على يساره. ويتوزع كبار رجاله الآخرين هكذا على اليمين واليسار: رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني ونائب رئيس الوزراء رشاد العليمي ونعمان دويد وصادق أبو راس. ويبدو أن الصف الأول من صلاة آخر جمعة لصالح كرئيس اتخذ الترتيب نفسه في جامع النهدين.

تقول الرواية إن الراعي كان على يمينه ومجور على يساره وامتد الصف هكذا على اليمين واليسار ليشمل عبدالغني والعليمي ودويد وأبو راس، ولهذا كانوا الأكثر تضررا من الهجوم الذي وقع لحظة الركوع، وفي رواية أخرى في السجدة الثانية من الركعة الأولى. لكن وقوعه لحظة الركوع هي المرجحة بالنظر الى الإصابات التي تعرض لها أركان نظام صالح. لم تكن تلك مجرد إصابات، بل عملية تنكيل.

احترق أغلبهم وتفحمت أطرافهم. طبقا للرواية، احترقت إحدى قدمي العليمي الى درجة التفحم وكذلك أبو راس، وقد بترت قدم كل منهم في مستشفى العرضي بصنعاء يوم الهجوم. أما نعمان دويد فقد كان الأكثر تضررا. احترقت يداه وإحدى رجليه الى درجة التفحم وقد بترت يداه ورجله أيضا. وفيما نجا صالح الذي كان يرتدي واقيا بحروق وخدوش طفيفة في الوجه ويديه ورجليه، وقعت الإصابات الأقوى أسفل العنق وعلى قفاه وأعلى الصدر. أما الراعي ومجور وعبد الغني فما يزال وضعهم غير معروف حتى اللحظة.

لكنهم نقلوا الى جدة مع العليمي وأبوراس على متن الطائرة الطبية السعودية التي رفضت نقل دويد معهم جراء سوء حالته. وتقول الرواية إن الطاقم الطبي في الطائرة رفض استقبال دويد بعد أن بلغت حالته درجة اللاأمل، فقد انخفض ضغطه ونبضات قلبه بدرجة كبيرة ومن المرجح أنه لم يصمد حتى مساء أمس.

ونقل صالح هو الآخر الى السعودية بعد رجاله بساعات. وتناقلت وسائل الإعلام أمس وصوله الى قاعدة الملك خالد الجوية في الرياض حيث قال مراسل العربية إنه شوهد وهو ينزل من الطائرة على قدميه. وتقول الرواية إنه توجه الى الرياض برفقة 24 من أفراد أسرته في مقدمتهم إبنه خالد الذي أصيب في الهجوم وإبن شقيقه طارق محمد عبدالله صالح الذي تولى عملية إسعاف المصابين إثر وقوع الهجوم.

خالد، البالغ 23 عاما والذي كان والده قد ولاه قيادة فرقة مشاة جبلي حديث التأسيس، أصيب بشكل طفيف وفقا للرواية التي تقول إنه كان في الصف الثالث أو الرابع من الصلاة. وقتل 11 شخصا بينهم إمام المسجد وعصام دويد الذي كان واقفا جوار الإمام باعتباره أحد حراس صالح الشخصيين. وتحدث صالح عن سقوط 7 قتلى من حراسه في مقدمتهم قائد الحرس محمد الخطيب فيما تحدثت معلومات رسمية عن سقوط 124 جريحا. ومن بين الجرحى المعروفين، الشيخ ياسر العواضي الذي كان واقفا في الصف الثاني أو الثالث وتعرض لإصابة في رجله تحت الركبة.

ولصالح عائلة كبيرة تتألف من 11 بنتا كبراهن بلقيس، ثماني منهن متزوجات من رجال يحتلون مواقع مرموقة في النظام أحدهم نعمان دويد في حين ما تزال الثلاث المتبقيات غير متزوجات وأصغرهن ما تزال في الـ11 وتدعى لجين. ولديه 6 أبناء أكبرهم أحمد وأصغرهم صخر المولود في مثل هذا الشهر من عام 1994. ويبدو أن خالد يحتل مكانة خاصة لدى والده لأنه تمكن من التخرج من معهد ساندهيرس البريطاني الذي أخفق في التخرج منه كلا أخويه: أحمد وصلاح. وصلاح ولد في 1988، العام نفسه الذي ولد فيه خالد من أم مختلفة.

وباستثناء خالد وطارق، لم تتوفر معلومات دقيقة حول بقية أفراد أسرة صالح الذين غادروا معه الى الرياض، لكن الرواية أكدت عدم مغادرة أحمد ويحيى صالح وأخيه عمار البلاد.

صعوبات علاجه

وتعددت الروايات حول حالة صالح الصحية حيث ذهب البعض منها الى القول بمقتله إثر وقوع الهجوم، لكن وزارة الخارجية قالت مساء اليوم نفسه إنه لا يوجد دليل يثبت وقوع الهجوم قبل أن تذهب إلى القول إنه لم يكن متواجدا لحظة الهجوم. وفي حين رجحت لاحقا المعلومات حول تعرضه للإصابة، فقد تضاربت الأنباء حول درجة الإصابة بين الحديث عن إصابة بليغة وطفيفة. ونقلت الـ بي بي سي أمس عن مصدر في الرئاسة معلومات عن تعرض صالح لإصابات خطيرة في الصدر وأسفل الرقبة.

لكن، أيا تكن درجة إصابته، فإن علاجه سيواجه صعوبات كبيرة جراء إصابته بمرض السكري الذي يحول دون تجلط الدم والتئام الجروح بسرعة.

وواجهت حالة صالح صعوبة في التحسن بسبب السكري منذ اللحظات الأولى لإصابته. فبعد أن كان الموكب الذي قام بنقل صالح وبقية المصابين تحت إشراف طارق متجها في شارع الستين صوب مستشفى 48 الواقع قرب معسكر الحرس الجمهوري في منطقة السواد، غير الموكب اتجاهه صوب مجمع الدفاع في العرضي. ونقل موقع "مأرب برس" عن مصادر خاصة أن صالح نقل بمفرده إلى العرضي، كي لا تتسرب أية معلومات حول حقيقة وضعه الصحي. غير أن سبب نقل صالح الى العرضي كما تقول المصادر الخاصة التي بنيت عليها هذه الرواية يعود الى اكتشاف الطاقم الطبي الخاص بصالح أن حالته تحتاج الى الرقود جراء عدم التئام جروح صالح واستمرار نزيفه بسبب السكري. وقال المصدر: "الرئيس قد يتلقى العلاج في مستشفى كمستشفى 48، لكنه لا يرقد أبدا إلا في مستشفى العرضي المعد خصيصا لمثل هذه الظروف".

وأثار الحادث إثر وقوعه زوبعة من الغموض أحاطت بالمسألة برمتها وفي القلب منها وضع صالح. ففي حين أكدت المصادر الرسمية وقوع الهجوم، قالت إن صالح بخير وسيعقد مؤتمرا صحفيا في غضون ساعات يلقي خلاله بيانا على الشعب. لكن المؤتمر الصحفي تأجل أكثر حتى المساء حين ظهر بدلا عن صالح نائب وزير الإعلام عبده الجندي الذي أعاد ما كان قد ورد عل لسان المصادر الرسمية. وفي ساعة متأخرة من المساء، بث تسجيل صوتي لصالح عزز الغموض حول مصيره.

التسجيل، الذي بثته الفضائية اليمنية، قدم صوتا بدا مفبركا ما كرس الإعتقاد بأن صاحبه ليس صالح، ما عزز لدى كثيرين رواية مقتله في حين عزز لدى آخرين- كنت في مقدمتهم- رواية أخرى مفادها أن صالح افتعل الهجوم من أجل تحقيق مكاسب على الأرض ضد الثورة الشعبية السلمية وخصومه في الحرب من أبناء الأحمر. لكن المصدر الذي نثق به أكد أنه صوت صالح الحقيقي لكنه عكس سوء حالته الصحية. قال: "كان الإعياء الشديد واضحا في صوته ربما جراء نزفه الشديد بسبب السكري".

المصدر، الذي كان من جلساء مقايل صالح الدايمين، قال إنه أدرك بسرعة أن المتحدث كان صالح لعدة أسباب أهمها طريقة ذكره أسماء كبار الشخصيات من رجاله الذين أصيبوا في الهجوم. "فهو قال: الأستاذ عبدالعزيز عبد الغني. وقال: الدكتور علي محمد مجور. وقال: يحيى الراعي دون لقب والبقية أيضا دون القاب"، قال مضيفا: "عندها تأكدت أنه هو من كان يتحدث".

وأوضح المصدر: "الرئيس يسمي عبدالغني بأستاذ لأنه حين تولى السلطة كان يناديه بلقبه هذا. وهو اعتاد أن ينادي مجور في المقيل بـ: يادكتور.. يادكتور!". وتابع: "وفي ذكره لمجور بإسمه الثلاثي، وجدت دليلا ثالثا على أنه صاحب الصوت المسجل لأنه أعتاد أن يذكره بإسمه الثلاثي".

"وحين قال: يحيى الراعي دون أي لقب، أصبح لدي دليل رابع. فهو اعتاد أن ينادي الراعي دون أي لقب رغم أنه بروتوكوليا أرفع مكانة من مجور وعبدالغني، فهو رئيس البرلمان "، قال المصدر موضحا: "السبب في ذلك أنه اعتاد على مناداة الراعي بدون لقب لأنه عرفه منذ كان قائدا لمعسكر خالد في تعز حين كان هذا الأخير ضابطا صغيرا تحت إمرته".

ونعى صالح في تسجيله الصوتي قائد حرسه الخاص محمد الخطيب و6 حراس آخرين قال إنهم قتلوا في الهجوم. وذكر أسماء مسئولين آخرين تعرضوا للإصابات بينهم العليمي ودويد وأبوراس قال إنهم جميعا في العناية المركزة. واتهم صالح أبناء الأحمر بتدبير الهجوم، و

وتوجهت أصابع الإتهام الرسمية الى أبناء الأحمر عقب الحادث مباشرة، ما دفع مكتب الشيخ صادق إلى نفيه متهما النظام باستهداف نفسه على لسان مدير المكتب، محمد القيسي الذي قال إن "النظام أصبح كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله". لكن حميد الأحمر كان أكثر وضوحا وتحديدا عندما اتهم صالح بتدبير هذا الهجوم بنفسه من أجل اتخاذه كذريعة لاستهداف معارضيه وذهب في تحديد أهداف الرئيس أكثر من وراء هجومه على نفسه الى القول إنه أراده غطاء لاستهداف منزله ومنزل اللواء علي محسن الأحمر بعد أن كانت قوات صالح قد باشرت بتنفيذ عمليات انتقامية سريعة طالت منزليهما في منطقة حدة.

كما توجهت أصابع الإتهام الى علي محسن الأحمر الذي نفى الناطق الرسمي باسم فرقته الأولى مدرع علاقتهم بالهجوم أو علمهم بمصير صالح في أعقاب الحادث مباشرة.

وطاشت أصابع الإتهام الرسمية هنا وهناك. فقد اتهم أحمد الصوفي، سكرتير صالح الصحفي، الولايات المتحدة بالوقوف وراء العملية، ما ردت عليه الخارجية الأميركية بالنفي واصفة هذا الإتهام بـ"السخيف". وأنضم البيت الأبيض الى المشككين بوقوع الهجوم من أساسه قبل أن ينتقل الى القول إن صالح ربما لم يكن متواجدا في المسجد لحظة الهجوم أصلا.

ووسط كل هذا، كان يرجح السيناريو القائل بأن الهجوم مدبر من داخل القصر بالنظر الى أن القذيفة كانت أفقية وليس عمودية وأنها من نوع لا يوجد إلا لدى القوات الخاصة. لكن سيناريو الدولة الأجنبية ظل واقفا على قدمين في رؤوس كثيرين حيث كان التصور أقرب الى أن صاروخا ذكيا هو من ضرب رئيسا لطالما وصف بالذكاء.

ووراء زوبعة الغموض وفوضى الإتهامات، لا يبدو مستبعدا أن دولة أجنبية دبرت الهجوم عبر طرف من داخل القصر. "ليس هناك من يمكنه القيام بمثل هذا الهجوم سوى دولة تمتلك صواريخ ذكية أو مدافع هاون متطورة من نوعية المدافع التي لا يمتلكها سوى الحرس الجمهوري"، قال المصدر الذي يرى أن قرارا بحجم اغتيال رئيس في اليمن لا يمكن أن يتخذ في صنعاء بل في عاصمة أخرى . وأضاف: "قائد عسكري في الحرس الجمهوري لديه دافع شخصي وراء قتل صالح هو من أدار العملية".

"لم يقتصر هذا القائد على محاولة إغتيال الرئيس، بل حاول أيضا إغتيال نجله"، قال المصدر موضحا: "الإنفجارات الثلاثة التي هزت معسكر القوات الخاصة استهدفت أحمد. لكن المحاولة فشلت، وهناك حديث عن أن هذا القائد نفسه تمت تصفيته، فهو مختف منذ تلك اللحظة". لكن مصادر أخرى أكدت أنه أدار العملية عن بعد و"أنه الآن حي يرزق وبخير كالريال".

وغادر صالح في الواحدة بعد منتصف ليل أمس الى الرياض على متن طائرة طبية سعودية خاصة في رحلة تستمر 48 ساعة من المفترض أن يخضع خلالها لعمليات جراحية وتجميلية. وقالت رويترز اليوم إنه يخضع فعلا لعملية في الصدر لاستئصال شظايا. وكان يفترض أن تظل الرحلة سرية، "لكن قيام الرياض بتسريب خبر سفره عكس سوء نية لديها"، قال المصدر.

سيناريوهات الساعات القادمة

واحتفل شباب الثورة السلمية في صنعاء وعموم المحافظات اليمنية بخروج صالح الذي قالت واشنطن إن عودته الى الرئاسة لم تعد ممكنة. وتسلم نائب الرئيس عبدربه منصور هادي مهام رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن لا تزال المخاوف من فراغ سياسي ودستوري تلف وضع قيادة اليمن في ظل قلق من احتمال قيام نجله أحمد بتفجير الوضع بمساعدة أبناء عمه يحيى وعمار. وترجح المصادر أن يتولى أحمد منع أي محاولة من قبل أبناء الأحمر لمنع طائرة والده من الهبوط في المطار في رحلة عودته المقررة الى صنعاء بعد 48 ساعة.

أيا تكن سيناريوهات الساعات القادمة، فإن هناك سيناريو واحدا يبدو أنه بات أمرا واقعا. لقد طوت اليمن اليوم عهد صالح ولم يعد لدى الرجل أحد. ما تبقى من نظامه تفحم أو بتر، ومن المرجح أن الرجل المروع انتهى الى مصير لايقل ترويعا.

لم تكن آخر جمعتين في عمره السياسي سوى تعبير مكثف عن تناقضات 33 عاما من حكمه. فـ"جمعة النظام والقانون" و"جمعة الأمان" لاتحكيان سوى قصة الغياب الممنهج والمميت لأكثر ركنين توسلهما منه شعبه طيلة حكمه دونما استجابة منه.

كان تحول صالح من مسجده الجديد الى مسجده القديم بحثا عن أمانه الشخصي في وقت كان قد أدخل فيه كل إنسان يمني في حالة الحرب واللاأمان، ولكنه كان أيضا تحولا لرغبة ربما في تحسس البدايات. وهناك، في الرياض، لابد أن صالح سيتعرف على بداياته من جديد بمرارة من رآهم وشارك في نهايتهم قبل ثلاثة عقود ونيف.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية