رد على الخلية الإعلامية اليمنية المناصرة لبشار
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و يوم واحد
الخميس 30 مايو 2013 04:30 م

مررت بالأمس في جولة سريعة على صفحات أبرز مناصري بشار من الكتاب والمثقفين اليمنيين .

ما ظننت أني سأجد شيئا عن ذكرى محرقة تعز ولم يخب ظني بهم أيضا ، محرقة تعز حلقة في ثورة يتمنون أن ينسوها تماما ، كانوا يخوضون معركة شرسة على جبهة القصير في سوريا ، عشرات المنشورات في صفحة كل واحد منهم في حملة منسقة متناسقة .

جاءت زيارة السيناتور الأمريكي جون مكاين لسوريا ولقائه بالمعارضة لتعطيهم مادة خصبة للحديث وتعزيز الفكرة التي يريدون غرسها في أذهان العامة منذ زمن . طالما وأمريكا مع الثورة فالحق أبلج : أمريكا لا يمكن أن تكون في الطرف المصيب والمحق .

ولأن الموضوع يحتاج إلى نقاش مع أصدقائنا حول هذه النقطة فسأدعوهم لرحلة خاطفة لنمضي معا ليلة 24 مارس 1999م فوق كوسوفو ونشاهد معا كيف حلقت طائرات 14 دولة أطلسية تقودهم أمريكا وبينهم تركيا في عملية الملاك الرحيم لتدك وخلال 78 يوما جمهورية صربيا والجبل الأسود في حرب استخدمت فيها أحدث الأسلحة ومنها اليورانيوم المنضب .

لم تكن هذه العملية موجهة ضد قائد محور الممانعة سلوبدان ميلوسوفتش الذي سقط بعد ذلك بعام ونصف ليودع سجن المحكمة الدولية في لاهاي بـ 66 تهمة ليموت في سجنه بعد 6 أعوام من الإعتقال .

أسقط الرجل ليس لأنه يهدد إسرائيل أو يمثل الداعم الحقيقي للمقاومة العربية والإسلامية ولا لأن دولته هي آخر معاقل العروبة ولا لأنه يوصف بقائد محور الممانعة ولكن أسقطه الناتو كسفاح تلطخت يداه بدماء آلاف الضحايا .

لم يسقط ميلوسوفيتش في مدينة القصير الباسلة وهو يخوض حربا فاصلة ضد الصهيونية وقوى الاستكبار العالمي ومتطرفي البترودولار بل كان مسيحيا على دين مادلين أولبرايت ويقاتل مسلمي البانيا في إقليم كوسوفو ويقول لأوروبا أنه خط دفاعها الأول ضد الغزو الإسلامي .

حينها لم يتساءل أحد هل يعقل أن تقف أمريكا مع شعب مسلم وتسقط رئيسا أوروبيا عيونه زرقاء تشبه ذئاب البلقان .

لم يقل أحد أن ميلوسوفيتش كان يشكل تهديدا للكيان الصهيوني حتى يضعنا اليوم أنصار بشار أمام خيار حدي قائم على أن الطرف الذي فيه أمريكا بالضرورة هو طرف الفجار ولا يمكن أن يتوافق مع الحق مطلقا أبدا .

نحن نقول أن أيضا أمريكا لم تكن الملاك الرحيم بالفعل و نقول أن واشنطن دي سي ليست هي عاصمة الخلافة الإسلامية . لكن يمكن أن تكون أمريكا في الطرف الذي مصالحه تتوافق مع مصالح شعب مسلم . حدث هذا أكثر من مرة .

وبالمقابل لم تكن روسيا يوما هي الملاك الطاهر فقد استخدمت كل الأساليب المتاحة لمساندة سفاحي صربيا في مجازر لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية ولولا أغلالها الإقتصادية في تلك الحقبة لتعدى دعمها الدعم السياسي للدعم العسكري المباشر .

هل كان الطرف الذي تقف فيه روسيا هو طرف الأخيار ؟ أبدا . ليس في هذه القضية فحسب بل في قضايا كثيرة فالتاريخ يوثق مقتل أكثر من 15 مليون مسلم في جمهوريات الاتحاد السوفيتي المسلمة على يد الروس . و كما سبق وقلنا بوتين ليس هو المعتصم بالله ولا الكرملين دار الخلافة حتى يبرر البشاريون استنجادهم به ويجرمون الاستنجاد بأمريكا .

ولو أخذنا أصدقاءنا البشاريين اليمنيين في رحلة أخرى لتاريخ متقدم بأربعة أعوام أي إلى 1995 فسنجد سويا أن أمريكا قدمت 5 مليون دولار ثم رفعتها إلى 10 مليون دولار لكل من يدلي بمعلومات ضد مجرم الحرب راتكو ملاديتش الضابط الصربي الأبرز المسؤول عن مجزرة سربرنيتشا في البوسنة والهرسك و بعد 16 سنة من المطاردة أعتقل السفاح .

لم يقل حينها أحد أن أمريكا تتآمر على سيد المقاومة كما لم يقل أحد أنها تستهدف زعيم الكفاح المسلح ضد الصهيونية رادوفان كاراديتش القائد الصربي في البوسنة عندما طاردته 13 سنة بين 1995 و 2008 م حتى قدمته للعدالة بتهم جرائم الحرب .

بل كانت لها استراتيجيتها الخاصة بها وتماشت مع مصلحة شعب مسلم .

كانت جريمة الإثنين الأخيرين أنهما مسؤلان عن إبادة جماعية لـ 8 ألف شخص في سربرنيتشا وهو رقم يعد فكة مقارنة بجرائم الأسد .

بعد ما فعلته أمريكا هناك لم يقف أحد من معممي سراييفو ليقولوا عن كلينتون (رضي الله عنه ) كما قال أنصار تيار بشار في بغداد عن بوش الإبن حين دخلت جحافله عاصمة هارون الرشيد ولم يتقدم إبراهيم روجوفا رئيس إقليم كوسوفا ليهدي وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين سيفا ذهبيا كما فعل إبراهيم الجعفري حين أهدى ( ذو الفقار) للجنرال راميسفيلد تقديرا لدوره في إسقاط الرئيس العربي الوحيد الذي أطلق 39 صاروخ اسكود ضد تل أبيب في أم المعارك يومها كان الأسد الأب أبرز حلفاء أمريكا في تدمير العراق العظيم .

ولو فعل مسلمو كوسوفو أو البوسنة ذلك فسيكون مبررا فقد تم تخليصهم من نظام إجرامي عنصري عفن .

بالتأكيد لن نغالط أنفسنا ونقول أن أمريكا لا تدعم الثورة السورية بتاتا .

أمريكا قد تتوافق جزء من مصالحها مع مصالح شعب عربي مسلم . وكما قلنا حدث هذا أكثر من مرة .

لكن يجب أن نعرف أنه لا يهمها الشعب السوري كما لم يهمها الشعب الألباني أو البوسني بل مصلحتها من منطلق برجماتي صرف و قد تخدم هذه البرجماتية شعبا ما ربما يكون عربيا مسلما .

الأسد يرأس نظاما محبوبا من قبل أمريكا لتأمينه إسرائيل كل هذه العقود و لم يطلق عليها رصاصة واحدة من 45 سنة حتى وطائرات إسرائيل تمر فوق القصر الجمهوري قبل سنوات لتقصف ما قيل أنه بداية مشروع نووي لكنه أيضا نظام مكروه من جهة أنه يدور في فلك العدو التقليدي لأمريكا وهي روسيا التي تعود بقوة للمياه الدافئة بمحور روسي صيني إيراني تلف حوله عدة دول منها شرق أوسطيا سوريا و عالميا فنزويلا .

روسيا وأمريكا عدوان لم يتجابها مباشرة أبدا بل يديران حروبا بالوكالة ودائما تختار روسيا الطرف الخاسر فقد اختارت نجيب الله في كابول والقذافي في طرابلس والأسد في دمشق ، أما أمريكا فدائما تختار الطرف المقابل ومن حظها أنه الشعب .

أمريكا أمام معادلة صعبة طرفها الأول التخلص من الأسد لكسر التحالف وخصوصا بعد احتراق الأسد شعبيا بالثورة وطرفها الثاني الإبقاء على الأسد للحفاظ على آمن إسرائيل .

ولأن هذين النقيضين لا يمكن أن يتحققا معا ... والمعادلة تعقدت فالثورة جعلت الأسد يصبح أكثر التصاقا بعدوها وأقل قدرة على حماية إسرائيل لذا فالخيار أصبح واضحا وهو الخلاص منه ولكن من أجل اقل الخسائر ستقدم أمريكا دعما ضعيفا جدا للثورة بما لا يسمح لها بحسم المعركة بل يحول سوريا إلى حلبة كولسيوم رومانية بصراع دامي حتى الموت . فيتحقق بعد فترة بتر سوريا من الحلف الروسي الصين الإيراني بسقوط النظام من جهة وعدم تمكين المعارضة التي ترى فيها تهديد لأمن إسرائيل من جهة أخرى .

هكذا تفكر أمريكا وتفكيرها ليس قدرا مقدورا ... و من حق الشعب السوري أن يستفيد من هذه الرغبة الأمريكية عبر الحصول على دعم ولو بسيط ومن جهة أخرى هو متيقظ و قادر أيضا على لجم طموحها في إيجاد نظام يؤمن إسرائيل خمسين سنة أخرى .

تركيز أصدقاءنا من أنصار بشار على الدعم الأمريكي لا معنى له فنحن نعرف أن الإرادتين الروسية - الإيرانية الداعمة للأسد والأمريكية - الخليجية الداعمة للثورة تتصارعان . أمريكا تريد مصلحتها ولكن شاءت الأقدار أن تضطرها لدعم شعب ، وروسيا تريد مصلحتها وتراها مع نظام حليف . والشعب السوري له طموحاته وتطلعاته وسيستفيد من هذا الصراع في إنجاح ثورته والتهيؤ للمعركة الفاصلة مع العدو التاريخي وهي إسرائيل مهما كانت التضحيات