الإصلاح في ذكراه الثلاثين..رؤية من الداخل الحلقة الثانية
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: 4 سنوات و شهر و 11 يوماً
السبت 19 سبتمبر-أيلول 2020 05:58 م


- البون الشاسع بين مناهج الحزب النظرية وبين ثقافة بعض الأفراد أو القيادات، وكذلك التطبيقات المنهجية والعملية على الأرض، دفعت الكثير من القيادات والأعضاء المثقفين إلى ترك الحزب والمكوث كقوى مثقفة سائبة في مجتمع كلي لا يعرف حق مثقفيه ولا يأخذ باستشاراته، يشعر الفرد منهم أنه يحرث في البحر، في الوقت الذي يبحث فيه عن إطار استيعابي لهذه الرؤى والأفكار، فاضطر بعضهم إلى البحث عن مصالحه الشخصية في إطار من يمتلك القوة والمال، وتحولت هذه الشخصيات إلى عامل هدم تماماً ومحاربة شديدة وسهاماً مسلطة ضد الحزب.
- قد لا يكون الدافع الوحيد لهجرة الأعضاء من الحزب هو التباين الثقافي والتعامل السيئ لبعض القيادات المصلحية، فهناك عوامل أخرى كبيرة ولا شك، منها على سبيل المثال البحث عن المصلحة الخاصة عند القوى التي تملك المال والسلطة، كما كان سابقاً بهجرة الكثير من الأعضاء إلى الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) بسبب مصادرته لكل شيء في اليمن، وربط مصالح المواطنين العامة والخاصة بالانتماء إليه، وكذلك بسبب الإقصاء والتهميش من قبل الحكومات المتعاقبة أو إقصاءٍ داخلي داخل الحزب نفسه، إذ يحصل في بعض الأحيان أن يجمع البعض من القيادات بين أكثر من عمل فتجدها في واجهة العمل الحكومي في بعض الشراكات الحكومية مع بقية الأحزاب، ثم تجدها في إطار وظيفي داخل الحزب، ثم يتم تكليفها في إطار لجان خارجية، وكذلك بعض الأعمال الأخرى والتي لو وجد صاحبها أيضاً وقتاً كافياً لظل يكلف بتكاليف مختلفة، في حين كثير من الكوادر وطاقاتها معطلة.
حتى الدعم الحزبي والتزكيات والتوصيات في الجهات الحكومية تذهب للبعض من القلة القليلة والكثرة الكثيرة لا تجد أي تزكية من هذه القيادات أو من الحزب على الرغم من أنه يمتلك أحياناً أدوات التأثير في ذلك ويكون مسموع الكلمة لو أراد.

- سر تماسك الإصلاح وقوته
على الرغم من أن القوى الداخلية والخارجية رمت الإصلاح عن قوسٍ واحدة في محاولة للإجهاز عليه أو تفكيكه إلا أن الحزب يمتلك ديناميكية كبيرة في التماسك تساعده في ذلك حجم الافتراءات المهوولة الموجهة ضده من الداخل والخارج عبر التشويه الإعلامي بحملات إعلامية لا تنقطع.
فحجم الكذب والافتراء عليه، مع أنه الحزب الأكثر مواجهة للانقلاب وتحالفاته وتشعباته المختلفة، يرى الفرد فيه أن هذه الحملات كاذبة فيستغرب من سرد كميات الكذب والمعلومات المضللة عنه ليبعث كل ذلك التساؤلات في نفوس الأفراد أين هذه الأشياء في الحزب فلا يجدها مما يزيده تمسكاً وقوة بالحزب ويندفع الكثير منهم بالتضحية بكل شيء، ليس في سبيل الحزب، وإنما في سبيل القيم والفكر والعقيدة الدينية والوطنية المكرسة في وسطه، ولكونه الكتلة الحاوية لكل محب للوطن يمكن أن يجد في ظلها القوة للعمل من خلالها في مقارعة المشاريع التمزيقية والانقلابية، حيث يجد المنتمون لهذا الحزب أنه الحزب الوحيد الذي يواجه كافة المشكلات التي تحيط بالوطن من كيد وتآمر دون تلاعب أو خديعة، فيلمس الصدق العام لدى الحزب فيتمسك به أكثر فأكثر ولو وجد حزب أو قوة أخرى أكثر إخلاصاً منه للوطن لتسرب الكثير من هؤلاء الأتباع وهم يجدون أن لا توجد مثل هذه التوجهات لدى كثير من القوى السياسية الأخرى.
يصور الآخرون أفراد الإصلاح أنهم مجرد قطيع يوجهون بحسب توجيهات القيادة وهو ما لم يلمسه الفرد في هذا الحزب ويرى نفسه على العكس من ذلك أكثر الأحزاب تحرراً من التبعية المقيتة وتوجيه القطيع من بقية الأحزاب الأخرى، دون إجراءات صارمة من مؤسسات الحزب وقياداته، فيزيده إصراراً وتمسكاً مع علمه بالاستهداف المستمر والتنكيل بالحزب وإقصائه في كل المؤسسات.
لذا فإن الأفراد هم أكثر إخلاصاً للمبادئ العامة للحزب من كثير من القيادات وهم عموده الجماهيري والشعبية التي تتكئ عليها مؤسسات وقيادات الحزب.
هناك عوامل مهمة جداً في سر تماسك الحزب ومنها حجم المساحة الديمقراطية للصوت المعارض المرتفع لكثير من الأفراد أوساط الحزب لمواجهة بعض القيادات العليا منها والوسطى من قبل حتى الفرد الجديد المنضم حديثاً للحزب، مما أكسب الحزب قوة النقد وقوة التجدد والتكيف، بحيث يمكن للقيادة أن تتبنى فكرة صائبة يدلي بها أبسط الأعضاء حول كثير من الأمور السياسية أو الإعلامية أو الجماهيرية أو غيرها.
أما العامل الآخر من العوامل الهامة لتماسك الحزب هو التجدد والتكيف مع الأحداث؛ إذ لا يتقوقع الحزب حول فكرة ويصر عليها على الدوام، فبحسب ظرف اللحظة يمكنه أن يكون هناك جنباً إلى جنب مع بقية المكونات السياسية تحكمه اللحظة المتجددة وليس المواقف المسبقة.
أيضاً من أهم عوامل التماسك هو حشر الأنظمة لحاكمة والمجتمعين المحلي والإقليمي كافة المنتمين للحزب في زاوية واحدة والنظر إليهم بنظرة إقصائية وعدم القبول بهم في أي من وظائف الدولة وتعييناتها ولجانها ومؤسساتها وغيرها إلا ما اضطروا إليهم، فيجد الإصلاحي في ذلك الوقت أنه ليس مرحباً به من الجميع فيعود أكثر تمسكاً بالداخل وبحزبه ونهجه من ذي قبل، ولو تم إبعاد هذه النظرة عليهم لتسرب الكثير منهم إلى الجهات المستقطبة.
في الفترة الأخيرة من عام 2014 وحتى اليوم يتعرض الحزب لتصفية ممنهجة داخلياً وبتمويل خارجي، وهل كان أساس الانقلاب إلا من أجل أن يتم تصفية الإصلاحيين من المشهد السياسي؟، وكذلك تمويل الكثير من الاغتيالات التي طالت قيادات الحزب خاصة في المحافظات الجنوبية أو الاختطاف والتعذيب والتصفية في أقبية وزنازين المليشيا الحوثية، ومع كل ذلك يظل الأعضاء يضحون ويتحملون غرم الانتماء ويضيعون في الغنائم، ويتمسكون بقوة بحزبهم ليس من أجل الحزب وإنما من أجل وطن حمل الحزب على عاتقه الدفاع عنه من الاستهداف داخلياً وخارجياً، لذلك يرى الإصلاحي أنه إنما يتقرب إلى الله بدمه دفاعاً عن الوطن في سبيل الله متشرباً حب الوطن وعقيدته على الرغم من أن الحملات الإعلامية المضللة تحاول جاهدة وبتمويل ضخم أن تشوه هذه العقيدة لدى الإصلاحيين لضرب أهم قوى ومرتكزات القوة للوطن اليمني برمته.
لهذه الأسباب لا يجد الإصلاحي غضاضة أن يدافع بنفسه حتى عن كل قيادة سياسية في أية قوى أخرى يجدها قريبة من الوطن والدفاع عنه بل والتضحية أحياناً من أجلها ويحتفي بها في كتاباته وفكره.
أتذكر في 2011 و2012 كان كثير من الإصلاحيين حتى في الاجتماعات الحزبية ينادي بترشيح الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيساً للجمهورية والالتفاف حوله قبل أن ينكشف فكرياً في حملاته على الحزب قبل الانقلاب وأثنائه وبعده، وعمل الإصلاحيون بكل قوة لترشيح الرئيس هادي لرئاسة الجمهورية، ودعموا النائب محسن، وكانوا يدعمون باسندوة وبقوة، وأكثر من قدم الدعم السخي في كل الجوانب لفيصل بن شملان، أو سلطان البركاني لوقوفه ضد الحوثيين وترشيحه لرئاسة مجلس النواب، أو الشهيد عدنان الحمادي، وهكذا بقية الشخصيات، فمعيارهم في ذلك قرب الشخص من الوطن قربه إلى قلوب الإصلاحيين، غير أن الإصلاح لا يجد من يفهمه في هذا وربما عن عمد وتقصد كون الجميع يرى أن الإصلاح هو من يقف أمام طموحاتهم وتطلعاتهم السياسية.