من أول يوم حددت «توكل كرمان» فلسفة مسار الثورة وخذلها المشتركيون

الأحد 02 أكتوبر-تشرين الأول 2011 الساعة 03 مساءً / مأرب برس - عبد المنعم الشيباني:
عدد القراءات 10141


لا خلاف على ان تجربة احزاب اللقاء المشترك (المعارضة اليمنية الرئيسة) تجربة رائدة في العمل السياسي على مستوى الساحة العربية وان هذه الاحزاب- اللقاء المشترك- كانت رائدة في التحضير والإعداد للثورة اليمنية السلمية التي انطلقت في الرابع من فبراير 2011 من العام الجاري ومهدها الأول "ساحة الحرية" تعز(شارع التحريراولاً ثم بعد ذلك محطة صافر –الهُريش-عصيفرة) متزامناً مع تأسيس "ساحة التغيير" امام بوابة جامعة صنعاء، بحضور وتأسيس عملي من قبل قيادة احزاب المشترك الذين خرجوا يومها الى الشارع كقدوة ثورية للناس في التضحية والإقدام..

ولا خلاف على ان احزاب المشترك بذلت كل غالٍ في سبيل التصعيد الثوري ضد نظام عائلي يرفض الحوار ويتشبث بالسلطة والثروة –على حساب جماجم شعب يمني مسالم- يعتبر اليمن كمِلك للعائلة ثم للعمَّال والأذيال من عبيد النظام القهري العسكري،النظام الأسري المغتصب للثروة والحُكم.. ولا خلاف على تضحيات كبيرة قدمتها المعارضة اليمنية كـ (مشترك) ومعها تيار الشرفاء من المؤتمريين المنضمين الى الثورة ومن تيار الناشطين الحقوقيين وكذا تيار المستقلين والأكاديميين ورجال القبائل.

ليس من الإنصاف والعدل ان نجحد جهود جبارة وتضحيات عظيمة قدمها المشترك وقياداته (2002-2011) جهود ميدانية في التصدي لخروقات وجرائم الحاكم ضد المجتمع وضد تطلعات الشعب في دولة يحكمها القانون، قدمت احزاب المعارضة وقياداتها السياسية نماذج رائعة للنضال السلمي الشعبي وهي نفسها القيادات التي قدمت ما عندها خدمةً للثورة السلمية اليوم تصعيداً ومقارعةً لأشكال الغطرسة الدموية للنظام العائلي، حيث حازت الأحزاب المشتركية على اعجاب واسع في الساحة العربية كتجربة نضالية سلمية ناضجة ورائدة في التصدي والنضال السلمي غير ان هذه الأحزاب راحت " تعقر حبها" و " تنقض غزلها من بعد قوةٍ" يوم راحت ترهن نفسها لمبادرة (سعودية اماراتية) تبيَّن زيفها وخبث مراميها-اي زيف ومرامي تلك المبادرة- في الحفاظ على اركان النظام المناطقي الفردي الأسري، خمسة اشهر من التيه والضياع والتخبط خسرت فيها احزاب المشترك انصارٌ كثرٌ في الداخل والخارج وبدأ الناس يشككون في صدق وجدية هذه الأحزاب في النضال لاقتلاع اركان العائلة حتى قيل "ان هذه الأحزاب المتهاونة في الحسم واللاهثة وراء سراب سعودي زائف ليست سوى وجه آخر للنظام ومأجورة للسعودية".

ولكن السيدة الحقوقية الثائرة توكل عبد السلام كرمان كانت ايضاً من اوائل المؤسسين لـ ساحة التغيير -مع نخبة من زملاء العمل الثوري الشبابي ومن الشباب والناشطين والناشطات من مختلف الاطياف، حيث قدم الشباب تضحياتٍ كبيرةٍ حتى تأسست لهم (ساحة امام بوابة جامعة صنعاء) كمنطلق للزحف المقدَّس بقيادة توكل كرمان التي صارت حديث القنوات والصحف ووسائل الإعلام في العالم بشخصيتها الثورية الشبابية النسوية النادرة في تاريخ المرأة العربية المسلمة منذ دهور.

لم يستطع المشترك الحزبي في المعارضة اليمنية مواكبة قفزة توكل كرمان المبكرة في الزحف السلمي الى معاقل النظام بل وراحت الاحزاب تخذلها وتحد من زحفها واحياناً تتهمها بالتهور والمغامرة بأرواح الشباب او تتهمها بـ " شرعنة العنف" وان " الحل عن طريق الخليج" وهو الحل الأمثل- حسب رؤية المشترك السياسي الحزبي المعارض.

زادت شعبية "كرمان" وسطع ضوء شمسها اكثر عالمياً كبطلة ثورية اسقطت بالفعل حُكم علي عبد الله صالح فيما تناقصت وضعفت شعبية المشترك اكثر بسبب تردد وارتباك وعدم وضوح فلسفة هذه المشتركيات لمسار الثورة، لم يحددوا ماذا يريدون ولا كيف !! فيما حددت توكل كرمان بوضوح-ومن اول يوم- فلسفة مسار الثورة وهو الزحف المقدَّس والقاء القبض على الجناة في الحُكم وانه " لا ثورة من غير زحف ولازحف من غير تضحيات".

واليوم وبعد ان غُدر بالمشترك الحزبي وبعد ان اكتشفوا حقيقة ضبابية رؤيتهم للحلول وانهم ارتهنوا لمبادرة خادعة ومضيِّعة للوقت -لمصلحة النظام العسكري المتطرف والمسرف في القتل والعدوان والابادة- هل يحدد المشترك من جديد فلسفته للحسم كما تفعل وفعلت (توكل) من قبل ام ان الخنوع صار شيئاً يلازم هذه الاحزاب، ترهن نفسها يائسة وتهرول من حوار الى حوار ومن توقيع الى توقيع ومن تطبيع الى تطبيع، كـ احزاب سياسية لا حول لها ولاقوة !!

واليوم تتصاعد شعبية (توكل) اكثر واكثر بعدما تبين للعالم قاطبة ان هذا النظام لا يفهم لغة المبادرات ولا لغة الحلول السياسية، وتبيَّن للشعب اليمني صوابية منهج الزحف المقدَّس الى مخابئ المعتدين والغاصبين للبلاد والثروة وصارت (توكل) فيلسوفة الثورة بإقدامها الفريد وشجاعتها النادرة وفهمها المبكر.

والخلاصة، هل آن الأوان لقيادات المشترك ورجال المجلس الوطني ان ينبذوا " ترهات" الحوار العقيم والجري وراء فلان وعلان من مبعوثين ووسطاء يخدمون النظام-لا الثورة- بكل وقاحة وصفاقة!!.. هل آن للمشترك والمجلس الوطني تحديد موعدٍ للزحف المقدَّس؟ فإنْ لم يفعلوا فقد استحقوا من هذا الشعب المزيد من السخط وإن يفعلوا يكفِّروا عن " تخاذل" قديم وتراجعٍ مخيبٍ للآمال جرعوه شباب الثورة وانصارها في الخارج والداخل.. ومع ذلك تستطيع قيادات المعارضة السياسية ان تكسب ثقة الشارع من جديد بتضحيات عملية كا لتي قدمها الشهداء الابرار وكالدرس البليغ الذي قدمه المفكر التربوي الإسلامي احمد القميري والدكتور محمد الظاهري وان تستفيد من دروس مريرة قاسية تحت شعار "التوافق والتفاوض" لأنه ببساطة(لانظام غاصب يفاوض على سقوطه).

وأخيرًا هذه هي توكل كرمان آسرة جماهير الثورة ومحط انضار العالم والباحثين والمراقبين لأنها تملك فلسفة واضحة ومحددة "من اول طلقة الى آخر طلقة" ولأنها لا تساوم على دماء شهداء الثورة السلمية الذين قدموا ارواحهم من اجل التغيير- التغيير الشامل والكامل غير منقوص.. نقطف من مقالة توكل كرمان " نضال سلمي بتضحيات" ما يلي:

النضال السلمي .. عمل لايضاهيه شيئ وأداء ليس له الا ان يؤتي ثماره العاجلة والآجلة على أكمل وجه فقط حين يتوفر لهذا النوع من الثورات رجال يحبون السلام كما يحب الطغاة الحروب ، يتوجهون نحو الرصاص بقدر مايفر المستبدون من هدير الجماهير نحو الأقبية. وبقدر ماتشعل حالات الصراع العنيفة ومثلها الثورات المسلحة من رغبات عميقة للتدمير والتدمير الآخر، فإن الثورات السلمية توقظ في نفوس وعقول الأمة ميلا نحو السكينة والالفة والقبول وتخلق حالة كبيرة من السلم الإجتماعي والسكينة عامة بسرعة مذهلة وقدرة عجيبة. النضال السلمي طريقة فعالة مجربة وآمنة في احداث التغيير الجزئي والشامل ، في مكافحة حالات الفساد مثلما هو اسلوب حيوي في مناهظة حالات انتهاك الحريات ، وهي الاسلوب الأنجح في الدفاع عن حقوق الانسان وهي الوسيلة السحرية في تغير الأنظمة واسقاطها. وما ثمة غير النضال السلمي وسيلة لضمان حكم رشيد واقامة مجتمع ديمقراطي حر وقوي ومستقر ، هذا ماتقوله التجارب في كل بقاع الارض التي شهدت تحولا ديمقراطيا وعاشت الحكم الرشيد واقعا معاشا شرقا وغربا شمالا وجنوبا ماثمة استثناء لهذه القاعدة التي تقول ان الدولة المدنية والمجتمع الديمقراطي والحكم الرشيد ويولد ويتخلق وينمو فقط في ظل حاضنة اسمها النضال السلمي ، تبثه ثقافة وتمارسه واقعا وتصر عليه مبدأ وقيمة اخلاقية لا انحراف عنها مهما كانت كثافة الرصاص الموجهة نحو الصدور العارية وإن بدا ان الطريق شاقة وأن الهدف صعب المنال . يمكننا القول أيضا ان النضال السلمي الممهور بالتضحيات والمعزز بالاستعداد الدائم لتقديمها يمتلك وبالقدر ذاته من القدرة والفعالية مايجعل عروش المستبدين وكراسيهم تترنح وتضطرب وتتهاوى في وقت قصير وبتضحيات اقل بكثير من التضحيات المدفوعة في حالات التغيير العنيفة ، وبقدر ما ينجح الحاكم في خلق اسباب الصراع وتغذية عوامل التدمير والاحتراب الداخلي في حال الثورة المسلحة، فإنه يقف عاجزا تماما امام المسيرات السلمية ومعها كافة اشكال الفعل السلمي التي تحدث انهيار متتابع وشقوقاَ عميقه في نظامه، في حين تذهب كل محاولاته في خلق الاحتراب الاهلي ادراج الرياح ويشعر الجميع بحالة غير مسبوقة من الأخوة والشعور بالإنتماء الوطني الجامع .

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية