آخر الاخبار

سترات المشرفين وأجهزة لاسلكية: مشجعان يتنكران كأمن ويُطردان من الملاعب لثلاث سنوات باكستان تُعدّل دستورها: تعزيز صلاحيات الجيش وتقليص نفوذ القضاء وسط تحذيرات من تقويض الديمقراطية الإدارة الأميركية تفرض عقوبات على شبكات إيرانية لشراء مكونات الصواريخ والطائرات المسيرة رئيس وزراء اليمن يستعرض مع الحكومة البريطانية دعم الإصلاحات الاقتصادية ومؤتمرات الصحة والطاقة   اليمن يطالب بالدعم الإقليمي والدولي للإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية مبعوث الأمم المتحدة يتحدث عن حل سياسي شامل يمثل أولوية قصوى في اليمن وزارة الأوقاف اليمنية: شهادة اللياقة الصحية أصبحت شرطًا إلزاميًا لإصدار تأشيرة الحج   رئيس مؤتمر مأرب الجامع: السلام الحقيقي في اليمن هو استعادة الدولة لا الهدنة المؤقتة وأي تسوية سياسية بلا مشاركة مأرب لن تُكتب لها الاستدامة تصاعد التوترات والانقسامات داخل جماعة الحوثي مليشيا الحوثي تداهم مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتحتجز الأجانب باسم «التخابر» وتصادر جوالات كافة الموظفين

ما دلالات انسحاب القوات الأميركية من العراق الان؟  
بقلم/ أ.د.عبدالوهاب العوج
نشر منذ: شهرين و 25 يوماً
الإثنين 18 أغسطس-آب 2025 04:57 م
 

اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025م بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ المرحلة الأولى من انسحابها العسكري من العراق عبر محافظة الأنبار حيث غادرت أولى القوافل من قاعدة عين الأسد باتجاه سوريا وذلك تنفيذًا لاتفاق وقع عام 2022 بين بغداد و واشنطن والذي حدد أن سبتمبر 2025 هو موعد بدء خفض الحضور الأميركي تدريجيًا، وبموجب هذا الاتفاق سيتم سحب القوات من قاعدة عين الأسد وقيادات التحالف في بغداد بحلول سبتمبر 2025 ثم نقل جزء من القوات إلى إربيل والكويت على أن تبدأ المرحلة الثانية لاحقًا وحتى نهاية 2026 حيث سيبقى أقل من 500 مستشار فقط في إربيل وهو ما يعني أن الأمر لا يعد انسحابًا كاملاً بالمعنى العسكري بل تحولًا في طبيعة المهمة الأميركية من مهمة قتالية متعددة الأطراف إلى علاقة أمنية ثنائية متطورة بين بغداد وواشنطن.

 

وفي بغداد 18 أغسطس 2025 نقلت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) ووكالة الأنباء العراقية (واع) عن صباح النعمان المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية قوله إن انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق هو "واحد من إنجازات الحكومة ومؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار من دون الحاجة إلى مساعدة آخرين". وأضاف أن "هذا الأمر ما كان ليتم لولا جهود سياسية وإصرار من قبل رئيس الوزراء على غلق هذا الملف كما أغلق ملف بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق يونامي".

 

الانسحاب الأميركي إذن له جذور سياسية وأمنية متشابكة. فمن ناحية هناك ضغط داخلي واسع من قوى سياسية عراقية مدعومة من إيران طالبت بإلحاح على مدى سنوات بإنهاء وجود القوات الأجنبية تحت شعار استعادة السيادة الوطنية، ومن ناحية أخرى تعرضت القوات الأميركية لهجمات متكررة من فصائل مسلحة عراقية منذ مقتل قاسم سليماني مطلع 2020 الأمر الذي جعل بقاءها مكلفًا من الناحية الأمنية والسياسية. وإلى جانب ذلك فإن انتهاء الطور الرئيسي من الحرب ضد داعش منذ عام 2017 جعل الدور الأميركي يقتصر على الدعم والتدريب والمشورة وهو ما شجع على إعادة النظر في استمرار هذا الوجود الواسع تحت غطاء التحالف الدولي. وواشنطن من جانبها لا تسعى إلى الانسحاب التام بقدر ما تهدف إلى إعادة صياغة علاقتها مع العراق لتصبح علاقة ثنائية مباشرة كما كانت قبل 2014 بعيدًا عن المنظومة العسكرية متعددة الأطراف التي كانت تثير حساسيات داخلية واعتراضات إقليمية.

 

غير أن هذا التحول يفتح الباب أمام مآلات متناقضة، فمن جانب اخر لا يمكن استبعاد حدوث فراغ أمني خصوصًا مع استمرار نشاط داعش في بؤر متفرقة حيث تشير تقديرات أمنية إلى أن نحو ألف مقاتل لا يزالون يشكلون تهديدًا كامنًا قادرًا على شن هجمات في المناطق الهشة، ومن جانب آخر هناك قلق سياسي واضح فقد دعا بعض النواب العراقيين إلى تأجيل الانسحاب مستشهدين بعدم الاستقرار المستمر في سوريا والخشية من تسلل تهديدات عبر الحدود العراقية السورية، وعلى النقيض يرى آخرون أن الانسحاب سيمنح العراق فرصة لبسط سيادته على أراضيه إذا تمكن من إدارة المرحلة بحكمة، لكن من المؤكد أن الانسحاب يمنح إيران مساحة أكبر لتعزيز نفوذها عبر الميليشيات الحليفة ما يهدد التوازن الداخلي خاصة أن المكونات الكردية والسنية ترى في الوجود الأميركي مظلة للتوازن وحماية من استفراد بعض القوى الشيعية المدعومة من الخارج.

 

هذا الحدث يستدعي مقارنات مع تجارب سابقة في أماكن أخرى. ففي أفغانستان عام 2021 أدى الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية إلى انهيار الحكومة وعودة طالبان للسلطة في غضون أسابيع. وفي لبنان عام 2000 أدى الانسحاب الإسرائيلي إلى تعزيز نفوذ حزب الله؛ أما في ليبيا بعد 2011 فإن غياب السلطة المركزية ترك فراغًا ملأته الميليشيات، هذه الأمثلة تجعل العراق أمام اختبار حقيقي: هل سيتمكن من إدارة الانسحاب الأميركي بما يخدم بناء دولة متماسكة أم أن النتيجة ستكون مزيدًا من التفكك والتدخلات الخارجية؟

 

من جانب الولايات المتحدة لم يأتِ الانسحاب كخروج كامل من المشهد بل كإعادة تموضع، فواشنطن ما تزال تحتفظ بمستشارين عسكريين في إربيل والكويت بالإضافة إلى حضور بحري وجوي في الخليج العربي وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستبقى لاعبًا أساسيًا وإن كان حضورها أقل علانية من السابق. هذا يعكس أن الانسحاب ليس انسحابًا استراتيجيًا بل تعديل في طبيعة الانخراط يحقق مصالح أميركية بأقل تكلفة سياسية وعسكرية.

 

الخلاصة أن انسحاب القوات الأميركية من العراق يحمل دلالات مركبة فهو من ناحية يمثل نجاحًا للضغوط الداخلية التي طالبت بإنهاء الوجود الأجنبي لكنه من ناحية أخرى قد يفتح الباب أمام فراغ أمني وسياسي إذا لم يتم تحصينه ببناء مؤسسات قوية وضبط التوازنات الداخلية. العراق اليوم يقف أمام لحظة اختبار تاريخية والنجاح أو الفشل يتوقف على قدرته في إدارة هذه المرحلة بأقل الخسائر وعلى مدى استعداده للانتقال من الاعتماد على المظلة الأميركية إلى بناء سيادة حقيقية مستقلة. هذا التحدي لا يقتصر على العراق وحده بل يشمل مستقبل التوازنات الإقليمية برمتها بما في ذلك موقع إيران وتركيا ودول الخليج فضلًا عن موقع الولايات المتحدة نفسها في خريطة المنطقة.

 

أ.د. عبدالوهاب العوج

أكاديمي ومحلل سياسي يمني

 

المصادر:

وكالة الأنباء العراقية (واع) 18 أغسطس 2025 – تصريحات المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة.

 

وكالة شينخوا 18 أغسطس 2025 – تقارير حول بدء انسحاب القوات الأميركية من قاعدة عين الأسد.

 

نص الاتفاق العراقي الأميركي 2022 بشأن جدولة الانسحاب وإعادة التموضع.

 

تقارير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) 2022–2024 حول الوضع الأمني والسياسي.

 

دراسات مراكز أبحاث: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، معهد الشرق الأوسط بواشنطن، كارنيغي للشرق الأوسط حول مستقبل النفوذ الإيراني بعد الانسحاب.

 

تقارير البنتاغون و"عملية العزم المتأصل" الخاصة بالحرب ضد داعش (2014–2024).