كيف تعامل ملوك وأمراء الخليج العربي للحد من وصول ثورات الربيع العربي إلى شعوبهم

الجمعة 01 مارس - آذار 2013 الساعة 04 مساءً / مأرب برس – صنعاء
عدد القراءات 8132

المصدر : * مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

سليمان العتيقي محلّل للشؤون الدولية مقيم في الكويت.

 * تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

  بعد الحملة القوية التي نُظِّمت خلال العقد الماضي بهدف توطين الوظائف في القطاع الخاص (مع تحقيق بعض التقدّم في البداية)، جاءت الانتفاضات العربية (ثورات الربيع العربي ) في العام 2011 لتدفع بالحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي نحو تطبيق سلسلة من السياسات الهادفة إلى الحؤول دون وصول موجة الثورات الإقليمية إلى الشواطئ الخليجية، إلا أنها أدّت في نهاية المطاف إلى تقويض الجهود السابقة التي سعت إلى تحويل المواطنين نحو القطاع الخاص.

خلال العقد الماضي، رأت حكومات مجلس التعاون الخليجي أن هناك حاجة ملحّة إلى تعزيز دمج مواطنيها في القطاع الخاص. وكان الدافع الأساسي وراء هذا القرار تدفّق أعداد متزايدة من العمّال المهاجرين إلى الخليج، والذين هم جزء من الجالية الاغترابية التي تشكّل نحو ثلث السكّان في دول مجلس التعاون الخليجي. فضلاً عن ذلك، ومن أجل مكافحة البطالة، اضطُرَّت الحكومات الخليجية إلى استحداث وظائف ذات قيمة إضافية متدنّية في القطاع العام، الأمر الذي ساهم أكثر فأكثر في اتّساع شبكة البيروقراطية.

نتيجةً لذلك، اعتمد وزراء العمل في دول مجلس التعاون الخليجي العديد من الإجراءات لتوطين الوظائف في القطاع الخاص في محاولة لمعالجة الخلل الديمغرافي. وكانت هذه السياسات أيضاً محاولة للابتعاد عن النظام الريعي، والحد من الاعتماد على الإيرادات النفطية في تمويل الجزء الأكبر من رواتب المواطنين. وتقوم هذه المساعي في شكل أساسي على إلزام الشركات الخاصة بتوظيف نسبة معيّنة من المواطنين، مع فرض عقوبات على الشركات المخالِفة.

لكن الحكومات الخليجية بذلت طوال العام 2011 جهوداً حثيثة للحؤول دون حدوث انتفاضات شعبية - كما في البحرين - وأطلقت سلسلة من السياسات الهادفة إلى استرضاء مواطنيها، معوِّلةً على أسعار النفط المرتفعة التي حفّزتها الاضطرابات الإقليمية، حيث بلغ معدّل سعر البرميل الواحد أكثر من 100 دولار أميركي في العام 2011. إلا أن هذه الإجراءات أدّت، عند تطبيقها، إلى تحسين شروط العمل في القطاع العام أكثر فأكثر، في حين أنها أثارت التململ لدى المواطنين العاملين في القطاع الخاص.

ردّت السعودية على الاستياء المتنامي عبر استخدام إيراداتها النفطية الهائلة. فقد حاول الملك عبدالله استرضاء الجيل الجديد، والحد من مفاعيل زيادة التضخّم عبر إصدار سلسلة من المراسيم (في 23 شباط/فبراير و18 آذار/مارس 2011)، تُقدَّر كلفتها بـ130 مليار دولار أميركي، أي نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في المملكة. فمع بلوغ نسبة البطالة 10 في المئة على الأقل (تُقدَّر بـ40 في المئة لدى الفئة العمرية 20-24 عاماً)، أعلن الملك عن منح مساعدات (553 دولاراً في الشهر) للعاطلين عن العمل، واستحداث أكثر من 60 ألف وظيفة عسكرية في وزارة الداخلية.

  فضلاً عن ذلك، صُرِفَت مكافأة شهرَين لجميع الطلاب في التعليم العالي العام. لكن أدوات الاسترضاء الحقيقية تمثّلت في زيادة الأجور بنسبة 15 في المئة، وصرف راتب شهرَين دفعةً واحدة لجميع موظّفي الدولة الذين يشكّلون نحو 80 في المئة من مجموع المواطنين السعوديين. وقد أثارت هذه السياسات التي منحت امتيازات لموظّفي القطاع العام، موجة من الشكاوى لدى موظّفي القطاع الخاص. فذهب الأمير الوليد بن طلال (رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة)، إدراكاً منه لتداعيات هذه المسألة، إلى حد صرف راتب شهرَين إضافيين لموظّفيه، أسوةً بالعاهل السعودي، وشجّع رجال الأعمال الآخرين على فعل الشيء نفسه دعماً لمبادرة الملك.

وسعى أمير الكويت أيضاً إلى استباق التململ، فبادر في كانون الثاني/يناير 2011 إلى صرف ألف دينار كويتي (3600 دولار أميركي) دفعةً واحدة لكل مواطن كويتي - أي ما مجموعه أربعة مليارات دولار - فضلاً عن توزيع إعانات غذائية لمدّة 18 شهراً. وشاءت الصدفة أن تتزامن هذه الإجراءات مع الاحتفالات بالذكرى الخمسين لاستقلال البلاد، وهكذا صُوِّرت المكافأة السخيّة بأنها "هديّة" خاصة لمناسبة اليوبيل الذهبي. بيد أن آلاف الموظّفين في القطاع العام نفّذوا إضراباً - بتحفيز من الانتفاضات - للمطالبة بزيادة أجورهم ومنحهم مزيداً من المنافع. وبحلول شباط/فبراير 2011، أعلنت الحكومة عن زيادة على الرواتب ترواحت من 70 إلى 100 في المئة للموظّفين العسكريين (في وزارتَي الدفاع والداخلية) بحسب الرتبة. وعندما أعلنت الحكومة عن زيادة رواتب الموظّفين في القطاع النفطي تصل إلى 66 في المئة في أيلول/سبتمبر، رأت النقابات العمّالية على غرار موظّفي الخطوط الجوية الكويتية والجمارك، أن الظرف مؤاتٍ، فكثّفت جهودها ونفّذت إضراباً للمطالبة بزيادة الرواتب. وقد أذعنت الحكومة للضغوط، وبحلول آذار/مارس 2012 أعلنت عن زيادة بنسبة 25 في المئة على رواتب القطاع العام - الذي يضم أكثر من 80 في المئة من القوة العاملة في البلاد - وبنسبة 12.5 في المئة في المعاشات التقاعدية.

مع أن قطر لم تتعرّض إلى أي ضغوط داخلية خلال انتفاضات 2011، إلا أن الدولة الأغنى في العالم لناحية الدخل الفردي أعلنت عن زيادة كبيرة بلغت 60 في المئة على رواتب كل المواطنين العاملين في القطاع العام، الذين يشكّلون نسبة عالية جداً تصل إلى 92 في المئة من القوة العاملة الوطنية. كما نص المرسوم الصادر عن الأمير على زيادة رواتب الضباط العسكريين بنسبة 120 في المئة، في حين حصل العسكريون في المراتب الأخرى على زيادة قدرها 50 في المئة.

وقد انضمّت الإمارات العربية المتحدة أيضاً إلى ركب الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، ومنحت بدورها منافع لمواطنيها. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2011، أعلن رئيس الدولة أن عمّال القطاع العام، الذين يشكّلون 90 في المئة من مواطني الإمارات، سيحصلون على زيادة بنسبة 35 إلى 45 في المئة على رواتبهم. وبدأ سريان مفعول الزيادات في كانون الثاني/يناير 2012، تزامناً مع الذكرى الأربعين لإنشاء الاتحاد، و"بما يحقّق رفاه المواطنين ويرتقي إلى مستوى طموحاتهم وتطلّعاتهم في عيش حياة مستقرّة ومريحة"، كما أوردت وكالة أنباء الإمارات.

أما الدولتان الخليجيتان الأقل حظوة، أي البحرين وعمان، اللتان شهدتا موجات من الاحتجاجات وأعمال العنف، فقد حصلتا على مساعدات بقيمة 20 مليار دولار من الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي من أجل التعامل مع الحركة الاعتراضية. وقد ردّ السلطان قابوس على المطالبات والاحتجاجات العامة في عمان، بزيادة "علاوة غلاء المعيشة" التي يتقاضاها الموظفون الحكوميون بقيمة مئة ريال عماني (260 دولاراً أميركياً)، وكذلك زيادة المعاشات التقاعدية لموظّفي الخدمة المدنية بنسبة 50 في المئة. فضلاً عن ذلك، أعلن السلطان قابوس عن استحداث 50 ألف وظيفة حكومية جديدة، وتخصيص مرتّب شهري قدره 390 دولاراً أميركياً للعاطلين عن العمل، وزيادة المخصّصات المالية الشهرية للطلاب في التعليم العالي العام. وفي البحرين، أعلن الملك عن سلسلة من المنافع مشابهة لتلك التي اعتُمِدت في الدول الأخرى، مثل زيادة رواتب موظّفي القطاع العام، وزيادة المعاشات التقاعدية، واستحداث علاوة جديدة تُسمّى "تحسين المعيشة" للموظفين ذوي الدخل المتدنّي. بيد أن المملكة الصغيرة لم تنجح في تجاوز أزمتها السياسية نظراً إلى الانقسامات الطائفية العميقة.

في حين ركّزت تغطية الانتفاضات العربية في العام 2011 في شكل أساسي على التطوّرات السياسية، تبنّت دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة من الإجراءات التي تترتّب عنها نتائج اقتصادية واجتماعية تتناقض مع أهدافها الإنمائية طويلة الأمد. وقد عبّر وزير المالية الكويتي خير تعبير عن الطبيعة غير المستدامة لهذه التدابير المرحلية عندما حذّر، بعد موافقة الحكومة على زيادة الرواتب في آذار/مارس 2012، من أن رواتب القطاع العام ارتفعت إلى 85 في المئة من الإيرادات النفطية للبلاد، وأن هذه الزيادات في الأجور ستستمر في عرقلة الجهود الهادفة إلى تحفيز العمل في القطاع الخاص. وقد بدأت التأثيرات قصيرة الأمد تظهر إلى العلن. فعلى الرغم من النمو الاقتصادي المرتفع في دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2011 (بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 7.5 في المئة في العام 2011، مسجّلاً أعلى نسبة له منذ العام 2003)، انخفض عدد الموظّفين العُمانيين في القطاع الخاص بمعدّل 4 في المئة في العام 2011 مقارنةً بالعام 2010. وفي الكويت، ازداد عدد المواطنين الذين انضمّوا إلى القطاع العام في العام 2011 بمعدّل الضعف تقريباً مقارنةً بالعام السابق. كما تُظهر دراسة نُشِرت مؤخراً أن عدد القطريين في القطاع الخاص تراجع من 4 إلى 1.5 في المئة في الأعوام العشرين الماضية.

إذن، على الرغم من الجهود الهادفة إلى تشجيع المواطنين على التحوّل نحو العمل في القطاع الخاص، لم تؤدِّ الأساليب التي تعاملت بها الحكومات الخليجية مع انتفاضات 2011 سوى إلى ترسيخ ثقافة التبعية للدولة وتعزيز الانطباع السائد بأن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي يكونون أفضل حالاً عند العمل في القطاع العام. وهكذا سوف تلاقي الشركات الخاصة صعوبة أكبر في استقطاب المواطنين الأكفياء والاحتفاظ بهم، فيما تؤمّن الوظائف الحكومية محفّزات أكثر جاذبية: ساعات عمل أقل فضلاً عن الأمن الوظيفي (نادراً ما يُسَرَّح موظّفو القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي)، وبالتأكيد الرواتب الآخذة في التزايد.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة عين على الصحافة