|
منذ سنوات وحتى الآن لم تكن لي رغبة في الخوض في هذا الموضوع لقناعتي بأنه أحد أشكال التجاذبات السياسية والفكرية في اليمن ، ولكن مادفعني الآن للتطرق لهذا الموضوع هو ما كتب في بعض مواقع التواصل الاجتماعي أن شعار الحركة الحوثية قد تسبب في فقدان شاب في مقتبل العمر ينتمي لأسرة شرف الدين ولايعني ذلك عدم تأثري بالخسائر البشرية خلال السنوات الماضية ،ولكن دلالة الموقف هو إنتقال الصراع بشكل علني إلى عاصمة الدولة ويمثل نشر الشعار في الأماكن العامة والشوارع تعبيراً عن تلك الحالة .
على المستوى الشخصي تربطني علاقات أخوية مع بعض أبناء شرف الدين فأسفت أن يكون أحد شباب هذه الأسرة العريقة ضحية لذلك الشعار ، لذا رأيت أن نفتح نقاشاً وبهدوء حول مدى أهمية الشعار وهل لأجله يستحق شبابنا الموت، وذلك الشاب هو حالة رمزية فالقائمة تمتد لأعداد مهولة من أبناء اليمن من صعدة وغيرها سقطوا نتيجة صراع مرير يعد الشعار رمزا فيه ، فخسائر الحروب المختلفة من شباب الأمة أمر محزن ، هؤلاء الشباب بلا إستثناء كان الأولى بهم قاعات الدراسة الجامعية والبحث العلمي ومؤسسات التشييد والصناعة على إمتداد الوطن من صعدة إلى المهرة.
الشعار كما يورد البعض يرجع إلى المراحل الأولى من ثورة الخميني في إيران ، ولإيران في تلك الفترة مبرراتها بحكم الدعم الذي كانت تلاقيه الحكومة الشاهنشاهية من الولايات المتحدة وعلاقتها بإسرائيل ، وبالتالي كانت مقتضيات الثورة الإيرانية والمرحلة السياسية التي تمر بها تحتاج إلى مثل ذلك الخطاب لحشد الجماهير.
أن الحال في الجمهورية اليمنية وحتى في إيران يختلف اليوم عن عقد السبعينيات ، وبالتالي من الضرورة بما كان أن يعاد النظر بمثل ذلك الشعار وبما يتوافق مع طبيعة المرحلة والواقعية السياسية ، حيث تشير كثير من التقارير الأخبارية للثلاثة العقود الماضية أن الشعارات شيء والتحالفات السياسية التي تؤطرها المصالح الدولية شيء آخر.
ما ندركه أن التيار الحوثي كتيار فكري موجود ويتسع نفوذه لإعتبارات فكرية تتصل بالإمتداد الطائفي على الساحة اليمنية ، ولكن ذلك النفوذ والتمدد لن يستمر إلى ما لانهاية ، بل أن قناعات بعض المعجبين بهذا الفكر قد تتغير إن لم يكن الشعار ذو معنى سياسي وفكري على الأرض ، قد ينتشر الشعار ويعلق على المنازل والهواتف المحمولة والسيارات...إلخ ، ولكن سيأتي يوم يسئل حاملو هذا الشعار أنفسهم عن معناه الحقيقي، وربما لقاءات للأخ/يحي الحوثي في بعض القنوات تؤكد إشكالية فهم معنى الشعار في أرض الواقع.
نود التأكيد كما سبق وأن أشرت أن بعض الإخوة المحسوبين أو المنتمين للتيار الحوثي هم جيران لنا وإخوة تربطنا بهم علاقات من الإخوة والجوار والحياة ، هؤلاء الإخوة نكن لهم كل إحترام وتقدير فمنهم قامات وطنية مشهود لها بنزاهتها ووقوفها ضد الفساد والظلم ، لتلك القامات الوطنية نقول بكم وبعقلياتكم الفذة نأمل النصح لقيادات التيار بتبني شعارات جديدة وواقعية تعكس الأمل والحرية والعلم والتقدم ، فأمريكا لن تموت بالشعارات والصراخ والعويل، أمريكا اليوم ومن خلفها العالم الغربي يقودون حضارة العالم ، هؤلاء للمواطن لديهم كرامة لانجدها في بلداننا فالعليل تتكفل الدولة برعايته الصحية ، والعاطل تتكفل الدولة بمعاشه ، والطفل تتكفل الدولة برعايته ، والظالم مهما كبر حجمه وشأنه يخضع للقضاء العادل ويعاقب ، هؤلاء ومعهم الدول المتقدمة يضيفون للإنسانية كل لحضة إختراع جديد ، ألم نتأمل في أدواتنا من الإبرة إلى الصاروخ من أين جاءت ، بلحظة تأمل واحد سنجد مكبرات الصوت التي نصرخ بها لم نصنعها وأحبار كتابة الشعار وطابعاته أيضاً لم نصنعها ، لذا فالحقيقة الوحيدة أن هؤلاء يقودون حضارة إنسانية فاعلة تعتمد على البحث العلمي الذي يخدم الإنسانية بلا إستثناء.
أخيراً أمريكا ليست شخصاً على قارعة الطريق من السهل القضاء عليه ، أمريكا اليوم حاملة لحضارة عالمية بمضمونها السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي ، ودون شك أن ساسة الحركة الحوثية يدركون ذلك وخاصة المتواجدين في دول الغرب وهم يعبرون عن ذلك في العديد من المناسبات ، إذن فالموت المعنوي لأمريكا هو موت حضاري لن يكون سوى بالندية الحضارية ولتلك الندية وسائلها المشروعة المؤطرة ببرامج التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية وبالعدالة الاجتماعية والشراكة المجتمعية في الثروة والسلطة والقوة ، إننا في وضعنا الراهن لسنا طرفاً في تلك المعادلة العالمية ولم نخطو حتى الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل كما يقال ، وأدعوا القارئ الكريم بإيجاز للبحث في مؤشرات التنمية في اليمن عموماً وصعدة على وجه الخصوص سيجد عجباً ، فمعدلات الأمية والفقر والبطالة وضعف مشاركة المرأة في المجالات التنموية وإنتهاك حقوق الإنسان وفساد القضاء والإدارة صفات ملازمة للمجتمع اليمني ، وبالتالي لايمكن أن نكون جزءً من الحضارة الإنسانية المعاصرة ونحن بهذا الحال ، بل ستصبح الصيحات واللوحات الكبيرة تغريدات خارج السرب ، نقول لا يمكن لأمة تؤمن بالطبقية المقدسة أن تتقدم ، ولا يمكن لأمة تحني هاماتها لتقبيل للركب والأيادي أن تتقدم، ولا يمكن لأمة أن ترى في الحكم والإدارة أرث ثابت مقدس لا يدوّر أن تتقدم ، إذن فالمعركة مع الأمريكان واليهود هي معركة حضارة إن خطونا الخطوة الأولى كأمة في طريقها سنصل ، وإن فقدنا الطريق وزدنا من الصراخ والصراع مع أنفسنا لن نصل ، لذا يقول أحد القادة العالميين ضوضاء عشرة أفراد تعلوا على صمت مليون (طبعاً المقصود مليون مفكر)، فليست الضوضاء دائماً علامة الإنجاز والنجاح ، بل قد تكون تعبيراً عن العجز والفشل في مواجهة الخصم الكبير.
في السبت 06 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:10:37 م