الجوف: فور وصول العكيمي هدأت المواجهات نسبياً مع الحوثيين..لكنها اشتعلت بشراسة مع همدان

الجمعة 09 إبريل-نيسان 2010 الساعة 03 مساءً / مأرب برس - تقرير على الغليسي
عدد القراءات 13294

الجوف.. محافظة لا تعرف السكينة والاستقرار، تنام على أصوات المدافع، وتستيقظ على دوي قذائف الهاون، تزحف الجوف باتجاه الأمان فتعترضها فوهات البنادق، ترنو نحو السكون فلا تأخذ منه إلا ساعات الهدوء الذي يسبق العاصفة.. تجد ذاتها في معظم الأحيان بدون مقدمات في خضم موجة متلاطمة من لعلعة الرصاص القادم من خلف كمين أو الناتج عن التقاء غريمين في وسط سوق أو مكان عام مساء الاثنين 29 مارس الماضي عاشت الجوف ساعات ملبدة بالبارود إثر قصف مدفعي عنيف متبادل بين قبيلتي همدان والشولان.

لا يلوح في الأفق ما يدل على أن الجوف في طريقها لمعانقة السلام، فمنذ أن توقفت الاشتباكات نسبيا بين الحوثيين وقبائل المحافظة، تصاعدت المواجهات بشكل مخيف بين قبيلتي همدان والشولان، ولم تفلح المساعي القبلية لمشائخ مأرب والجوف في التوصل إلى أي توافق بين الطرفين من شأنه إيقاف نزيف الدماء وحصد الأرواح في المستقبل.

في تعاملها مع صراعات الجوف – عرفت السلطة من أين تؤكل الكتف؟ فعمدت إلى اتباع سياسة تضمن سقوط أكثر من (عصفور) بحجر واحدة، وبما أن معظم مناطق الجوف ظلت خارج سيطرة الدولة نفذت بهدوء خطة قديمة أجريت عليها بعض التحديثات، هدفها العام الإيقاع بين القبائل فيما بينهم، وتوريدهم أيضا لمواجهة الحوثيين وذلك لإيصالهم إلى مرحلة الإنهاك التي تحصل بعدها على السيطرة المفقودة وتضمن بقاءها في القمة التي لا يوجد فيها من ينازعها على النفوذ.

مطلع شهر مارس الماضي هدأت جبهة حرب كانت ملتهبة بين آل صقرة من الشولان وأتباع الحوثي، حيث نجحت وساطة الشيخ صالح درمان والشيخ سفيان بن حيدر في التوصل إلى فك الحصار المفروض على مديرية المطمة طيلة ثلاثة أشهر من قبل الحوثيين، وتم فتح طريق المديرية المؤدي إلى منطقة العبلة بسفيان، غير أن الحزام الذي يقيمه الحوثيون بين حصن بن سعد والمطرف العزلة التي يقطنها آل صقرة من الشولان- لا يزال قائما، بما يوحي أن الاتفاق كان خطوة استباقية للجنة البرلمانية المكلفة بإحلال السلام في الجوف، خصوصا وأنه كان قبل يومين من موعد نزول اللجنة.

خلال مواجهات الحوثيين وقبائل آل صقرة سقط ما يقارب 180 قتيلا من الطرفين بينهم 150 حوثيا بحسب مصادر محلية، غير أن قيام الحوثيين مطلع مارس الماضي بالمرور عبر خمس مديريات (المتون، الحزم، الغيل، المصلوب، الزاهر) في موكب استعراضي مسلح، على متن خمسة أطقم مجهزة بالأسلحة الرشاشة، رافعين لافتات مع ترديد الشعارات بصورة ملفتة تعتبر رسالة واضحة للدولة والقبائل فيما يشبه إعلان انتصار، خصوصا وأن ذلك الموكب كان يمر عبر النقاط العسكرية مع قيام الحوثيون بدخول مركز المحافظة والمرور بالقرب من المجمع الحكومي، وهو الأمر الذي يحدث لأول مرة، كما لا يمكن تجاهل قبيلة (همدان) كطرف يراد للرسالة أن تصل إليه نظرا لوقوع مديرية الحزم (مركز المحافظة) ضمن إطار محيطها القبلي، بالإضافة إلى ذلك فإن أنصار الحوثي في الجوف كانوا لا يقتربون من تلك المناطق بصورة علنية بسبب المواجهات الشرسة والمستمرة، وهو ما يقودنا إلى احتمال وجود جهة ما أوعزت إليهم للقيام بذلك من باب إثبات الذات وإعلان كسب المعركة وتأكيد النفوذ.

الاتفاق المفاجئ الذي كان بين الحوثيين والشولان قطع الطريق أمام كثير من المهام المدرجة على جدول أعمال اللجنة البرلمانية التي وصلت لسماع أقوال الطرفين (لقد حسمنا أمرنا بعيدا عنكم)، الأمر الذي شعر معه البرلمانيون أن نزولهم غير ذي جدوى وأنهم جاءوا في الوقت الضائع، ونظرا لطبيعة الصراع الدامي والعنف المفرط بين الطرفين فإن اتفاقا كهذا لا شك ستحوم حوله المزيد من الشكوك والاحتمالات التي تضعه في خانة الشكليات، غير أن من يعلم بمستوى العلاقة التي تربط الشيخ/ أمين العكيمي وهو أحد مشائخ الشولان بقيادات الحوثيين، سيدرك حجم الجهود التي بذلها والدور الذي قام به لإخراج ذلك الاتفاق إلى حيز التنفيذ، بالرغم من نجاح الحوثيين في فرض شروطهم، نتيجة انحياز العكيمي لصالحهم في العديد من المواقف لأسباب يلفها الغموض.

تعقيدات الوضع القبلي في الجوف قد تعرقل جهود السلام الاجتماعي، وإنهاء النزاعات المسلحة على مختلف الأصعدة، وقطع جذورها حقنا للدماء وحفاظا على الأرواح، يتطلب إرادة سياسية وعملا جادا ومسئولا، وحسن نوايا من أطراف الصراعات إذا كان هناك من يريد للجوف أن تعيش بسلام، أما أن تواصل التحركات والمساعي سيرها بالحركة البطيئة فإننا سنجد أنفسنا أمام (حرب أهلية) وكارثة حقيقية بكل المقاييس بناء ما يتوفر لدى أطراف الحروب من إمكانيات بشرية وعسكرية هائلة، ستتلبد معها أجواء تلك المناطق بنيران الأسلحة الخفيفة والثقيلة وستغرق أراضيها بموجة من الدماء، ولن يكون للصحوة المتأخرة نفع إذا تحول الوضع إلى مأساة إنسانية لا تعرف سوى لغة السلاح ولون الدم!!.

الأسابيع الماضية شهدت الجوف اشتباكات بين الحوثيين وآل الضمين في مديرية الزاهر، هي امتداد لمواجهات بين الطرفين منتصف العام الماضي أدت إلى سقوط قتلى وتخريب منازل ومزارع أثناء محاولة الحوثيين السيطرة عليها، وقد سقط خلال المواجهات الأخيرة قتيل من آل الضمين، كما قتل في مواجهات أخرى شاب عشريني من قبائل الأشراف على يد قناصة حوثيين وجرح أحد أبناء الحسن الضمين بالإضافة إلى مقتل شخص من قبائل الشولان.

مع وصول الشيخ البرلماني/ أمين العكيمي إلى محافظة الجوف توقفت كل مظاهر المواجهات والمناوشات بين قبائله والحوثيين، لكنها بدت أكثر حدة على صعيد الاشتباكات بين الشولان وهمدان التي تشهد استخدام أساليب جديدة كانت غائبة عن حروب القبائل وأبرزها تفخيخ المنازل وتفجير المضخات، والقتل بالأسلحة القناصة حيث لقي حوالي ثلاثة أشخاص مصرعهم بسبب أعيرة نارية انطلقت من قناصة سقط على إثرها أحدهم وهو على سطح منزله والآخر أثناء قيامه بغرس القات في الخربة وثالث في منزله وكلهم من همدان.

بالطبع.. (مصائب قوم عند قوم فوائد) وإذ تظهر قبيلة همدان كغريم للحوثيين والشولان فإن أحدا لا يمكنه القول بأن تلك الأساليب القتالية الحديثة والتي يتم استخدامها للمرة الأولى في حروب القبائل.. إنها نتاج اتفاق بين الحوثيين والشولان برعاية شخصيات منا لعيار الثقيل للطرفين بهدف كسر شوكة همدان وضربها في الصميم وإنهاكها لتسهيل مهمة الحوثيين في السيطرة على مركز المحافظة (مديرية الحزم) من جهة، وترجيح كفة الشولان في الصراع القبلي الطويل من جهة أخرى، وإذا كان هناك من يردد مثل تلك الأقاويل مستندا إلى العديد من الشواهد الميدانية والأدلة المنسوبة للواقع، فإنها لا تعدو عن كونها مجرد اتهامات تحتملا لصدق والكذب في آن واحد، لكن تلك الأحاديث يراد لها أن تساهم في تعميق الشرخ وتوسيع الهوة بين أطراف النزاعات، حتى مران كان هناك من يعمل وفقا قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) ويسعى إلى استغلال كل شيء لصالحه بما فيها التربيطات والتحالفات التي يكتنفها الغموض وتعتريها أزمة الثقة فإن السلام يجب أن يظل مطلبا للجميع وعلى رأس قائمة الأولويات.

ربما تبدو الأمور ضبابية حتى اللحظة فيما يتعلق باتفاق الحوثيين والشولان، لكن ما من شك أن هناك أياد خفية تدير النزاع وتؤجج الخلاف لأهداف لا تتوقف عند إضعاف قبائل الجوف وإنهاكها، وإذا كانت الدولة قد اكتفت بموقف المتفرج على المواجهات المفتوحة بين القبائل والمكبرين فإن هناك أطرافا أخرى تنتظر الفرصة السانحة للانقضاض على ما تبقى من محافظة باتت مرشحة للسقوط، وما وراء الكواليس هناك تصفية حسابات لا يدركها المقاتلين في جبهة الإخوة الأعداء الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأموال الحاقدين، متجاهلين حالة السقوط التي يتعرض لها الجدار المتماسك والذي تتيح كل رصاصة فيه المجال لدخول المتربصين على إثر انهيار سطوتهم القبلية.