آخر الاخبار

إسرائيل تنتقم من علماء واكاديميي غزة .. الجيش الإسرائيلي يقتل أكثر من 100 عالم وأكاديمي القيادة المركزية الأمريكية تصدر بياناً بشأن حادثة استهداف سفينة النفط غربي الحديدة صاروخ يستهدف ناقلة نفط غربي الحديدة المليشيات تجدد تصعيدها العسكري صوب مأرب القوات الخاصة التابعة للشرعية تشارك في فعاليات تمرين الأسد المتأهب بالمملكة الأردنية بحضور دولي من بريطانيا وتركيا وعدة دول أخرى...إستكمال التحضيرات بمأرب لانطلاق المؤتمر الطبي الأول بجامعة إقليم سبأ نقابة الصحفيين تستنكر التحريض ضد مؤسسة الشموع وصحيفة أخبار اليوم وتدعو السلطة الشرعية بمأرب الى التدخل لإيقاف تلك الممارسات عملية نوعية لقبائل محافظة الجوف استهدفت قيادي حوثي بارز ينتمى لصعدة في كمين محكم وحارق السفير اليمني لدى لندن يكشف عن أبرز التفاهمات اليمنية البريطانية حول تعزيز القدرات الدفاعية للحكومة اليمنية وملفات السلام والحرب سلطنة عمان تحتضن مباحثات بين كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية وإيران... لتجنب التصعيد بالمنطقة

احدهما أصر على القيام بالرحلة رغم قلق أهله..وحمل الآلي ليحمي السياح من الخاطفين فخطفت روحه ومن معه..والآخر فقد عينه وأفاق على رائحة الشعر المحترق

الجمعة 20 يوليو-تموز 2007 الساعة 01 صباحاً / مأرب برس - محمد الأسعدي - بشير السيد - النداء
عدد القراءات 4444

ربما أدرك أحمد بن علي بريعمة أنه لن يعود إلى منزل أسرته مرة أخرى. سافر من صنعاء إلى حريب في مأرب لزيارة العائلة لأمر خاص بناء على طلب عمه صالح، الذي ألح عليه أن يبقى في حريب لأمور خاصة. تعامل أحمد بلطف مع طلب عمه وأكد إصراره على الرحلة، مؤكداً أنه التزام أخلاقي واتفاق بينه وبين صاحب الوكالة السياحية في صنعاء، لا يستطيع إلا أن يقوم به.

 قبل مغادرة منزل عائلته في حريب، وعلى غير المعتاد عند كل رحلة، ودع أبويه وكثيرا من إخوانه وأخواته، الخمسة عشر، بحرارة تلاها طلب الدعاء من والديه؛ الأمر الذي أضاف إلى قلق الأسرة من هذه الرحلة. "كان وداعاً حاراً لم يسبق أن قام به أحمد"، تحدث للصحيفة والد أحمد هاتفياً من حريب. "ثم طلب مني ووالدته الدعاء له، وبالتأكيد فعلنا ذلك".

 أحمد، 24 سنة، هو قائد الفوج السياحي، مما يخوله أن يكون بسيارته "الصالون" في مقدمة السيارات الأربع التي أقلت السياح الأسبان إلى نقطة الموت. لم يكن يدرك مقدار الخطر الذي قد يواجهه بعد ساعات من لحظات قال عنها رفيق رحلته مروان بن عجلان –الذي نجا من الحادث الإرهابي– إنها كانت ممتعة. أحمد كان يمازح السياح الأسبان ويرسم ابتسامات على شفاههم أثناء تناول الغداء في فندق "بلقيس" بمأرب بسجية المضيف، كونهم في بلاده، وإنجليزيته البدوية.

"حاولت جاهداً أن أنقذ أحمد"، قال مروان بأسف وتقطع في الصوت يشعرك بهول المصاب: "لكني لم أرَ أحمد حينها. لم أرَ سيارته أيضاً. فقط رأيت أشلاء بشر وسيارات". كان مروان ينظر عالياً نحو سقف الغرفة التي التقيته فيها في صنعاء، بعينين تعانيان من نزيف داخلي، بان أثره عليهما، وكأنه يسترجع لحظات الانفجار. 

 صالح بن بريعمة (عمّ أحمد) يقول بثقة أبوية إن ابن أخيه شهيد، خصوصاً وأنه تغير كثيراً في فترة ما قبل استشهاده، فما كان يفعل إلا كل شيء محمود يمكن أن يفعله إنسان بتلك الحياة القصيرة، التي اختطفها انتحاري في الثاني من يوليو الجاري. "أحمد أقام علاقات طيبة مع كل من كان حوله في صنعاء أو هنا في حريب"، صالح يؤكد ما ذهب إليه عن خلق ابن أخيه.

 اعتادت أسرة أحمد واعتاد أصدقاؤه في حريب أن يلتفوا حوله بعد كل رحلة يعود منها ليستمعوا ويستمتعوا بالقصص التي عاد بها عن سياح أقلهم وأماكن زارها. "اعتاد أحمد أن يحكي لنا مغامراته وترحاله وقصصه مع السياح"، يقول عمه صالح الذي يشعرك بأنه كان بمثابة صديق حميم للفقيد أيضاً. 

 الشاب الذي أنهى الثانوية العامة وحضر عددا من الدورات في اللغة الإنجليزية، كان قريباً جداً من السياح الأسبان بوجه طلق وقلب مفتوح وابتسامة لا تفارق محياه، هكذا حاول أن يصف مروان رفيقه أحمد.

مروان مرة أخرى

"اتصل بنا مروان بعد لحظات وجيزة من الحادث وأبلغنا أن الفوج تعرض لهجوم مفاجيء"، قال العم صالح بعبارة مزدوجة باللغتين العربية والإنجليزية مما يدل أنه على قدر من التعليم والوجاهة. "لم يقل لنا مروان حينها أن أحمد قد فارق الحياة، لكنه قال إنه ما زال يبحث عنه".

 مما يروى عن الحادثة أن يد أحمد كانت ممسكة بسلاحه الآلي، الذي يحمله كسائر السائقين تحسباً لأي محاولة اختطاف للسياح. هذه المرة كان الخاطفون من نوع آخر.

 أسرة أحمد الكبيرة العدد كسائر الأسر البدوية ينبغي ألا تبدي أي قلق تجاه خبر كهذا الذي سمعوه، لكنهم هذه المرة لم يستطيعوا إلا أن يفعلوا.

 فقدت الأسرة –كسائر أسر السائقين اليمنيين الذي تعرضوا للاعتداء– مصدر رزقهم الرئيسي وربما الوحيد، وهو السيارة التويوتا، وقبل ذلك فقدت ابنها، رغم أن العم صالح قال إن إخوة أحمد كثير. والد أحمد كان حزيناً مرتين: لفقدان ولده، وسيارتهم الوحيدة: مصدر عيش الأسرة الكبيرة العدد. أسرته التي لن يمهلها الوضع الاقتصادي المتردي أن تنتظر طويلاً لتعويضات حكومية قد تتأخر كثيراً وربما لن تأتي وإن أتت ربما تأتي مجزأة كأشلاء سيارتهم.

 "تلقت الخبر أم أحمد بصبر وإيمان"، يقول والد أحمد، وعلى صوته في الهاتف إرهاق وحيرة. "بمجرد سماعها الخبر، بكت ودعت له بالرحمة. هذا كل ما بوسعنا، لا نملك أن نقوم بما هو أكثر من ذلك".

 هذه المرة كما تركها أحمد، لا تنتظر الأسرة عودته ولا ما يأتي به معه من مصاريف وهدايا وحكايات. عاد أحمد شهيداً وربما مبتسماً على سيارة إسعاف من مستشفى مأرب وأكتاف الرجال. لكن الأسرة ترقب مع كل رنة هاتف على تلفون العم صالح صوت يطمئنهم على مستقبل مجهول ويد حانية تمد إليهم العون والتعويض الذي يمكن أن يسد بعض الفراغ الذي خلفه الفقيد. 

"نحن نتفهم وضع السلطات وانشغالها في الوقت الراهن"، يقول العم صالح محاولاً أن يبدي دبلوماسية تقصر مسافات الانتظار. "لكننا نأمل أن تمنحنا الحكومة تعويضات بسخاء". مبدياً تقديره لموقف محافظ مارب عارف الزوكا الذي كان في المستشفى حينما نقل جثمان الفقيد برفقة بعض مسؤولي المحافظة. "بالطبع لم يحضر أي من المسؤولين مراسم الدفن أو العزاء، لكننا نقدر عالياً دعم واهتمام وكالة الأخوة للسياحة والأخ محمد النزيلي الذي كان بمثابة أخ لأحمد".

 رغم فداحة مصابها إلا أن أسرة بن بريعمة أصرت أن تنقل تعازيها ومواساتها لأسر شهداء ومصابي الحادث من يمنيين وأسبان على حد سواء. 

 مثل هذه الأسرة لن تحتاج أن تدين الحادث (أو الإرهاب عموماً) في تصريح صحفي، لكنها تمارس الإدانة فعلاً لا قولاً، وستفعل أبداً كلما تذكروا ابنهم الفقيد. 

فقد عينه وأفاق على رائحة الشعر المحترق.. أبو أصيل: ما ذنب السياح في تخلفنا؟!

بقدر من الحظ لم يكن أحمد طاهر المعروف بـ«أبو أصيل» في عداد القتلى. قدر له أن ينجو من عملية الابادة الجماعية مطلع الشهر الجاري عند معبد بلقيس الأثري بمأرب.

لكن معاناته لم تنته بفقدان عينه اليسرى وتمزيق الشظايا لجسده!

فمن بين 20 شخصاً كانوا في القافلة قتل 10، منهم 8 سياح أسبان و2 من زملائه السائقين بفعل إنفجار سيارة مفخخة.

ويتذكر أنه أفاق على رائحة الشعر المحترق وغازات خانقة مصدرها احتراق المواد البلاستيكية في السيارة، «كنت أنزف دماً من جسمي كله وكانت سحب الأدخنة تغطي المكان وتحجب الرؤية. زحفت بصعوبة باتجاه الباب اليمين وشعرت بجسد جوليا (سائحة أسبانية) أثناء محاولتي دفع جسمي للخروج من النافذة».

لكن «أبو أصيل» (26 عاماً) لم يدرك ما الذي حدث بعد أن شاهد سيارة لندكروزر بيج كان شاب يقودها صوب قافلة السياح «إقترب منا ونحن على بعد 40-50 متر من معبد بلقيس وأدار السيارة تاركاً مؤخرتها باتجاهنا ثم لم أعرف ما الذي حدث».

يعمل «أبو أصيل» في وكالة الأخوة للسياحة بسيارته (صالون 86) ذات اللون الرصاصي. هو أب لخمسة أطفال أكبرهم «صباح»، 10 سنوات، وأصغرهم «أصيل»، سنة وخمسة أشهر. ثاني يوم الحادثة نقل إلى مستشفى الثورة العام بالعاصمة لتلقي العلاج، وفي الغرفة (9) بالطابق الرابع لمبنى المستشفى التقته «النداء» الأحد الماضي. كان يجلس على أحد أسرة الغرفة ويحدق في إحدى صفحات الصحف المكومة على الطاولة المجاورة لسريره. كانت تحمل صورة السائحة جوليا وصوراً للخراب الذي خلفه الانفجار في سيارات القافلة.

ويستغرب أبو أصيل كيف نجا، كلما رأى سيارته المدمرة.

قال: «كان ترتيب سيارتي في القافلة، الثالثة بعد سيارة أحمد بريعمة وسيارة محمد المسلماني، ومن خلفي سيارة مروان بن عجلان تليها سيارة النجدة».

مات جميع السياح في السيارة الأولى والثانية ومات السائقان.

وفي سيارته مات سائح وزوجته كانا يجلسان في الخانة الوسطى. فيما نجت السيدة الشقراء جوليا الكانت تجلس في المقعد الأمامي المجاور له.

إلى جراحه التي تكسو جسده وطمست ملامحه، يعاني أبو أصيل من فرط نشاط ذاكرته. ويصب اللعنات على منفذي عملية التفجيرات كلما تذكر حيوية وابتسامة السيدة الشقراء جوليا!

«أخبرتني أن هذه الزيارة الأولى لليمن. هي تتكلم العربية باللهجة المصري لكثر سفرها إلى مصر. كانت تغني وتردد مقاطع من أغاني مصرية هي اسطحبت كاسيتات عدة معها. كانت تمزح معنا وتبتسم للجميع، لرجال الأمن في نقاط التفتيش، في المطعم، الفندق... إلخ».

وقالت له: «لم أعرف من قبل أن اليمن جميلة ورائعة بهذا القدر» وأبلغته بإعجابها بمأرب وآثارها خصوصاً بشخصية الملكة بلقيس.

توقف أبو أصيل عن سرد الحديث الذي دار بينه وجوليا السائحة الأسبانية، وقال: «ما ذنبهم؟! ما دخلهم بتخلفنا وعقدنا وعجزنا عن معرفة الله بالطريقة الصحيحة؟!».

وانتقل في حديثه إلى الوضع الصحي له: «الاطباء هنا يحاولون إقناعي أن لا أمل باستعادة نظري (العين اليسرى) وآخرون يؤكدون أن بالإمكان لو عملت عملية في الخارج». لم تتدخل الدولة في عملية الانفاق على علاجه.

هو يأمل من وزارة الصحة أن تمنحه منحة إلى الخارج لإجراء عملية لعينه مع تعزيز مالي، ويأمل تعويضه وزملاءه سياراتهم المدمرة وأمتعتهم أيضاً التي أتلفت.