معاناة الجنود في ساحات الحرب ومعارك تنتهي نهارا وتتجدد ليلا

الثلاثاء 01 يوليو-تموز 2008 الساعة 06 مساءً / مأرب برس – ناس برس - عبدالله قطران
عدد القراءات 11210
  "الساعات القادمة تشهد تصفية آخر جيوب ماتبقى من ملاجئ المتمردين".. كان ذلك أحد عناوين الأخبار المنشورة في عدد الإثنين الماضي من صحيفة الثورة اليومية نقلاً عن مصدر محلي بمحافظة صعدة يؤكد فيه أن وحدات عسكرية تستعد لاقتحام منطقتي حيدان ومطرة أبرز معقلين لما تبقى من المتمردين بمحافظة صعدة, بعد سيطرة القوات المسلحة والأمن عل ى أغلب المواقع التي كان يسيطر عليها الحوثيون في منطقة بني معاذ، حسب ما جاء في الخبر المذكور..
 لم يكن ذلك الخبر هو أول بيان رسمي من هذا النوع يصدر منذ بدء المواجهات الجارية في صعدة، وليست هي المرة الأولى ولا الأخيرة كذلك التي تعلن فيها السلطات عن قرب انتهاء الحسم العسكري في صعدة، إذ جاء ذلك الخبر أو البيان الرسمي بعد أن ظلت العديد من البيانات والبلاغات والتصريحات العسكرية والأمنية تتوالى طيلة الأسبوعين السابقين لذلك الخبر وجميعها كانت تعلن وتؤكد وتجزم بأن الحسم العسكري "بات وشيكاً"..
 مضت حتى الآن أكثر من ستة أسابيع على بدء الحرب الخامسة، ومضى منها ثلاثة أسابيع على "الحسم الوشيك" الذي أعلنته مراراً وتكراراً كل من وزارتي الدفاع والداخلية مترافقاً مع الدعوات المتكررة لمن تبقى من العناصر الحوثية المتمردة في بعض مديريات صعدة لسرعة تسليم أنفسهم للسلطات المحلية قبل فوات الأوان، في حين تعكس الوقائع الجارية على الأرض صورة أخرى لا وجود لتفاصيلها الحقيقية في سطور وعناوين البيانات والأخبار المنشورة في وسائل الإعلام الرسمية.!
 صورة مشوشة إذاً لا تُظهِر إلاّ مزيداً من حالة الغموض الذي يكتنف مصير هذه الحرب، ولا تشير إلا باتجاه واحد طالما حذر منه كثير من المراقبين والمحللين، وهو أن اليمن بات على وشك الانزلاق وسط مستنقع طويل الأمد من الفوضى والحروب، ما لم يُتدارك الأمر من قبل عقلاء القوم ومحبّي اليمن السعيد لإيقاف هذه الحرب الدائرة في صعدة..
  الوضع الصعب في مرّان!
 في منطقة مران التابعة لمديرية حيدان حيث يرابط هناك المئات من ضباط وأفراد اللواء17مشاة بقيادة العميد عبدالعزيز الشهاري، يتوزعون على عدد من المواقع والمناطق العسكرية التي أقيمت في أنحاء متفرقة من المديرية إثر اندلاع الحرب الأولى عام2004م..
 على مدى الحروب الأربعة السابقة كان هذا اللواء العسكري يمثل رأس الحربة كونه يتصدر الجبهات الأمامية للقوات المسلحة منذ البدايات الأولى للمواجهات مع المتمردين وطيلة السنوات الأربع الماضية من عمر التمرد الحوثي تعرض قادة وأفراد اللواء17 للعديد من الهجمات المسلحة وعمليات التقطع والقناصة والحصار من قبل الحوثيين، وظل العميد الشهاري ورجاله صامدين يواجهون المتمردين بصبر أسطوري ويقاومون معه صعوبة التضاريس الجغرافية المعقدة لتلك المنطقة الجبلية من اليمن، وطيلة المواجهات السابقة والحالية لم يترنحوا أو توهَن عزيمتهم وجلَدهم وصمودهم رغم شراسة المواجهات وسقوط عدد كبير من الضباط والصف والجنود من زملائهم ورفقة السلاح..
 في الحرب الخامسة التي تدور رحاها منذ ما يزيد عن شهر ونصف الشهر تعرضت جميع المواقع التابعة للواء 17 في مناطق مران بما فيها معسكر قيادة اللواء للهجوم والحصار من قبل عناصر الحوثيين الذين قطعوا كافة الطرق وخطوط السير التي تربط بين تلك المواقع العسكرية، ونتيجة لذلك الحصار المتواصل في مران منذ بدء الحرب استطاع الحوثيون منع وإعاقة وصول معظم عمليات الإمداد والتعزيزات العسكرية أو المؤن الغذائية للجنود المرابطين بأسلحتهم في تلك المواقع..
  الصورة الخلفية للمعاناة!
 قبل أسبوع كنا قد أشرنا في العدد الماضي من" الناس" إلى بعض صور وأشكال المعاناة التي يعيشها أفراد هذه المواقع المحاصرة في مران، بيد أن استمرار بقاء ذلك العدد الكبير من الجنود تحت الحصار المتواصل وانقطاع السبُل حتى اليوم لا بدّ وأن يضاعف من خطورة الموقف ويوصل قلوب أهالي الجند المحاصرين إلى الحناجر فما بال أولئكم المحاصرون أنفسهم؟!..
 * عدد من الضباط والأفراد المحاصرين تواصلت بهم "الناس" عبر وسائل اتصال خاصة من داخل مواقعهم المحاصرة في مران، في أحاديثهم الكثيرة التي لوحظ من خلالها أن معظمهم يتمتعون بمعنويات قتالية عالية وإصرار على الصمود، إلا أن بعضهم لم يخفِ تذمره وغضبه وتوضيح حجم المعاناة الكبيرة التي يعانون منها جراء استمرار قطع التعزيزات والإسناد العسكري عنهم طيلة هذه المدة..
 * أحد هؤلاء الضباط وهو قائد أحد المواقع المحاصرة في مران وصف الوضع في مران بأنه خطير للغاية ما لم تعجّل القيادة العسكرية العليا بعمليات عسكرية حاسمة لإعادة فتح طرق الإمداد وكسر حصار المتمردين، مؤكداً بأن الوضع لم يعد يحتمل مزيداً من التأخير والبطء خصوصاً وقد نفد مخزون الغذاء ومياه الشرب لدى بعض المواقع، ويضيف ضابط آخر قائلاً: نحن قادرون على الصمود هنا ومواجهة المتمردين لعدة سنوات لكن لا أحد يستطيع نحن أو غيرنا مواجهة عدوين اثنين هما الجوع والتمرد في وقت واحد، مضيفاً بأن الطعام الذي كان الأسبوع الماضي بالكاد يكفيهم لثلاثة أيام صاروا اليوم يقسمونه لستة أيام، أما مخزونهم من المياه فقد انتهى منذ مدة وقد باتوا يعتمدون على مياه الأمطار التي قلّ هطولها هذه الأيام على المنطقة كما يقول..
 * في موقع آخر يقول أحد أفراده بأن الحوثيين منعوا المواطنين من التعامل مع الجنود سواءا بالبيع أو الشراء أو تقديم أي نوع من الخدمات والمساعدة، مضيفاً بأن كل من رفض الانصياع لهم من أبناء المنطقة فإنه يتعرض للاعتداء من قبل الحوثيين وبعض المواطنين قتله الحوثيون كما قال وكان آخرهم المواطن وضاح فيصل غثاية الذي قتله الحوثيون لانه يساعد الجنود المتمركزين في منطقة "الخرب"بجبل مران..
 * ولعل إحدى أهم وأخطر صور هذه المشكلة الموجودة في مران يمكن رؤية نموذج حيّ منها في واحد من هذه المواقع العسكرية الذي كان يبلغ عدد أفراده حوالي 30 فرداً، اتصلت "الناس" بهم قبل ثلاثة أسابيع فأبلغونا يومها بأن ثلاثة من رفاقهم استشهدوا منذ بداية الحرب الحالية، وفي يوم الأربعاء الماضي كان عدد الشهداء الذين قضوا تحت الحصار برصاص القناصة الحوثيين قد وصل إلى أحدعشر شهيداً أي ثلث الطاقم الموجود في ذلك الموقع إضافة إلى عدد من الجرحى الذين أصيبوا أثناء الحصار ولا زالوا بلا علاج حتى الآن،
 * وزاد من مضاعفة الكرب والضيق لدى بعض الجنود المرابطين في مران كما أوضح أحدهم بعد إسقاط الحوثيين طائرة مروحية فجر الإثنين الماضي في المنطقة وهي الطائرة التي كانت تنقل المؤن الغذائية إليهم حيث كانت تحلق فوقهم على علوّ مرتفع وترمي لهم ببعض المؤن الغذائية والتمور وغالباً ما كانت تخطئ هدفها للأسف كما يقولون ويتلقف الحوثيون الكثير مما ترمي به الطائرة عن طريق الخطأ..
  الشهاري يخرج عن صمته!
 هذه الأجواء الميدانية المعقدة"مرّانياً" لم تكن تخفِ ذلك الحرص الشديد الذي أبداه معظم قيادات وأفراد اللواء17مشاة المحاصرين في مران، على الظهور بمعنويات عالية والتأكيد على أنهم لا يزالون أكثر صموداً، وفي مقدمتهم العميد عبدالعزيز الشهاري قائد اللواء الذي خرج أخيراًعن صمته وإحجامه الطويل عن التصريحات الصحفية والظهور أمام وسائل الإعلام ليدحض بذلك الصورة التي حاول الحوثيون أن يظهروه بها في تصريحاتهم، حيث نشرت صحيفة الجيش في عدد الخميس الماضي تصريحاً صحفياً للشهاري سخر فيه مما أسماها "المزاعم التي تثيرها عصابة الفتنة والتمرد حوله وحول اللواء بين الحين والآخر" مؤكداً أن "هذه المزاعم الكاذبة لا أساس لها من الصحة"، واعتبر الشهاري أن "الهزائم المتلاحقة التي ألحقتها القوات المسلحة والأمن الشجاعة ومن بينها أبطال اللواء 17 مشاة بمن تبقى من عناصر الفتنة والتمرد جعلت أولئك اليائسين المندحرين يبثون إشاعات نسجوها من خيالهم، وقال الشهاري بأن اللواء 17 كغيره من ألوية القوات المسلحة "لقن وسيلقن من تبقى من المتمردين درساً لن ينسوه"..
 وفي مقابل هذا الحصار الذي يفرضه الحوثيون ضد مواقع الجيش في مران، تشير مجمل الوقائع الميدانية على الأرض إلى أن أولئك الحوثيين الذين يقطعون الطرق حول مواقع الجيش هم أنفسهم في حكم المحاصرين من قبل بقية القوات الحكومية الأخرى التي حققت تقدماً عسكرياً ملحوظاً في معظم الجبهات وهي تحيط بالمنطقة من جميع الاتجاهات وتفرض طوقاً أمنياً محكماً حول كافة المداخل والمخارج وهو ما يعني قطع خطوط الإمداد على الحوثيين المتمترسين داخل الكهوف والمخابئ حول مواقع الجيش، وإن كان وضع الحوثيين يعدّ أفضل نسبياً من حيث سهولة التحركات والتواصل فيما بينهم داخل مران فقط، إلا أن تواصلهم قد بات مقطوعاً تماماً مع قياداتهم أو مع عناصرهم في بقية المناطق الأخرى خارج حدود منطقة مران، ويتضح ذلك من خلال البيانات والتقارير التي تصدر عن المركز الإعلامي للحوثي ويرسلها بشكل يوميّ إلى مواقع الإنترنت وعناوين البريد الإليكتروني، حيث يلاحظ وجود الكثير من المعلومات أو الأخبار عادة ما تتحدث عن بطولات أنصارهم في ساحات الوغى وفي سرد حكايات عن كسرهم زحفاً جديداً للجيش هنا أو قتلهم لأعداد غير محدودة من الجنود هناك أو تدميرهم لدبابات ومدرعات الدولة، ولعل الطريف في هذا الأمر أننا ذات يوم كنا نتحدث إلى بعض الجنود في أحد مواقع مران، وإذا برسالة جديدة تظهر على البريد الإليكتروني من قبل المركز الإعلامي للحوثيين تتضمن "خبر عاجل" من مران يقول بأن"المجاهدين" تمكنوا اليوم بحمدالله من كسر زحف كبير لقوات الجيش في إحدى المناطق وتضيف الرسالة بأن معارك طاحنة لا زالت تدور حتى الآن وأن الجيش كثف من هجماته وزحوفاته في تلك المنطقة خلال اليومين الماضيين بشكل غير مسبوق..، لكن المصادفة الطريفة هي أن الجنود الذين كانوا معنا وقتها على الخط موجودون في نفس المنطقة التي ذكرتها رسالة الحوثيين، وأكدوا لنا عدم وجود أيّ شيء مما أوردته الرسالة حول التحرك العسكري، ما يعكس أن من صاغوا تلك الرسالة وغيرها منقطعون عن أي تواصل مع أنصارهم في مران أو في غيرها، وهذا ما اعترف به أحد قياداتهم الذي أقرّ مؤخراً في اتصال هاتفي مع"الناس"صعوبة التواصل مع تلك الجبهات في الظروف الحالية لكنه لا يرى في ذلك تأثيراً على أداء أنصارهم في الجبهات لأنهم كما قال يتحركون كلٌّ منهم في منطقته تحت إمرة قيادات ميدانية موجودة معهم في الجبهات..!
  قيادة ميدانية جديدة إسعاف!
 الوضع الخطر في مران ألقى بظلال كثيفة من الشكوك وعلامات الاستفهام حول مصير الحرب الجارية في صعدة وحول الأسباب الحقيقية وراء تأخّر الحسم العسكري الذي كان وشيكاً قبل ثلاثة أسابيع، وعن حجم التقدم العسكري الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام الرسمية في بقية جبهات القتال المفتوحة في عدد من مديريات هذه المحافظة المنكوبة، إضافة إلى ما تبقى من الجيوب في مديرية حرف سفيان بمحافظة عمران والتي تحدثت بعض المصادر يوم الجمعة الماضي عن امتداد المواجهات فيها إلى منطقة "واسط" بحرف سفيان ونزوح آلاف السكان إلى المناطق المجاورة هرباً من القتال الدائر هناك..
 عادة ما ترجع المصادر العسكرية التأخير الملحوظ في الحسم العسكري إلى ما قالت أنه حرص القيادة السياسية والعسكرية على سلامة المواطنين المدنيين الذين تقول المصادر العسكرية بأن الحوثيين يتخذون من منازلهم متارس لشن هجماتهم المسلحة ضد أفراد القوات المسلحة والأمن ما يستدعي-بحسب ذات المصادر- ضرورة التطويق وإجبار عناصر المتمردين على الاستسلام ووضع السلاح..
 وفي حين تحدثت مصادر محلية عن وصول مشايخ وأعيان من شهارة والأهنوم وحجة وعمران للضغط على السلطات من أجل سرعة فكّ الحصار عن أفراد اللواء 17 في مران أو التفاوض مع الحوثيين على الصلح ووقف الحرب إنقاذاً لمئات الجنود المحاصرين منذ بداية الحرب، إلا أنه ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها"الناس" من بعض المصادر المطلعة فإن القيادة التي ترفض مبدأ وقف الحرب عبر الصلح مع الحوثيين، قد اضطرت مؤخراً لاستدعاء قائد أحد الألوية العسكرية الكبيرة وهو قائد عسكري معروف لدى الأوساط العسكرية بحنكته القيادية والقتالية، حيث تم تكليفه خلال الأيام القليلة الماضية مع قواته الموجودة في بعض المحافظات بالقيام بما يشبه المهمة الإسعافية وقيادة المعركة الوشيكة لفكّ حصار الحوثيين عن مواقع مران، بعد فشل القوات السابقة التابعة للواء19 التي ترابط في المهاذر وظلت منذ بداية الحرب منشغلة بتأمين طريق صنعاء صعدة ومقارعة جيوب الحوثيين المنتشرة على امتداد الطريق العام، ..
 وبانتظار التحرك العسكري الجديد يبقى التذكير أن ثمة وضع في مران يزداد صعوبة وخطورة كل ما أضيف يوم جديد على مئات الجنود القابعين هناك وهم تحت الحصار، ما يعني أن مهمة القائد الجديد وقواته القادمة من خارج صعدة ستكون كبيرة..