الأجانب في اليمن بين تفجير الصغار واختطاف الكبار

الثلاثاء 14 إبريل-نيسان 2009 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - ابراهيم مجاهد
عدد القراءات 7466
 

تعيش اليمن حالة من التوتر الأمني والسياسي بالإضافة إلى وقع الأزمة المالية العالمية، وفي ظل أزمات لا تكاد تنتهي تعيشها اليمن هذه الأيام، من اعتداءات إرهابية وتمرد تشهده مناطق بمحافظة صعدة- شمال اليمن- وفي خضم هذه المشاكل التي أصبحت عسيرة وتمثل تحد حقيقي أمام الحكومة اليمنية، تجددت ظاهرة اختطاف السياح والعاملين الأجانب في اليمن، حيث ما يزال هناك سائحين هولنديين مختطفين بجبل "صغير"في منطقة وعرة تسمى "الصبغات" تقع في قرية "الربابة" التابعة لمديرية "بني ضبيان" – الواقعة جنوبي شرق العاصمة صنعاء وتطل على سد مأرب- رغم دخول الأسبوع الثاني على علمية الاختطاف التي استهدفت موظف هولندي يُدعى "جتن هندركس هو جندرون" والذي يعمل في المؤسسة المحلية للمياه بتعز - حوض الإشراف، وزوجته "هلينا هنريكا جوهانا" التي كانت ترافقه أثناء عملية الاختطاف التي تعرضا لها 31مارس 2009م الماضي عندما كانا في طريقهما إلى محافظة تعز.

المختطف الهولندي يقاوم بشراسة

المعلومات حول علمية الاختطاف تشير- بحسب احد وجهاء مديرية "بني ضبيان"التي تنتمي إليها قبيلة آل "سراج"، قرية الخاطفين- تشير إلى أن الخاطفين لم يكونوا مخططين لاختطاف الهولندي وزوجته وإنما كانوا يخططوا لاختطاف سياح أجانب، كانوا قادمين من محافظة ذمار اليمنية، إلا أنهم وعندما كان يتناول الخاطفون وجبة الإفطار في احد المطاعم الشعبية الواقعة بمنطقة "دار سلم" ،المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء، شاهدوا الهولندي " جتن هندركس هو جندرون" عندما قصد احد محلات بيع الخضار والفواكه، ليقرر في هذه اللحظة الخاطفين أن يكون هذا السائح الأجنبي هو فريستهم، ليتبعوه بعد أن استقل سيارته- التي كانت تحمل لوحة معدنية "خصوصي" ليست كاللوحات الخاصة بسيارات السفارات أو المنظمات الأجنبية، الأمر الذي ساعد الخاطفون على أن عبور نقاط التفتيش الأمنية بعد أن قاموا بمهاجمة الهولندي وزوجته على الخط السريع المؤدي إلى محافظة تعز مقر عمله.

ويضيف الشيخ القبلي- الذي فضل عدم ذكر اسمه- بان الهولندي قاوم المجموعة المسلحة التي اختطفته ولم تتم العملية إلا بعد مقاومة شرسة منه حيث كان يعتقد أن المسلحين الذين هاجموه يريدون قتله وزوجته، إلا انه سلم بالأمر الواقع بعد أن أدرك ان هذه المجموعة لا تريد قتلة وإنما اختطافه لغرض الضغط على الدولة لينالوا حقوقهم التي يطالبون بها بعض الجهات الحكومية اليمنية والتي يقول الخاطفون أنها تقاعست عن أداء واجبها إزاء قضية تعرضهم لاعتداء رجال الشرطة في محافظة مأرب منتصف ابريل –نيسان- 2008م.

ويقول ذلك الشيخ- بحسب رواية احد الخاطفين- أن الهولندي وزوجته اجتراء على ارتداء ملابس يمنية "حيث تم إلباس السيد جتن القميص والخنجر اليمني، كما الُبست زوجته العباءة اليمنية والحجاب الإسلامي" وذلك كعملية تمويه لتضليل رجال الأمن في نقاط التفتيش التي سيضطر الخاطفون المرور بها وإيهام رجال الأمن بان من يستقلون معهم السيارة سائحين والخاطفين هم بمثابة سائق ومرشد سياحي ومرافقيهم.

مطالب الخاطفون

الشيخ الذي روى لنا قصة الاختطاف ذكر انه التقى الخاطفين ومعهما الهولندي وزوجته في إحدى مناطق مديرية "بني ضبيان" بعد اقتياد المختطفين إليها، وأكدوا له أنهم سيتمركزون في تلك المنطقة التي تبعد عن المنطقة التي يتواجد فيها المختطفين حاليا بعدة كيلومترات.. موضحا بان الخاطفين في اليوم الأول للعملية كانوا يضعون شروط بسيطة مقابل الإفراج عن الهولندي وزوجته وابدوا استعدادهم انه في حال تدخل أي وساطة قبيلة تضمن بإنصافهم فإنهم سيطلقون سراح الهولندي وزوجته، إلا أن الخاطفين وبعد ساعات من الاختطاف تلقوا اتصالات لم يعرف مصدرها ليقوموا بعد بالانتقال من تلك المنطقة إلى جبل "صغر" مكان وجودهم حاليا- الوقع في قلب منطقة "بني ضبيان" شديدة الوعورة- ويصعدوا من مطالبهم واشتراطاتهم أمام أي وساطة أو مساعي لإطلاق سراح المختطفين.

هذه التصعيد من قبل الخاطفين دفع الشيخ المشار إليه آنفا أن يؤكدوا بان عملية الاختطاف ليس المراد منها إنصاف من قاموا بعملية الاختطاف وإعطاءهم حقوقهم بل أن الهدف ابعد من ذلك ولم يستبعد بان يكون وراء هذه العملية جهات أو أشخاص ذوي نفوذ في مديرية بني ضبيان أو ربما خارجها هم من دفعوا الخاطفين للقيام بهذه العملية للحصول بعد ذلك على مكاسب وامتيازات مادية ومعنوية من قبل الحكومة اليمنية التي اعتاد الجميع بان تقوم بمنح فديات مقابل تحرير من يتم اختطافهم، الأمر الذي شجع عدد من الأشخاص إلى اللجوء إلى مثل هذه الأعمال والأساليب لتستجيب الدولة لمطالب الخاطفين ومنح من يقومون بعملية الوساطة والنجاح فيها تلك الامتيازات والتي أعطيت للعدد من الشخصيات أثناء عملية تحرير مختطفين في عمليات مماثلة خاصة في العامين الماضيين.

البلد الفقير والتشجيع على الاختطاف..!

المعلومات الواردة في عدد من التقارير المتعلقة بحالات الاختطاف السابقة توضح أن كثيرا من الحالات التي قامت فيها السلطات الأمنية بملاحقة وضبط بعض منفذي عمليات الاختطاف بعد تحرير المختطفين، وسجنهم وتقديمهم للمحاكمة، لجأ آخرون من أقربائهم إلى تنفيذ عمليات اختطاف أخرى للضغط على السلطات من اجل إطلاق سراح أقربائهم المتورطين في جرائم اختطاف سابقة.

لكن، وفي حين أدى عدم استخدام القوة ضد الخاطفين إلى ضمان سلامة المخطوفين في معظم عمليات الاختطاف، فإنه أسهم في الوقت نفسه في تشجيع آخرين على تنفيذ المزيد من عمليات الاختطاف المشابهة، وجعل خطف الأجانب وسيلة سهلة للتكسب والضغط على الحكومة لتنفيذ مطالب مشروعة وغير مشروعة.. كما تشير معلومات خاصة تم الحصول عليها من مصادر قبيلة في "بني ضبيان" أن عملية تحرير نجل احد رجال الأعمال اليمنيين الذي تم اختطافه العام الماضي كلفت والده دفع فدية قدرة بحوالي "350" ألف دولار، وان عملية تحرير سائح آلماني وزوجته الذين تم اختطافهم في العام نفسه، والتي كان لعملية اختطافهم علاقة بقضية اختطاف نجل رجل الأعمال اليمني، حيث ادعى حينها الخاطفون بأنه لازالت لهم مستحقات مالية من "قطعة ارض متنازع على ملكيتها وتقع على احد الشوارع الرئيسية جنوب شرق العاصمة اليمنية صنعاء"، لتدخل الوساطة بعد ذلك وتكلف عملية تحرير الثلاثة الألمان فدية عينية ونقدية تمثلت في سيارتين وعشرين مليون ريال يمني- حسب ما ذكر في حينه بصورة غير رسمية-.

الغريب في اختطاف الهولنديين..!

يرى الكثير من المراقبون بان صمت السلطات اليمنية والسفارة الهولندية بصنعاء رغم ولوج الأسبوع الثاني على اختطاف الهولندي وزوجته، واكتفاء السلطات اليمنية باعتقال ما يزيد عن 30 شخصا ينتمون إلى قبيلة "بني ضبيان" وإرسال الوساطات بصورة غير رسمية التي لم تتوصل إلى حل مع الخاطفين ساعة كتابة هذا التقرير، يرى المراقبون انه أمر يبعث على الاطمئنان والقلق في آن واحد، حيث يتبادر إلى ذهن المتابع إلى أن السلطات اليمنية بدت وكأنها مطمئنة على حياة المختطفين ومتيقنة من عودتهما رغم فشل الوساطات وعدم الوصول إلى تسوية مع الخاطفين وأنها تدرك ما هي المطالب والأسباب الحقيقية وراء عملية الاختطاف ومن يقف وراءها، ويقلق أيضا كون هذا التراخي من قبل السلطات سيشجع على تفاقم عمليات الاختطاف في اليمن خلال قادم الأيام خاصة في ظل فشل الحكومة في تحققي أي إصلاحات حقيقة على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني، كما أن اطمئنان السلطات اليمنية بهذه الصورة يعطي انطباعا للدول الخارجية وقناعة بان عملية الاختطاف في اليمن لم تعد تنفذ من قبل أشخاص وإنما تدار من قبل جهات وشخصيات لها نفوذها وعلاقاتها القوية بإطراف في السلطة.

أضرار علميات الاختطاف

من المعروف أن ظاهرة خطف الأجانب قد ألحقت أضرارا كبيرة بسمعة اليمن واقتصادها الوطني، بعد أن تسببت بشكل مباشر في عرقلة حركة الاستثمارات الأجنبية، ووجهت ضربات مؤثرة لحركة السياحة، من خلال تقليص عدد السياح الواصلين إلي اليمن، ومضاعفة خسائر تشغيل المنشآت السياحية، وإحباط جهود الترويج السياحي في الخارج، وانخفاض العائدات السياحية بنسبة وصلت إلى 55% حسب إحصاءات حكومية.

الاختطاف في اليمن..تاريخ وأرقام

تكاد تكون عملية الاختطاف في اليمن ظاهرة مسلم بها وقديمة متجددة وفق ما تقتضيه الحاجة التي يتكسب من وراءها منفذوها أو حجم قضاياهم المنظورة أمام السلطات المعنية في اليمن وتقاعست عن حلها-بحسب ما بزعمه الخاطفون في كل عملية اختطاف يتم تنفيذها.

لذا فنحن أمام نموذج متكرر لحوادث مشابهة اشتهر وقوعها في اليمن منذ العقد الأخير من القرن العشرين. إذ وقع أول حادث شهير من هذا النوع في نوفمبر من عام 1993 عندما اختطف مسلحون من قبائل محافظة مأرب الملحق الإعلامي بالسفارة الأمريكية بصنعاء؛ فسنوا بذلك سنة اتبعها الكثير من رجال القبائل في السنوات اللاحقة. حتى بلغ عدد عمليات خطف الأجانب في اليمن نحو 130 عملية في الفترة من 1992 وحتى الآن، استهدفت نحو 300 أجنبي معظمهم من الدول الغربية المانحة، وخاصة من ألمانيا، وايطاليا، وفرنسا، وبريطانيا وهولندا، والولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى العديد من حالات الاختطاف التي استهدفت يمنيين على خلفية نزاعات قبلية وشخصية.

ووقعت معظم حالات اختطاف الأجانب في مناطق التركيز القبلي التي يرتادها أو يمر بها السياح والعاملون الأجانب، خاصة في محافظات صنعاء، ومأرب، وذمار، وشبوة، والجوف. واشتهرت بعض القبائل في محافظتي مأرب وصنعاء، وعلى الأخص منها قبائل بني ضبيان، بتنفيذ عمليات الاختطاف.

وفي معظم حالات الاختطاف طالب المنفذون الحكومة اليمنية بتحقيق مطالب تتعلق بمناطقهم وتوفير بعض الامتيازات لأبناء قبيلتهم، مثل المطالبة بتنفيذ مشروعات خدمية وتنموية في مناطق القبيلة، وتوظيف عدد من أبناء القبيلة في القطاعين المدني والعسكري، أو إطلاق سراح مساجين من قبائلهم وأقربائهم في سجون الدولة.