آخر الاخبار

عاشق عدن السوماني البروفسور مبارك حسن الخليفة.. وحديث من القلب قبل مغادرته إلى الخرطوم

الإثنين 15 أغسطس-آب 2011 الساعة 04 صباحاً / مأرب برس - لبنى الخطيب:
عدد القراءات 12182
 
من اليسار: عبدالعزيز بن حبتور, مبارك حسن الخليفة, أحمد علي الهمداني. في الخلف: محمد العبادي (سبأ)
 

حان الرحيل يا صاحب «الرحيل النبيل» السوماني الأول وعاشق عدن. عدن التي احتضنتك كما هي عادتها تحتضن الجميع. يا ود الخليفة بادلتها الحب والإخلاص والعشق والهوى سودانيا يمنيا اجتمعا معا ومعززا العلاقة الأخوية القوية بين الخرطوم وعدن.

مرت السنوات وجل عمرك الطويل وأنت في خدمة اليمن ومن صرحها الجامعي درست علمت وجهت نسجت علاقات طيبة مع شرائح واسعة من أبنائها وصرت علما من أعلام عدن.

فتحوا أحبتك القلوب والعقول لك، وبادلتهم الود وأكثر مشاركا الكثير فرحهم وترحهم وأمسياتهم الثقافية ومجالس منتدياتهم. ميزتك لهجتك وعمامتك وجلابيتك السودانية البيضاء البسيطة دون تكلف يا شيخ الشباب، وتأكيدا لحبك لعدن بقيت فيها صامدًا وفي أحللك ظروفها ومنعطفاتها السياسية التاريخية.

حانت مغادرتك الاختيارية لوطن الجدود وغصة قوية في قلبي ومن عرفك لفراقك، والوادع دائما صعب، ولابد منه للعودة لوطن الجدود السودان الجديد اليوم بخارطة وحدود، ويبقى السودان وشعبه الأقرب لليمنيين للعلاقات الطيبة بينهم في الغربة بالعمل أو الدراسة، وعلى أرض السودان واليمن.

* ماذا تقول لشقيقك شمس الدين وصديقك كامل بعد مرور وقت لمناشدتهم بعودتك للسودان؟

حينها رديت بأبيات:

لابد للوطن بعد ابتعادي أعود

لكن في اليمن أنا لي عشق وعهود

ما كان خطأ مرساي في أرض اليمن

عشت المودة الصافية والحب في اليمن

والآن أقول لشقيقي شمس الدين وكامل عبد الماجد صديقي وكل الأهل والأحباب والأصدقاء أنا في طريقي إليكم والاستقرار بصورة نهائية في السودان، وحقيقة أنا أسافر من اليمن من عدن وملء نفسي حزن وأسف شديدين، لقد عشت هذه المدة الطويلة 34 سنة، بين من أحبوني و احترموني وأعطوني كثيرا من مشاعرهم, سواء كانوا طلابي وطالباتي أو زملائي، أو من يعملون بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو المقروءة، ولذلك لولا ظروف خاصة جدا لما رحلت عن اليمن وأنا في طريقي إليكم إن إن شاء لله قريبا جدا. والله الآن تموج أشياء في نفسي لا أقدر أمسك بها من الفراق من اليمن واللقاء الذي سيكون في السودان أشياء كثيرة داخل النفس.

* لماذا اخترت عدن دون بقاع العالم؟

أنا كنت أعمل في ثانوية دبي 1974- 1977م، و كنت حاملا لرسالة الماجستير وحينها وصلتني رسالة من صديق كان يعمل في عدن, والآن في جامعة الحديدة الدكتور محمد أمين ودودا، قال فيها: «كلية التربية جامعة عدن محتاجة إلى من يدرس النقد والأدب، وأنت تحمل الماجستير وتعمل في مدرسة ثانوية»، وما صدقت على طول رحلت من دبي وجئت إلى عدن. في الأول من سبتمبر 1977م, وقعت عقد العمل مع الجامعة وكان رئيسها الأستاذ أبو بكر باذيب.

وأنا سمعت الكثير عن اليمن ومتابع أخبار عدن ولقبت بعاشق عدن.

* متى بدأت كتابة الشعر وبمن تأثرت؟

بدأت كتابة الشعر مبكرا وأنا في المرحلة المتوسطة قبل الدخول للثانوية، وما كتبته من الشعر كان يحتاج إلى مساعدة, وهناك أساتذة ساعدوني كثيرا لتقويم الأشعار وتوجيهي للقراءة و الإطلاع.

وقرأت في الشعر القديم والحديث كثيرا، وشاعري المفضل قديمًا المتنبي، وشعراء كثر مفضلون في العصر الحديث وعلى رأسهم بدر شاكر السياب والشاعر السوداني محمد المهدي مجذوب وعبدالوهاب البياتي، محمود درويش، صلاح عبد الصبور ونازك الملائكة، وكل هؤلاء قرأت لهم وتأثرت بهم وتوجهت إلى كتابة الشعر.

* عدد أعمالك الشعرية؟

1960م صدر ديواني الأول «أغنيات سودانية» - الخرطوم، والثاني «ألحان قلبي» 1964م - القاهرة، وديواني الثالث «الرحيل النبيل» – عدن 1982م، وبمناسبة صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م أعادت وزارة الثقافة اليمنية طباعة أعمالي الشعرية الكاملة.

* ديوانك «ألخان قلبي» قدمته اللجنة السودانية في مؤتمر كتاب آسيا وإفريقيا بالقاهرة 1964م. كيف كان وقعه عليك؟

كان شيئًا مريحًا للنفس جدًا جدًا، وكنت فرحًا جدًا, ومبسوطًا للغاية.

* وصلت للعالمية بسرعة.

يضحك.

* أبناؤك احتلوا حيزا في أعمالك الشعرية؟

أبنائي أسعدوني كثيرًا. بعضهم كان مهتما وما زال بالجوانب الإبداعية والفنية. البِكر «ماجد» طبيبا وعازفًا ممتازًا على آلة "الأورجن", و«هاني» الطبيب أيضًا يكتب قصصًا وخطرات فنية, وعازفًا على "الأورجن"، و«حسن» درس الموسيقى في السودان وتخصص بالجيتار، بينما «راشد» درس الحقوق, و«أيمن» اتجه للكمبيوتر.

وناجيتهم بقصائد في مراحل مختلفة من حياتهم وللحفدة أيضًا نصيب من ذلك, ولآية راشد صغت في مولدها وذكرى ميلادها الأول أبياتًا، وربي عوضني بحفيدات من البنات وأنا أب لصبيان فقط.

* عدن احتلت جزءًا كبيرًا في نفسك وأعمالك؟

بهذه المناسبة أقرأ قصيدة عن عدن:

عدن توشح بالغرام فتاها

وبحبها بين الحسان تباها

في الساحل المسحور سطّر عشقه

حي الرشيد يشي بيوم لقاها

عدن هواها قد تملّك مهجتي

بالحب قد نلت المنى ورضاها

وشوشت للخرطوم ذوب مشاعري

وحكيت للنيل الحبيب صبابتي

النيل عودنا وبارك حبنا

ودعا فؤادي للهوى ودعاها

* ولحي الموردة مكان في قلبك أيضًا؟

أنا راجع للموردة في أم درمان الذي ولدت ونشأت فيه؛ وهو حي يمتاز بترابط أهله وتكاتفهم بالسراء والضراء، يرحبون بالموجود ويفتقدون الغائب ويدعونه إلى العودة، وهنا أذكر قصيدة من القصائد القديمة:

أنا بك سعادتي مؤكدة

وبراك** حياتي منكدة

ما عندي مانع

حتى لو ضيعني ساكن الموردة

* تقييمك لطلابنا في التعليم الجامعي الآن؟

في الحقيقة هناك فرق كبير بين طلاب السبعينات والثمانيات والآن. كان الطلاب مهتمين جدًا بالإطلاع والقراءة, خاصة الطلاب الذين يأتون من محافظة حضرموت؛ لأن المساجد هناك فيها مكتبات يقرءون فيبدعون، وعندهم نشاط ثقافي والعلاقات ممتازة بين الجميع، لكن بكل أسف أقول في التسعينيات تغيرت الحالة، والمستوى لم يعد ذلك المستوى الجيد, حتى العلاقات لم تعد هي العلاقات الممتازة بكل أسف، أرجو أن تعود أيامنا في السبعينات والثمانيات، ولا أعمم هذا على الجميع, هناك عدد من الطلبة لديهم إبداع وهم على صلة بي، ويسلموني أعمالهم لأصححها ولكنهم قلّة.

* لأنك عاشق للغتنا الجميلة, تناولت في أعمدتك الصحفية بعض الأخطاء اللُغوية المتداولة؟

أنا نشأت في السودان في بيت تصوف, بيت السادة الأدارسة الذين كانوا في نجران، لأن والدي وجدي كانا خليفة لهم "رحمهما الله" والخليفة ما يكون من الأسرة ولكن سيكون من المورديين ويرعى شؤون الأدارسة الدينية والثقافية والاجتماعية، ولهذا لقبنا الخليفة. وفي هذا الحوش الخلوة «المعلامة أو الكتاتيب» فيها يخلو الفقيه بالعبادة، وفي هذه الخلوة تعلمت مبادئ القراءة والكتابة وحفظت أجزاءً كثيرة من القرآن قبل أن التحق بالمدرسة الأولية، ومنها تشربت اللغة العربية.

وفي كل المراحل كنت مهتما باللغة العربية، وحينما سافرت إلى القاهرة للدراسة في عام 1954م التحقت بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة القاهرة، وبالمناسبة حينها لم يلتحق بهذا القسم من السودانيين إلا اثنان, أنا وعمي عبد اللطيف في الثلاثينات من القرن العشرين المنصرم، غرفت هذه المعلومة من مدرس درسني في الجامعة كان زميل عمي في الجامعة، لأن السودانيين يذهبون للدراسة لدار العلوم أو الأزهر.

وما تناولته في الصحف من أخطاء لُغوية شائعة كثيرة في الحياة العامة أو عبر وسائل الإعلام واستوقفت أمامها، وأسئلة وردتني من القراء لتعريف بعض المعاني، فعمودي في «الأيام» «كي لا نخطئ», مد جسور تواصل طيبة مع كثير من القراء.

* جديد أعمالك الأدبية؟

قريبًا سيطبع لي كتابان مما نشرته في «كي لا نخطئ», و«بيني بين القراء» في صحيفة «التحديث»، وأخذت موافقة كتابية من رئيس جامعة عدن الدكتور عبد العزيز بن حبتور لطباعته، كما أمر الدكتور حبتور بطباعة ديواني الأخير «لكني أسير هواك», حيث الطبعة الأولى فاجأني بها شقيقي الأصغر شمس الدين بإصدارها في السودان قبل سنتين، كما انتهيت من تجهيز ديواني الجديد «حب و وفاء», ويكتب مقدمته الدكتور عبد المطلب جبر، ومتى وأين يطبع؟ لا أعرف بعد.

* مكتبتك العامرة الزاخرة بأمهات الكتب وكتب كثيرة لمن ستتركها؟

على فكرة لمستي وترا حساسًا. تبرعت لمكتبة كلية التربية عدن ثلاثة كراتين كبيرة معبأة بالكتب، وهم وعدوا سوف يضعونها في مكان محدد ويكتب عليها اسمي، وجزء من المكتبة سآخذها معي, وخاصة الرسائل العلمية التي أشرفت عليها أو ناقشتها, وعبر صديق سأشحنها بالبحر إلى السودان.

* شريكة حياتك وقفت معك وتحملت الكثير؟

زوجتي العزيزة نجاة عبد الوهاب الخليفة ابنة عمي, زاملتني منذ مطلع الستينات، وضحت بالكثير وعانت ما عانت؛ خاصة عندما اعتقلت مرتين, كل مرة ستة أشهر وعشرة أيام وفق قانون الاعتقال التحفظي أيام حكم الجنرال جعفر النميري، فشريكة حياتي وأم أولادي تعبت جدًا بين رعاية الأطفال والمجيء لزيارتي في المعتقل حينها، وسافرتْ بعد ذلك معي إلى دبي، ومنها إلى عدن ومرضتْ بالروماتيزم وتعاني معاناة كبيرة منه, وهي معي هنا في عدن, وضحتْ بصحتها لإسعادي وبقائها بقربي.

ولها نظمتُ أبياتًا عندما ذهبت إلى دبي لوجدي, وحينما جاءت كتبتُ أغنية «نهاية الغربة والأحزان»:

بحس جنبك نهاية الغربة والأحزان

وبمسح من فؤادي مرارة الحرمان

براك أنا كنت عائش في صحارى الهم

ويوم هليتي زي واحة

بقيت جنبك أحس بالفرحة والراحة

أعاين ليك أشوف النيل وموجاته

وضحكاتك تقول يا السمحة ضحكاته

متين نرجع نكمل ريدنا جنب النيل

وننسى الغربة والأحزان وسهر الليل

بالمناسبة هذه الكلمات بين يدَي الملحن السوداني عبد الطيف خضر، وتحياتي لـ«أم ماجد», ربنا يدّيها الصحة والعافية, فهي ضحت كثيرًا من أجلي.

***

بالحب والشوق وحرقة الوداع والدموع الصادقة وتنهيدة من القلب, ختم عاشق عدن اللقاء، وبدرر حملت الكثير من المعاني لعدن واليمن وأهلها الطيبين، كانت أبلغ تعبير في الكلمات والأحاسيس لقصيدة صاغها بالعامية السودانية «بحبك يا يمن».

بحبك يا يمن وأنا في هواك عليل

وبلمح في تبن عشاق شباب النيل

وجيتك يا بنا أنا للغرام عطشان

سقيتني من الهناء وأنا بهواك نشوان

في الغيل يا صديق البهجة والأفراح

والغيل يا صديق بلسم يداوي جراح

في شبوة ليا أحباب

في المهرة ليا أصحاب

لاقوني بفرحة لا قوني بترحاب

مديت إيديا مديتها ليك يا أزال

يا درة يا صنعاء يا قبلة الآمال

بحبك يا عدن زي أمنا الخرطوم

ولازم يا زمن عشق الأحبة يدوم

برسم على صيرة وبنقش على شمسان

أجمل هوى لصيرة من موطني السودان

وفي الأخير الشكر الجزيل لابنتي العزيزة والعزيزة جدا «لبنى» على هذا اللقاء، واعتز بالجلوس معها والحديث إليها والحديث يطول ويطول، لكن في النفس حاجات وحاجات كثيرة جدا جدًا. أربعة وثلاثين سنة كافية أن تملأ النفس بذكريات جميلة وحبيبة إلى النفس، وأكرر شكري الجزيل لكِ ولأسئلتك الجميلة جدا في مجالها, وأنت مبدعة تمام. إنها أسئلة المرحلة.

_________________

**براك: باللهجة السودانية تعني «من غيرك».

*ينشر الحوار بالتزامن مع جريدة «الطريق» اليمنية.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة ثقافة