المتتبع لسير الأحداث بوتيرة متسارعة خلال الأسبوع الفائت وخصوصاً في مدينتي عدن وتعز، التي دخلت هي الأخرى على الخط مؤخراً في لعبة الأحداث الدرامية، سيخرج بثلاثة سيناريوهات محتملة -بل ولربما حتمية- للمصير الذي ينتظر الرئيس هادي في الأيام وربما الأسابيع القليلة القادمة، إذا ما استمرت الأحداث على نفس هذه الوتيرة المتسارعة، وهي إما "الاعتقال أو القتل أو الهروب خارج الوطن"، وإذا ما حدث ذلك بالفعل فإنه سيكون آخر مسمار يُدق في نعش الشرعية الدستورية، القشة التي كنا نتعلق بها لتجنيب الوطن هذا الذي يحصل الآن.
لقد بات واضحاً من تحركات الحوثي الأخيرة في تعز، ومعه آلة المخلوع علي صالح وأدواته القديمة، أنه يريد محاصرة الشرعية تماماً، والوصول إلى عقر دار الرئيس هادي، وما تفجيرات صنعاء الإرهابية إلاّ غطاءً ومبرراً لهذا الفعل، وقد قالوا:" إذا أرت المفيد فابحث عن المستفيد" والمستفيد الأول والأخير من تفجيرات مساجد صنعاء هي جماعة الحوثي أولاً وأخيراً، لأنها تعطيه المبرر لاجتياح الجنوب من أجل تحقيق ذلك الهدف، ومن ثم التوسع في سيطرته على الأرض في جميع الاتجاهات.
لن يكون بوسع الرئيس هادي أمام هذا الزحف المتسارع سوى الخيارات الثلاثة التي ذكرناها آنفاً، وهي إما المواجهة ببعض القوات الموالية له في عدن ورجالات القبائل الذين أعلنوا مساندته وكذلك اللجان الشعبية التي تشكلت لهذا الغرض، وهنا يمكن للمعركة أن تطول قليلاً، لكنها محسومة النتيجة سلفاً لصالح المخلوع والحوثي، لسبب بسيط وهو اختلال ميزان القوى على الأرض، وهذا الخيار لن يقود في نهاية المطاف إلا إلى اعتقاله أو قتله أو الهروب والنجاة بنفسه، وفي حال أصبح ذلك واقعاً فإن نبوءة صالح أو تهديداته في خطابه الأخير تكون قد تحققت على أرض الواقع، تلك التهديدات التي ذكَّر فيها هادي بحرب 94م، والتي قال فيها إنه لم يبق أمامه سوى البحر ليهرب منه، في إشارة منه إلى أن علي سالم البيض عندما خسر حرب الانفصال عام 94م كان قد هرب يومها هو الآخر عبر البحر والتجأ إلى عُمان، أو أن هادي سيؤثر سلامة محافظة عدن والوطن عموما وسيتجنب المواجهة، ولكن حتى وإن فعل ذلك فرأسه بات مطلوباً على أية حال، ويمكن أن يخضع للاعتقال المشدَّد هذه المرة في حال تمكن الحوثيون من الوصول إليه.
الشيء المرجح عندي هو أن عدن أو الجنوب بشكل عام ليس هدفاً رئيسياً للحوثي وصالح في اللحظة الراهنة بقدر ما هو تكتيك من زاويتان، الأولى لمزيد من الانتقام من شخص الرئيس هادي، ومن ثم التخلص من "القشة الأخيرة" التي يُمسك بها الخليجيون وكذا الأطراف السياسية داخل البلاد بعد فوات الأوان، وهي شرعية هادي كواجهة دستورية وقانونية لمواجهة الحوثي، وهذا الانتقام هو رغبة جامحة لدى صالح أكثر من الحوثي، ومن زاوية ثانية ليقولا لدول الخليج والسعودية منها على وجه الخصوص، بأننا لا زلنا نملك زمام المبادرة وإحداث المفاجآت على الأرض، والتمدد في طول البلاد وعرضها، فأرونا ماذا أنتم فاعلون، ليجد الجميع أنفسهم أمام حقيقة مُرة مفادها أن اليمن أصبحت بلا سلطة شرعية غير تلك التي فرضها الحوثيون وصالح على الواقع بقوة السلاح، ولا مناص للجميع حينئذ غير التخاطب معها مباشرة كأمر واقع، أو مواجهتها بقوة السلاح، ولا أعتقد أن هذا الحل الأخير سيكون مجدياً على الإطلاق لسبب جوهري وبسيط، وهو أن وقته بات متأخراً جداً وجاء في الوقت الضائع.
يبدوا أن المخلوع على صالح قد أجاد خيوط اللعبة بإحكام، حين أدار ظهره للرياض وعواصم الخليج أجمع، واتجه صوب طهران العدو اللدود للمملكة والخليج، ليعقد معها صفقته المجنونة، المليئة بشهوة الانتقام والحقد من كل خصومه دفعة واحدة، أكان في الداخل أو الخارج، والذين كانوا قد أجبروه على التنحي وفقاً للمبادرة الخليجية كما يعلم الجميع، فكان أن باع اليمن بأكمله لإيران نكاية بهم، وهو يدرك تماماً عجزهم جميعاً عن فعل شيء، فدول الخليج حتى وإن أرعدت وأزبدت فهي بالنهاية لن تستطيع فعل شيء على واقع الأرض، وهي أعجز من أن تتدخل عسكرياً بدون بوابة مجلس الأمن وموافقة الولايات المتحدة، المنشغلة حالياً بمحادثاتها النووية مع إيران التي شارفت على الانتهاء من جولتها النهائية، والتي قد تصبح بموجبها إيران هي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة والغرب عموماً في منطقة الخليج والشرق الأوسط برمته، وفي حال حصل ذلك بالفعل فاقرأ على المنطقة ودول الخليج السلام ... والسلام.