فورين بوليسي : عشيرة صالح حالت دون أي تسوية سياسية فعالة في اليمن والسعوديون غيروا موقفهم وعادوا مرة أخرى لمساندة صالح سرا

الخميس 29 سبتمبر-أيلول 2011 الساعة 11 مساءً / مأرب برس – ترجمة: عبدالله عبدالملك سلام – خاص
عدد القراءات 11338
 
 

الترجمة خاصة بمأرب برس ..

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريرا مفصلا عن الوضع في اليمن يوضح الرؤية الأمريكية والعربية لما يجري على أرض الواقع خاصة بعد عود صالح المفاجئة إلى صنعاء ولأهمية الموضوع مأرب برس يعيد نشر الموضوع باللغة العربية :

عندما غادر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اليمن في يونيو الماضي للعلاج من إصاباته، ظن الكثير من المراقبين أن الأزمة في طريقها للحل لصالح المعارضة السياسية والثوار المتظاهرين في الشوارع.

  لو قدر لصالح - الذي أصيب بحروق بليغة في هجوم على مسجده الرئاسي – أن لا يموت، فقد كان على الأقل سيبقى سجينا لدى السعوديين الذين كانوا يسعون بشدة لاستقالته. قليلون من كان يظن أن الرئيس قد يعود يوما ما.

وداخل اليمن كانت القوى الموالية لصالح ستبقى أضعف بدونه، لذا كان الفرصة سانحة لمعارضيه. وكان يمكن لحكومة انتقالية الإشراف على سلسلة جديدة من الانتخابات تكون فاتحة لحقبة جديدة لما بعد صالح .

 هذا ما جرى حينها.

 لكن خلال الصيف الدامي أظهرت عشيرة صالح أنها أكثر من قادرة على الحفاظ على موقفها السياسي. فأبناء الرئيس وأبناء أخيه الذين يقبضون على المفاصل الأمنية و العسكرية، سعوا بقوة إلى المواجهة، فاندلعت إشتباكات متقطعة في جميع أنحاء البلاد : في تعز، وصنعاء، وأرحب، وأبين ، في عدن ، وغيرها.

 في صنعاء كان معظم ضحايا القتال من المدنيين، و بدا أن مؤيدي صالح قادرون تقريبا على استفزاز قيادات عسكرية منشقة و متحالفة مع علي محسن الأحمر، الجنرال البارز الذي انضم إلى "الثوار "في مارس وتعهد بحمايتهم.

 الاعتداءات على المدنيين لم تبعث فقط برسالة إلى المحتجين، بل كشفت ضعف قوات علي محسن الأحمر. ظهر بالفعل أن كل المجاميع المناوئة لحكم صالح بما فيها الفرقة الأولى مدرع التابعة لعلي محسن الأحمر، والمتظاهرون في الشوارع، والقوى المتحالفة مع الزعيم القبلي صادق الأحمر، والمعارضة السياسية مجتمعة غير قادرة على خلخلة موازين القوى لصالحها. فلم تتم الانتخابات ولم تستطع المعارضة تشكيل حكومة انتقالية على الرغم من سعيها لذلك.

 و لم يمت صالح متأثرا بجراحه، و كـ "ضيف" تعافى خلال الصيف من جراحه وعاد قادرا على مزاولة مهامه الرئاسية، والاجتماع في المجمع الطبي مع بعض مسئولي الحكومة الذين جرحوا خلال الهجوم.

 حاول مسئولون غربيون بسرعة صناعة حقائق على الأرض من خلال التعامل مع نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي على اعتبار انه بالفعل يمثل السلطة في اليمن. رسميا، كان هادي يمثل رأس الدولة، لكن احمد صالح - نجل الرئيس وقائد الحرس الجمهوري - أغلق أبواب القصر الرئاسي في وجهه مجبرا إياه على العمل من منزله، باعثا بإشارة واضحة عن من يحكم بالفعل.

 بطريقة ما، اثبت هادي أنه مفيد للأمريكان. بخلفيته العسكرية وعلاقاته المحلية، استطاع حشد قوات محلية وقلب الأمر ضد القاعدة في محافظة أبين.

تعهد هادي بالتعاون ، وطمأن الأميركيين أن اليمن لن يسمح لتنظيم القاعدة باستغلال الأزمة. وقالت تقارير محلية من أبين أن عمليات إنزال جوي سعودية وأميركية كانت حاسمة في الحفاظ على حياة اللواء 25 ميكا الموالي بينما كان محاصرا لثلاثة أشهر من قبل مسلحين في زنجبار عاصمة محافظة أبين). شكر صالح كلا من الأميركيين والسعوديين على دعمهم في الحرب على تنظيم القاعدة في خطاب ألقاه بعد وقت قصير من عودته إلى صنعاء).

 أراد الأمريكان والأوروبيون من هادي الذهاب أبعد من ذلك، و تنفيذ المبادرة الخليجية التي تدعو صالح إلى التنحي بعد شهر من توقيعها، وذلك لتشكيل حكومة انتقالية تشرف على انتخابات جديدة. كانوا يبتغون التوصل إلى تسوية سياسية كان من المحتمل أن تحل الأزمة التي تغذي بجلاء حالة عدم الاستقرار في اليمن، وتمنع البلاد من معالجة اقتصادها الشديد التدهور.

لكن عشيرة صالح حالت دون أي تسوية سياسية فعالة، معرضة المتظاهرين في الشوارع لنيران القناصة أو القصف العشوائي، في عمل يبدو أن دافعه الاطمئنان إلى الإفلات من العقاب.

  وأخيرا ، في منتصف شهر سبتمبر ، وردت أنباء عن تفويض الرئيس صالح نائبه هادي للتفاوض على تسوية تقوم على أساس المبادرة الخليجية. و بدا أخيرا أن ثم أمل في التوصل إلى حل سياسي. وبيمنا كان الأمر قاب قوسين أو أدنى اندلعت أعمال العنف على الفور، وتلاشت الآمال في تسوية سياسية ممكنة.

 أسباب هذه الجولة الأخيرة من العنف غامضة. فقد فتحت القوات الموالية للحكومة النار على المتظاهرين في صنعاء .كان الأمر على درجة من الوضوح، ولكن يبدو أن المتظاهرين كانوا يتحركون خارج مواقعهم في اتجاه القصر الرئاسي ، وأن قوات علي محسن الأحمر تستفيد من تحركهم لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض. يتهم الكثيرون في اليمن علي محسن بالتحريض على هذه الجولة من القتال خوفا من أن يتم استبعاده من تسوية ياسية قد يُتفاوض عليها. لكن أيا يكن مصدر العنف ، فقد نشب قتال ضاري أسفر عن أكثر من 100

قتيل ، معظمهم من المتظاهرين، ولكنه تضمن أيضا عددا كبيرا من الجنود بسبب الاشتباكات بين القوات الموالية ووحدات عسكرية منشقة.

 وعندها، وفي تطور جديد تماما، ظهر صالح مع الملك عبد الله في المملكة العربية السعودية، في ما بدا أنه زيارة رسمية. و فجأة بدا أن السعوديين - الذين سعوا بجد من أجل رحيل صالح في الربيع الماضي - يدعمونه الآن رسميا.

و بعد بضعة أيام فقط، عاد فجأة إلى صنعاء. 

رسميا قال صالح انه عاد للإشراف على تسوية سياسية، مدعيا أن الحوار هو الحل الوحيد، وانه جاء حاملا غصن الزيتون وحمامة السلام. و فور عودته اندلعت موجة جديدة من العنف حيث حاول الموالون لصالح تقديم بيان واضح بأن أي تسوية سياسية ستكون بشروط يمليها الرئيس. و تعرض حي الحصبة - حيث يقيم صادق الأحمر زعيم تحالف قبائل حاشد - مرة أخرى للهجوم. كما وردت أنباء عن تعرض منزل شقيقه حمير الأحمر في حي حده الراقي للهجوم كذلك، كما كان الأمر في مقر علي محسن الأحمر في الفرقة الأولى مدرع. ووقع المتظاهرون السلميون في ساحة التغيير تحت نيران كثيفة مرة أخرى. إما أن مؤيدو صالح يدفعون للضغط من أجل حل عسكري، أو أنهم يسعون لإضعاف الخصوم.

في العلن، يصرح صالح بالتزامه بالسلام. ففي يوم الأحد ، 25 سبتمبر جدد التزامه بالمبادرة الخليجية وأكد أنه يمكن لنائبه التوقيع عليها نيابة عنه. لكنها وعود جوفاء حتى هذه اللحظة. المعارضة اليمنية والثوار في الشوارع رفضوا قبول تشكيل أي حكومة انتقالية بمشاركة الرئيس صالح على وجه التحديد، لأن الرئيس و منذ فترة طويلة بارع في التظاهر بالرضوخ للضغط الجماهيري بينما هو في الواقع ينفذ مخططاته الخاصة وفق شروطه هو.

 و هذا هو بالتحديد ما يبدو أن صالح يقوم به الآن. فلثلاث مرات يعد بالتوقيع على المبادرة الخليجية، ولثلاث مرات يغير رأيه في اللحظة الأخيرة) إحداها والسفير الأمريكي إلى جانبه يشهد التوقيع). من منظوره الخاص، لم ينج صالح محاولة الاغتيال الجسدي فقط، بل أيضا من الاغتيال السياسي المدعوم من المجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك السعوديون ذووا الأهمية البالغة. و يبدو أن السعوديين قد غيروا موقفهم وعادوا مرة أخرى لمساندة صالح سرا، فما الداعي لأن يغادر الآن؟ 

تنامى ضجر مسئولين أمريكيين من صلف صالح ، وأعلنوا رسميا مرتين في أول يومين لعودته أنهم يريدون منه إقامة حكومة انتقالية ثم الاستقالة بعد ذلك. العاهل السعودي الملك عبد الله دعاه كذلك للتنحي بعد يوم واحد فقط

من مغادرته المملكة إلى صنعاء.

 يبدو موقفا البلدين كوميديين في ضوء الحقائق السياسية في اليمن. صناع السياسة الأمريكان سوف يعترفون بالتأكيد بـ" حقائق صالح على الأرض "وسيدعمونه، حتى بعد نهاية ولايته في عام 2013 وما بعده. لم يحبط صالح ليس فقط محاولة أمريكية لخلق "حقائق على الأرض " بتشكيل حكومة انتقالية بدونه، لكنه أيضا خلق "حقائق جديدة على الأرض "ستمكنه من البقاء في السلطة بغض النظر عن مناشدات الولايات المتحدة والسعودية الرسمية، حتى لو كانت صادقة.

 مرة أخرى سيسم صالح نفسه باللاعب الأوحد في الساحة. و هو ما يعني أن اليمن لن تشهد أي تسوية سياسية و أن العنف سيستمر. والثوار في الشوارع لن يستسلموا، و سيسقط علي محسن وأولاد الأحمر في صراع طويل ليس لديهم معه أي خيار.

 في الوقت نفسه ، فإن الاقتصاد ومعه الأزمة الإنسانية المتفاقمة ، سوف يستمرا في التدهور. في الشمال هناك مخيمات قائمة مسبقا منذ سنوات من الصراع مع الحوثيين، وأخرى تقام في الجنوب نتيجة للقتال في محافظة أبين.

و يبدو أن زعماء اليمن عازمون على البقاء في السلطة بأي ثمن، حتى بتجويع الشعب، طالما أنهم فقط لا يزالون في القمة.

 الأمل الحقيقي الوحيد الباقي الآن لليمن هو مفاجأة سياسية أخرى غير متوقعة تؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات شرعية. وبالنظر إلى تفوق صالح الواضح في بلد عميق التمزق والانقسام فهذا الأمل جدّ ضعيف .

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية