|
تتغير اللعبة السياسية بناءً على عدة عوامل أساسية منها: قدرات الأطراف المشتركة في اللعبة السياسية، ظروف ومعطيات اللعبة وتغيراتها، مزاجية اللاعبين أثناء القيام باللعبة، تشابك واختلاف أطراف اللعبة وفقاً للمصالح الإستراتيجية والتكتيكية, وأخيراً طبيعة المناخ المحلي والإقليمي والدولي أثناء القيام باللعبة السياسية. بيد أن كل الألعاب السياسية, سواءً كانت داخلية أم خارجية, تتحطم على صخرة الشعوب الواعية بحقوقها وواجباتها ومصيرها.
ولكي نتعرف على الظروف السياسية في اليمن وما آلت إليه من أوضاع سيئة لابد لنا من دراسة ومتابعة الأحداث على أساس الخلفيات التاريخية والديمغرافية والجيوبولتيكية التي أفرزت بشكل مباشر وغير مباشر النتائج الراهنة التي سنحاول أن نسلط بعض الضوء عليها بشكل مختصر لتبيان حقائق ما يحدث خلف الكواليس في المشهد السياسي اليمني.
أقطاب اللعبة السياسية في الحالة اليمنية, وهم:
- بعض دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
- دول الخليج بقيادة آل سعود الذين يمسكون بملف اليمن ويديرونه نيابةً عن الطرف الأول منذ أكثر من نصف قرن.
- علي عبدالله وصالح وأبناؤه كطرف تابع لكلا الطرفين أعلاه.
- آل الأحمر وعلي محسن الأحمر كطرف مشترك تابع للطرف الثاني بشقه السعودي ويعمل كطرف ضابط لحركة الطرف الثالث وجزء ثاني في المعادلة السياسية لإبقاء اليمن في حالته الإستاتيكية على عموم اليمن شمالاً وجنوباً لاسيما بعد إعادة الوحدة اليمنية ومن ثم تكريسه بعد حرب 94.
- الشعب اليمني وهو الطرف الأساسي والخارج عن اللعبة كلية أو الملعوب عليه فضلاً عن أنه يمثل هدف اللعبة السياسية برمتها.
كانت الأمور تمر بسلام بالنسبة للأطراف الأربعة الأولى على أساس هذا التقسيم وضبط الإيقاع السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والثقافي في اليمن عن طريق افتعال الأزمات والحروب الداخلية وإدارتها لكي يبقى الشعب اليمني محكوماً بحلقة مفرغة من العبث الممنهج والمتعمد حتى لا يستطيع الخروج منها باستثناء بعض المعارك السياسية التي حدثت بين الطرفين الثالث والرابع المحليين من أجل إعادة تقسيم الكعكة فيما بينهما، في الآونة الأخيرة قبل بداية الثورة، مستخدمين في هذا الصراع ما يطلق عليه معارضة (اللقاء المشترك) وهي معارضة صورية استخدمها صالح كبرواز هش لتجميل صورته القمعية والشمولية لتغطية النهج "الديمقراطي", بيد أن قيادة المشترك نقلت تحالفاتها من الرئيس إلى بيت الأحمر الذين دفعوا بسخاء ليتم لهم هذا الاستقطاب وظلت المعركة بين الطرفين على أشدها إلى أن انفجرت الثورة الشبابية والشعبية في اليمن وخرج الشعب اليمني بكل شرائحه إلى الشارع مطالباً بالتغيير.
التغيير الذي ينشده الشعب اليمني ليس في مصلحة كافة الأطراف الأربعة الأولى لذا توجب الإجهاز على هذه الثورة بأي شكل وبأي ثمن لاسيما من قبل صاحب المصلحة الأولى في بقاء هذا اليمن متخلفاً ومريضاً وهو الطرف الثاني كونه يدرك بأن انتصار الثورة اليمنية تعني فتح الملفات القديمة كافة بما فيها سرقة ونهب الأراضي اليمنية وخاصة أضلاع نجران وعسير وجيزان فضلاً عن مقولة تحفيز ثورة شعبية في أراضيه ، وهي قادمة بثورة اليمن او بدونها لأنها استحقاق كوني في إطار حركة التاريخ.
إذاً لابد من إجهاض هذه الثورة التي ستفتح كل أبواب جهنم على جميع الأطراف الأربعة. والسبيل إلى ذلك هو ركوب موجة هذه الثورة عن طريق معارضة (اللقاء المشترك) الجاهز لتقمص الدور الثوري لاسيما أن من يقود هذا المشترك هو حزب الإصلاح التابع مباشرة لبيت الأحمر الشق الآخر من الطرف الرابع في المعادلة السياسية المذكورة أعلاه. حزب الإصلاح الإخواني الوهابي اعتلى صهوة الثورة ومنابرها ولجانها التنظيمية والتنسيقية وحاول حرف الثورة في اتجاه مخالف عن وجهتها الحقيقية وساعده في ذلك علي محسن الأحمر الجناح العسكري للإصلاح تحت غطاء حماية الثورة.
في هذه الأثناء تم الاتفاق مع قيادات المشترك بأن يتولوا السلطة بعد تغيير النظام كواجهة لمراكز القوى المذكورة في الطرف الرابع بنفس الطريقة التي سبق لهم فيها وتولوا واجهة الديمقراطية والمعارضة منذ عشرين عاماً. أكل قادة المشترك هذا الطُعم وشاركوا بكل قوتهم لإجهاض الثورة اليمنية تحت كل المبررات والذرائع كالتمثيل السياسي وغيره باسم الثورة والثوار وتوقيعهم على المبادرة الخليجية التي رفضها الشعب اليمني والتي تنص على تقاسم السلطة بين المشترك والمؤتمر.. إلى أن انفجر الصدام بين شقي معادلة الطرف الرابع إلى صدام مُسلح وكشر كل شق عن أنيابه ومخالبه مما أسقط المبادرة الخليجية لاحقاً وبضغوط سياسية من الطرف الأول والذي ذهب إلى أبعد من ذلك وهو التنويه بضرورة خروج الجميع في شقي الطرف الرابع من اليمن حتى يتسنى لهذا البلد أن يبني مؤسسات النظام والقانون بعيداً عن هؤلاء الذي يشكل وجودهم حجرة عثرة أمام قيام الدولة الحديثة خاصة بعد أن ظهر للعالم مدى عنجهية وغطرسة آل الأحمر عند احتلالهم لمؤسسات الدولة.
وكرد فعل لهذا الموقف هدد علي محسن الأحمر بالبيان رقم واحد الذي يعني قيامه بانقلاب عسكري وهي حركة مخالفة لمعطيات وقوانين الثورة كونه من غير الممكن القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالنظام في وجود ثورة شعبية قد أسقطت النظام لاسيما وأن علي محسن الأحمر وأمثاله الحُمر يشكلوا جزء من هذا النظام البائد.
وبناءً على هذا الموقف الجديد، بدأ حميد الأحمر اتخاذ مواقف علنية من الولايات المتحدة الأمريكية وضمنية من المملكة العربية السعودية ، ولم يسيطر العتواني القيادي في اللقاء المشترك على أعصابه فاتهم الولايات المتحدة بعدم الوضوح وعبر عن نزقه في حضرة السفير الأمريكي لاسيما بعد معرفته بأن المبادرة الخليجية أصبحت آيلة للسقوط. وهنا شعر اللقاء المشترك بمرارة الطُعم الذي تجرعوه. فما كان منهم إلا أن صعدوا بالضغط على عبده ربه منصور الرئيس بالنيابة بنقل السلطة لهم وإما سيشكلون "مجلس انتقالي" ودعوة أنصارهم في الساحات إلى التصعيد بهذا الاتجاه الذي سبق أن حاولوا تأجيله بل وانزعجوا من إمساك الشارع لزمام المبادرة مرة أخرى ورفع شعار الشعب يريد مجلس انتقالي وهاهم يلتحقوا به مجدداً كما التحقوا سابقاً مع شعار الشعب يريد إسقاط النظام.
وفي هذه الأثناء طار مستشار الرئيس الدكتور عبدالكريم الإرياني إلى أوروبا لإقناع أصحابه بعدم جدوى المبادرة ، كما طار الرئيس الحالي للمشترك الدكتور ياسين سعيد نعمان إلى بريطانيا لإقناع الحلفاء الآخرين بنفس الموضوع ولكن على العكس من ذلك وهو لتفعيل المبادرة كما أكد في ذلك خلال مقابلته الأخيرة مع قناة الـ بي بي سي بأن على الخليجيين حسم الموضوع بفرض مبادرتهم على الأطراف السياسية في اليمن مشيراً إلى الحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام" فيما يتحدث حميد الأحمر عن قرب انفراج خلاصته حكومة وحدة وطنية، منهم وإليهم، وهذا ما كان مطروحاً قبل الثورة بسنوات بين المؤتمر والمشترك، وكأنه لم يصلهم حتى الآن نبأ الثورة الشبابية اليمنية في محاكاة ساذجة لسائسهم في الرياض.
وعلى ذلك فإن الشباب على موعد وفق هذه المعطيات مع خذلان جديد لثورتهم ومطالبها واستحقاقاتها، فكما خذلهم المشترك ومن التحقوا بعده حينما وقعوا على مبادرة مرفوضة ثورياً بل واستولوا على منصات الساحات ومارسوا البطش بأنواعه وحاولوا نقل الثورة السلمية إلى صراع أسري مسلح، سيقومون اليوم بعد كل هذه الإخفاقات بانتهاز الورقة الأخيرة وصياغة مجلس انتقالي على مقاسهم كما كانت المبادرة الخليجية على مقاسهم أيضاً وعلى مقاس صالح من باب أولى.
إذاً ليس هناك من خيار أمام الشعب اليمني سوى الاستمرار بثورته بعيداً عن مكونات الثورة المضادة المندسة في صفوفه وإقامة وإعلان مجلسه الانتقالي للإنقاذ الوطني بنفسه وليس مطالبة الآخرين بصناعته نيابة عنه.. اليوم قبل الغد.
bassethubaishi@yahoo.com
في الأربعاء 29 يونيو-حزيران 2011 01:33:48 ص