تهامة في مرمى التوسع الحوثي بحثا عن منفذ بحري لدولة حوثية وشيكة

الإثنين 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 الساعة 08 مساءً / مأرب برس/ عبد الرحيم الرازحي
عدد القراءات 15387
 
  

من الصعب الجزم بأن الحوثيين جادون في توسيع نفوذهم جغرافيا باتجاه الجنوب، بغية الاستيلاء على محافظة حجة، وإذا كانوا جادين في ذلك فما هو هدفهم، وما هي الفائدة ذلك بالنسبة لهم؟

الأدوار التي يلعبها الحوثيون، خلال المرحلة الراهنة، تدفع للحيرة، لا سيما وأن المرحلة الثورية الراهنة تقتضي من قبل الجميع الدفع باتجاه إنجاح الانتفاضة الشبابية، وتحقيق أهدافها.

بين ساحات الثورة وميادين المواجهات

أعلن الحوثيون انضمامهم للثورة، في وقت مبكر، ويعني انضمامهم هذا بأنهم جزء من هذه الثورة، وأحد مكوناتها الأساسية، ما يعني بأنهم مطالبون بالالتزام بالنهج الثوري السلمي، والمساهمة في تحقيق أهدافها.

غير ـأن الراصد لتحركات الحوثيين، وخصوصا في الآونة الأخيرة، يشكك في جدية التزامهم بأهداف الثورة الشبابية السلمية، ورفضهم لفكرة الانضمام لعضوية كيان موحد يضم كل مكونات الثورة.

فقد دخل الحوثيون في حرب غير مبررة مع شباب الثورة السلمية في محافظة الجوف، بعد أن سقطت المحافظة في أيدي الثوار سلميا، حيث كان الحوثيون بمهاجمة الثوار بعد رفضهم تسليم الألوية العسكرية التي سقطت بيد الثوار، على أنها ملك للشعب، ولا يجوز التصرف فيها إلا من قبل الدولة الجديدة عقب الثورة، وقد أثار هذا الرفض حفيظة الحوثيين وجعلهم يعلنون الحرب بهدف الاستيلاء عليها وإخضاع المحافظة لسيطرتهم.

ورغم تحركاتهم العسكرية لا زال الحوثيون يؤكدون وقفوهم إلى جانب الثورة ضد نظام صالح، ويسيرون مسيرات في شوارع صعدة كل يومي اثنين وجمعة، الأمر الذي جعلهم عرضة لاتهام البعض بتنفيذهم أجندة يريدها نظام صالح، وبأن هناك ثمة اختراق أمني لحركة الحوثية.

ولعل هناك أحداثا قد يجد فيها البعض ما يؤكد صحة هذه الاتهامات، وحقيقة خدمة الحوثيين لأجندة يريدها النظام، ومن ذلك أنباء أكدتها مصادر قبلية متطابقة في مديرية أرحب، بخصوص إلقاء القبض على عناصر حوثية تقاتل مع الحرس الجمهوري تحت مسمى القبائل الموالية للدولة، ويتواجد هؤلاء المقاتلون في بوسان أرحب، قبيلة الشيخ أبو نشطان، الموالي للحوثي، بعد أن استنجد به لحمايته من أغلبية أرحب التي تقف في صف الثورة.

تساؤلات تبحث عن إجابات شافية

المحير في السياسة التي ينتهجها الحوثيون، أنهم منظمون إلى الثورة يحركون المظاهرات دعما لمطالب الثورة، ويعلنون وقوفهم إلى جانب شباب الثورة باستمرار، ثم يظهرون في ذات الوقت مقاتلين في الصف الآخر ضد قوى الثورة في أرحب والجوف.

والمحير أكثر، هو سعي الحوثيين إلى توسيع نفوذهم وفرض سيطرتهم على أجزاء واسعة من محافظة حجة، ذات الأغلبية الشافعية، وخصوصا في المناطق الساحلية.

هذه المفارقات المحيرة، تعيد فتح تساؤلات حول مدى مصداقية الحوثيين، عندما كانوا يقولون بأنهم يدافعون عن أنفسهم خلال الحروب الست التي شنتها الدولة ضدهم في محافظة صعدة، وبأن الدولة هي من قامت بالاعتداء عليهم، والآن وقد سقطت الدولة تصدى لهم أبناء القبائل في مديريات حجة التي يحاولون السيطرة عليها وإسقاطها كما سقطت صعدة.

أولم يقل الحوثيون أن صمودهم لست سنوات من الحرب كان بدافع إفشال مخططات تتبناها جهات في الدولة تجبر أبناء صعدة على ترك المذهب الزيدي وفرض معتقدات وهابية عليهم واحتلال مساجدهم واستبدال أئمتها بأصحاب الفكر السلفي المتشدد ؟ ولماذا نرى اليوم عكس ذلك ونشاهد القوة تحضر عند تعليق الشعار الحوثي ويجبر أصحاب المحلات والبيوت على القبول به كرها ومن خالف فجزؤه الموت المحقق ؟ أليس هذا إكراه وإجبار بالقبول بالفكرة الحوثية ؟

كم تغنى الحوثيون بان الحرب التي خاضتها الدولة ضدهم في صعدة كانت تهدف إلى تنفيذ مخططا أجنبيا وإنها بذلك تخدم أجندة أجنبية هدفها تمزيق البلاد وبيع الوطن وطمس المبادئ والمعتقدات الإسلامية؟ وان وقوفهم ليس إلا لإحباط هذه المخططات وكشف حقيقة الأجندة الأجنبية التي تسعى إلى ذلك وعلى رأس هؤلاء المتآمرين أميركا وإسرائيل والمملكة السعودية ؟

فمن يخدم الحوثيون حاليا بمخططهم الرامي إلى توسيع نفوذهم وفرض سيطرتهم على أكبر قدر ممكن من المناطق الشمالية في ظل ثورة شعبية وهبة شبابية مطالبة بإسقاط النظام وبناء دولة المؤسسات مستغلين فرصة انشغال الشعب اليمني بثورته وانشغال الرأي العام الداخلي والخارجي بهذه الثورة.

ربما ظهر اليوم بعض ما يريده الحوثيون، في حجة خصوصا في مديرية عاهم ومديرية خميس مستبأ، حيث أنهم قد عجزوا في تحقيق أي تقدم في المحور الشرقي باتجاه الجوف وجنوبا باتجاه عمران فلجئوا نحو الجنوب الغربي للمحافظة وتحديدا مناطق تهامة المعروف عن أهلها سلميتهم وطيبتهم وعدم حبهم مطلقا للدخول في الصراعات مسلحة، وهو الأمر الذي يجد فيه الحوثيون فرصة ليحرزوا تقدما على الصعيد القتالي في هذه المناطق بأقل تكلفة بشرية ومادية وبأقل خسارة في صفوف المقاتلين الحوثيين بعكس ما واجهوه في المناطق الشرقية.

الأهداف السهلة في تهامة

هناك عدد من العوامل التي قد تجعل دخول الحوثيين وسيطرتهم على تهامة أمرا سهلا من الناحية القتالية، دون الفكرة والعقائدية نظرا لانتماء أبناء تهامة إلى المذهب الشافعي، ومن هذه العوامل، ما يعرف عن أبناء تهامة من البساطة والتواضع وميلهم للسلم، فضلا عن ضعف حالتهم الاقتصادية, وهو ما قد يجعلهم كما يرى الحوثيون يقبلون بأي واقع يفرض عليهم.

خصوصا وأن الحوثيين كانوا قد عملوا على الترويج لشدة بأسهم وقدرتهم الفائقة في خوض المعارض وتحقيق الانتصارات وكأنها معجزة خارقة مؤيدة من السماء، وشارك في ذلك الإعلام الرسمي الذي روج بأن الحوثيين قوة لها أجندتها المدعومة إقليميا ودوليا، وبأن لهم مخطط يهدف إلى الاستيلاء على ميناء ميدي بحيث يكون لهم منفذ بحري لإعلان دولتهم الهاشمية المستقلة في شمال اليمن.

كل ذلك أكسب الحوثيين هيبة كبيرة وصلت حد الخوف من حدوث أي صدامات معهم, ونشر الرعب في نفوس المواطنين، الأمر الذي جعل الكثير من القبائل اليمنية تتفادى الدخول مع الحوثيين في أتون صراع مسلح، حتى لا يصبح مصير مشايخ القبائل خارج ديارهم كما حدث للشيخ صغير عزيز في سفيان، والشيخ علي ظافر في مديرية غمر، وغيرهم.

الشائعات سلاح لإخافة الخصوم

عمد الحوثيون منذ أن اسقطوا محافظة صعدة إلى نشر الشائعات بأنهم ينون الاستيلاء على حرض وميدي دون معرفة الأسباب المؤدية إلى ذلك, وظلوا يداولون هذه الشائعات بين العامة وروجوا لها بشكل كبير إلى حد أن الكثير من التجار وأصحاب رؤوس الأموال توقف عن العمل في تلك المناطق الحيوية بل وغادر البعض بأمواله إلى الحديدة.

وهذه الشائعات التي ينشرها الحوثيون بشكل ممنهج يهدفون من خلالها إلى جس النبض لدى الناس ومعرفة مدى تقبلهم لهذه الترويجات وتأيدهم لذلك, فإذا لمس الحوثيون من الناس ترحيبا فلا يمانعون من دخولهم لهذه المنطقة أو تلك بشكل سلمي ، أما إذا وجدوا امتعاضا وعدم الرغبة فيهم والقبول بهم فيعني ذلك أن الوضع يتطلب تدخلا مسلحا ومواجهات قتالية لتنفيذ مهمة السيطرة على هذه المناطق .

كما يهدف الحوثيون من خلال هذه الشائعات إلى معرفة مدى ما يتمتع به النافذون من قوة وسطوة فيزعزعون بهذه الأراجيف ثقتهم في القدرة على المواجهة فيلجئون إلى الاستسلام لهم دون مواجهة ويقايضونهم على ذلك مقابل أن تبقى لهم – النافذون – مصالحهم.

خلاصة

يستغل الحوثيين انشغال الشعب اليمني بكامله ثورته السلمية ليستحوذون على قدر كبير من المناطق الشمالية، في الوقت الذي يكثفون فيه حملتهم التحريضية ضد اللواء علي محسن وتحميله المسؤولية الكاملة تجاه ما حدث في صعدة كونها جزء من المنطقة الشمالية التي يعد قائدها العسكري، مقابل تخفيف حملتهم ضد جرائم صالح بحق الثوار، وأبناء صعدة، وغيرها من المدن اليمنية.

ربما كان صالح يسعى من خلال ذلك إلى جر المنطقة العسكرية الشمالية الغربية إلى حرب يقف هو منها موقف المتفرج، والداعم للحوثيين، لضمان بقائه أطول فترة ممكنة على سدة الحكم في صنعاء، والتخلص من خصمين في وقت واحد.

من جهة أخرى يشعر الحوثيون أن الثورة في حال نجحت وتحققت أهدافها فإن الكاسب الأكبر سيكون هو حزب التجمع اليمني للإصلاح، على غرار ما حدث في تونس وليبيا، وبالتالي يتخوفون أن يصبحوا خارج اللعبة في حال قيام دولة مدنية جديدة.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن