هل هناك حاجة لبقاء المشترك؟
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 4 أسابيع
الجمعة 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 07:22 م

كثر الحديث منذ توقيع المبادرة الخليجية ودخول اليمن في المرحلة الانتقالية عن مدى الحاجة لبقاء تحالف اللقاء المشترك بين مؤيد ومعارض، وهو التحالف الذي نشأ نتيجة لهيمنة المؤتمر الشعبي الحاكم في اليمن على كل مقدرات الدولة وتفرده بإدارتها؛ خصوصاً منذ حصوله على الأغلبية المريحة في انتخابات 1997م، التي تطورت في الانتخابات اللاحقة إلى أغلبية كاسحة، ثم ساحقة وماحقة حسب تعبيرهم.

ويحسب لتحالف المشترك أنه الأول من نوعه في المنطقة العربية الذي جمع بين صفوفه قوى يسارية وقومية مع قوى إسلامية بتوجهاتها الفقهية المختلفة السنية والشيعية. ورغم أن المشترك لم يضم كل الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة اليمنية إلا أنه قد اشتمل على جميع ألوان الطيف الفكري المنتشر في اليمن.

وقد تمكن المشترك بعد تبنيه للثورة الشبابية الشعبية التي اندلعت في مطلع 2011م من تحقيق أبرز أهدافه بالإطاحة بالرئيس صالح، وذلك منذ بدأت استراتيجية المشترك بالتحول نحو ذلك الهدف انطلاقاً من مؤتمر التشاور الوطني 2009م الذي تردد في أروقته شعار: التغيير بديلاً للتشطير. وتبقت أهداف مهمة وعديدة في الأجندة التي قام المشترك على أساس إنجازها، وهو ما سنتناوله في الفقرات التالية:

إنجاح مؤتمر الحوار

لعل أبرز مهمة تنتظر جماهير المشترك وجموع الشعب اليمني من التحالف إنجازها تتمثل بالمساهمة الفاعلة بإنجاح مؤتمر الحوار الوطني القادم، وليس بخافٍ أن تلك المهمة تقع على عاتق المشترك أكثر من الأطراف الأخرى المشاركة في مؤتمر الحوار، وذلك لعوامل عدة، تتمثل أبرزها بالتالي:

أولاً: الخبرة الحوارية التي يمتلكها المشترك، والتي اكتسبها من خلال اللجنة التحضيرية للحوار الوطني السابقة التي انبثقت عن مؤتمر التشاور الوطني المشار إليه أعلاه، حيث ضمت اللجنة إلى جانب أحزاب المشترك العديد من القوى التي قبلت الدخول في شراكة معه صوب الوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي شُكلت اللجنة بغرض الإعداد له؛ وكان من ضمن تلك القوى شخصيات بارزة وفاعلة تنتمي إلى حزب المؤتمر الحاكم نفسه. ومعروف أن لجنة الحوار التابعة للمشترك باتت تمتلك خبرة حوارية اكتسبتها من خلال لجانها المختلفة ونشاطها الحواري الذي أنجزته طيلة ثلاث سنوات من عملها.

ثانياً: الرؤية الوطنية للمشترك، حيث أن الخليط السياسي المتعدد الذي يتكون منه المشترك يعمل على ابتعاد الرؤى التي يقدمها عن النظرة الضيقة والمشاريع الصغيرة لهذا الطرف أو ذاك، ويأتي ما يقدمه متناغماً في معظمه مع المصلحة الوطنية العليا، ومنطلقاً منها بدرجة أساسية؛ مثل رؤيته للإنقاذ الوطني التي أعدتها لجنة الحوار السابقة، ولذلك فإن الرؤية التي ستتفق عليها أطرافه وتقدمها كرؤية موحدة في مؤتمر الحوار ستحظى بأهمية كبيرة، وستشكل نقطة تلتقي من حولها معظم أطراف الحوار، وذلك بعكس الرؤى التي ستتقدم بها الأطراف السياسية الأخرى المشاركة في مؤتمر الحوار (المؤتمر الشعبي، الحراك الجنوبي، جماعة الحوثي) التي يتوقع أن تغلب عليها النظرة الأحادية إلى حدٍ كبير.

وإضافة للعاملّين السابقين فإن قدرة المشترك – بمختلف أحزابه - على جعل ممثليه في مؤتمر الحوار ومجموعاته الحوارية من العناصر الوسطية والمعتدلة التي تنطلق في طروحاتها من المصلحة العامة للوطن، وتقبل بالتعايش وترفض الإقصاء، سيساعد إلى حد كبير على إنجاح المؤتمر، ذلك أن المشترك بتلك الطريقة سيعري الرؤى الانتهازية والمتطرفة التي ستقدمها هذه الجهة أو تلك. لذلك أحسب أنه من الضرورة بمكان أن يضع المشترك معاييراً لممثليه في المؤتمر، بحيث يكونون من الذين تنطبق عليهم تلك الشروط وغيرها من الشروط الأخرى ذات البعد الوطني، ولا يترك الحبل على الغارب لأحزابه أن تختار من تريد.. ذلك إن أراد المشترك إنجاح مؤتمر الحوار، وهو ما نظنه ونأمله فيه.

وتعلم قيادات المشترك بأن وصولها إلى المعتدلين بين صفوفها من أهل الخبرة والكفاءة سيتطلب منها الابتعاد عن قاعدة العمل الأثيرة لديهم \"القريب من العين قريب من القلب\"، لأنهم يدركون أن من يحرصون على التحلق من حولهم هم في معظمهم من الوصوليين الباحثين عن أدوار ومصالح خاصة، أما من يعملون من أجل وطنهم فهم يمقتون التملق ولا يبحثون عن الظهور، وعلى تلك القيادات الذهاب إليهم من خلال رصدها لأنشطتهم وإسهاماتهم الوطنية.

بناء الدولة الوطنية

إذا كانت القوى السياسية في دول الربيع العربي الأخرى تبحث عن توصيف للدولة الحديثة التي تريد إقامتها، فإن اليمنيين بحاجة مع ذلك وقبله أن يتحدثوا عن تأسيس كيان الدولة المتعارف عليه، لأنه لا يخفي بأننا في اليمن ما زلنا نعيش في مرحلة اللادولة؛ على أساس أن تعريف الدولة لا يقتصر على وجود شعب يعيش على أرض محددة، لكنه يشمل وجود سلطات للدولة تفرض أنظمتها وقوانينها على كل أرضها ومواطنيها دون استثناء، مع ضمان حصول المواطن على حقوقه، وأدائه لواجباته من غير تمييز أو إجحاف، وهذا ما نفتقده في (دولتنا) اليمنية إلى اليوم.

وقد انطلق المشترك منذ تأسيسه في حواراته مع الرئيس السابق وحزبه من هذه النقطة، ولعبت مراوغات النظام السابق دوراً بارزاً في سد كل قنوات التغيير، وهو ما عجل باشتعال الثورة الشعبية التي أطاحت به. ورغم مرور قرابة العام على تأسيس حكومة الوفاق الوطني المكلفة بإدارة الفترة الانتقالية، وهي الحكومة التي يمتلك المشترك رئاستها ونصف مقاعدها، إلا أن المواطن اليمني لم يلحظ حتى الآن خطوات جاده وصادقة نحو مشروع بناء الدولة اليمنية العصرية والمزدهرة.

لذلك فإن هذه المهمة يجب أن تتمحور لتصبح - بعد إتمام الحوار الوطني وإنجاز الدستور الجديد للدولة اليمنية – بمثابة الهدف الرئيسي للقاء المشترك بعد الفترة الانتقالية، بحيث تتولى أحزاب المشترك خوض الانتخابات القادمة ببرنامج انتخابي موحد يجعل من أولى أولوياته بناء دولة وطنية مدنية رشيدة ومزدهرة، تعتمد المؤسسية في عملها، وتعمم المساوة في الحقوق والواجبات بين أبناء شعبها بمختلف انتماءاتهم، وتضمن لهم الشراكة العادلة والكاملة في السلطة والثروة.

تحجيم مشاريع التطرف

مثلما أن بقاء تحالف المشترك يعد مطلباً وطنياً للشرفاء من أبناء اليمن الراغبين بإخراج اليمن من أزماته الخانقة صوب بناء الدولة الديمقراطية المتطورة، فإنه كذلك يمثل مطلباً ملحاً للتيارات الوسطية والمعتدلة المنضوية في إطار أحزابه، ذلك أن المشترك قد أعطى تلك التيارات مظلة تحتمي بها، وتقاوم من خلالها دعاة المشاريع الانتهازية والمتطرفة داخل أحزابها، وذلك ما يجعل قوى التطرف في تلك الأحزاب بمختلف مشاربها تشن هجوماً على المشترك وتطالب بتفكيكه، ولا تتورع في سبيل ذلك من تصوير أحزبها – كل في حزبه - بأنها ضحية لبقائها في هذا التحالف، ومن بداهة القول أن تفكيك المشترك سيصب في مصلحة القوى المتطرفة تلك ويمكنها من السيطرة على أحزابها، الأمر الذي سيدفع البلد نحو مرحلة من التصادم كان وجود المشترك قد ساهم بعدم الوصول إليها.

وبعكس ما هو شائع لدى المواطن العادي بأن مشاريع التطرف تعادي بعضها، سنجد أن مشاريع التطرف في حقيقة أمرها وبمختلف هوياتها تحرص على بقاء بعضها وإن بصورة غير معلنة، بينما في العلن ينطلق كل طرف ليهول من خطورة الأطراف الأخرى، لكون ذلك يضخ دماء الحياة في عروقه، ويوفر له أسباب البقاء، ويساعده على كسب الأتباع وتحشيد الأنصار من حوله، لذلك فالمتطرف في أقصى اليمين سنجده لا يعادي المتطرف في أقصى اليسار، والمتطرف اليساري يلتقي مع المتطرف اليميني.

أما العدو الحقيقي لجميع مشاريع التطرف إنما يتمثل بالقوى الوسطية والمعتدلة بمختلف انتماءاتها؛ وفي مقدمتها تلك التي تشاركها الانتماء إلى أحزابها وجماعاتها، ذلك أن القوى المعتدلة تعد بمثابة الحامل للمشروع الوطني الكبير؛ الذي تنظر له مشاريع التطرف بأنه العدو اللدود لأطماعها الأنانية والشريرة، لذلك فهي لا تفتأ تعمل على تدميره بكل السبل المتاحة لها.

خلاصة القول

ما سبق ذكره يجعلنا نتحدث عن حاجة الوطن اليمني الماسة لبقاء تحالف اللقاء المشترك، بل وتوسيعه ليشمل ما أمكن من الأحزاب والقوى السياسية الموجودة على الساحة اليمنية، ليتحول إلى كتلة تاريخية تقود الوطن اليمني إلى بر الأمان، وبعد ذلك ليتنافس المتنافسون لاكتساب أصوات الشعب عبر صناديق الاقتراع لحكم اليمن.

وسيتطلب الأمر من المشترك وضع معايير واضحة وصارمة تنظم شؤونه؛ لأنه من السذاجة السياسية أن يخرج بعض قادة أحزابه ليصرحوا بأن الحاجة إلى المشترك قد انتفت، رغم عضويتهم في أطره الرسمية، من غير أن نراهم يعلنون انسحاب أحزبهم من المشترك وهو التصرف الطبيعي، أو نرى المشترك يجمد عضوية أحزبهم فيه وهو الرد المنطقي.. وذلك في حال استمراره سوف يحول المشترك إلى أضحوكة ! وهو ما لا نتمناه.

مشاهدة المزيد