اللغة التي يكمن أن تكتبها لتعبر عن ما يحدث بالضبط غير متوفرة وقاموسها لايستوعب مفردات الألم ، فأن يقدم أب على أن يحلف أن أبناءه لن يدخلوا بعد اليوم مدرسة فذاك أمر بالغ الاسى، ولا يمكن بأي حال استيعابه ، لكنك تجد ذاتك ملتمسا له العذر ، وأنت تستمع إليه وهو يبث إليك شكواه ومعاناته.

أحمد اب ن احمد الوجيه من أبناء محافظة الضالع ، مديرية الحشاء ،قرية الصريم المنسية تماما في جغرافيا وطن ممتد هو الآخر لايختلف عنها في شيء .

يبلغ أحمد من العمر 45 عاما ، هو عمر الثورة لم يجد أحمد ذاته يوما غير هذا الكائن اليمني الذي عاش طفولته بمنأى عن ما يبهج سوى أنه قدر له أن يكون هكذا، حيا كيفما اتفق ، لم يتعلم لكنه يجيد من فن الحساب الطرح والجمع ، كموهبة فتقتهما لديه حتمية العمل في بيع القات حتى يعرف كيف يعد دراهمه المعدودة التي يجنيها من بيعه له .

لدى أحمد تسعة أبناء ، يدرسون ، أكبرهم في الاعدادية ، لكنه وجد أنه لم يعد قادرا على جعلهم يواصلون تعليمهم ، فهو لا يملك مصدرا ثابتا للدخل ، كما لا يملك مالا أو عقارا عدى " موتورناري " أستطاع أن يراكم ثمنه بعد عمل شاق وإنجاز مرهق ، ليعمل من خلاله في التنقل بين منطقة "يراخ" والضالع ومديريتي ضوران ليبيع وريقات القات الطرية التي يشتريها ليقطفها باكرا من وادي غيل يراخ ، وهي مصدره الوحيد الذي مازال يبقيه موصولا بأحلام البقاء المؤجله ليخترع ربما من خلالها حكايات أنيقة لصغاره الذين مازلوا دون مستوى الحلم .

لا يمتلك أحمد من الحياة سوى بيت صغير وبقرة وبعض نعاج .

حلف ذات يوم أن أبناءة لن يدخلوا قائلا بلهجة حشئية " على الحرام مازدكم درسكم" وحين قلنا لأحمد أن هذا تصرفا خاطئا لم يكن أمامه إلا أن ينفجر في وجوهنا قائلا ، من يقنع لي مدير المدرسة والمدرسين ، يقول أحمد أن إدارة مدرسة الفاروق بالحشاء أقدمت على إخراج أبناءه في الطابور الصباحي أمام زملائهم ووبخوهم بسبب أنهم لم يدفعوا رسوم التسجيل وهو ما سبب لهم حرجا كبيرا ، ويضيف أحمد يا اخي نحن لا يوجد معنا شيء ، وعندما أستطاع بعض أبناء منطقته إقناعة على ضرورة جعل أبناءه يواصلون دراستهم لكن أحمد قال أنه ما زال يحمل على عاتقة دين الزي المدرسي للعام الماضي لأحد التجار ، وما زال حتى اللحظة يطالبه به .وأكد بعض الطلاب أن رسوم التسجيل وصلت إلى مبالغ غير متوقعه ، وهي بمثابة اختلاس واضح لهم .

أحمد يكافح في سبيل أن يحيا مصان الكرامة ، لكنه يبدو لم يعد قادرا على تحمل المزيد من المعاناة ، فهو لايعترف كما يردد الكثير في منطقته أن نظام الرئيس صالح هو وراء مشكلته الفقر وارتفاع الاسعار وعدم قدرته على توفير المستلزمات الدراسية لأبناءه ، يقول أحمد " ما الرئيس على الحرام ما عنده احنا المواطنين السبب" لكنه يتناقض مع ذاته حين يقول أن الوضع لا تغيره إلا ثورة وهو ما يدعوك للعجب وأنت تسمعه يقول أن الرئيس لا يوجد عنده شيء..!! وثم يضيف قائلا بلهجته الوضع ما تصلحه إلا ثورة ورجال وإلا ما بوش فائدة".!!