|
تأتي أهمية هذا العنوان من اعتبارين اثنين، أولهما : أن كثيراً ممن لا يعتركون السياسة والقانون لا يستطيعون التفرقة بين مصطلحي الشرعية والمشروعية. ثانيهما: أن الشرعية والمشروعية يعتبران أحد عناصر التنمية السياسية المتكاملة والتي تهدف إلى إيجاد حلول جذرية لست أزمات مترابطة تعيشها اليمن وتتمثل بالآتي: أزمة الهوية ،أزمة الشرعية والمشروعية، أزمة التغلغل، أزمة الاندماج، أزمة التوزيع، وأزمة المشاركة السياسية. هذا وجميع هذه الأزمات مشروطة في حلها بحل أزمة الشرعية والمشروعية اللتين تعدان غاية ووسيلة في آن معاً. - فالشرعية برغم اختلاف المفكرين في اتجاهاتهم ومنطلقاتهم يتفقون في التحليل النهائي لها، في أن قبول مواطني القطر غير القسري(الطوعي)هو الذي يجعل الحكومة شرعية، ومفهوم الشرعية بهذا المعنى هو المقابل لمصطلحي البيعة في التراث العربي الإسلامي حيث يقول ((ابن خلدون)) في مقدمته بهذا الصدد :(إعلم ان البيعة هي العهد على الطاعة كأن يعاهد المبايع أميره على أن يسلم له في امر نفسه وامور المسلمين،لاينازعه في شيء من ذلك،ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره). وهنالك عدة تعاريف لعدد من المفكرين مثل(ماكيفر،وماكس فيبر وغيرهم)لن ندخل بتفاصيل أكثر. إذن جوهر الشرعية: هو قبول الأغلبية العظمى لحق الحاكم في أن يحكم وان يمارس السلطة، فالشرعية مفهوم سياسي وهي تتحقق من خلال:
أ-موافقة أغلبية الشعب على هذا النظام.
ب- إن يلتزم النظام بالمنظومة القيمية والإيديولوجية للمجتمع.
ج – إن يسعى النظام لتحقيق مصالحهم.عندما تتحقق هذه الأمور يكون النظام شرعي. أما المشروعية: فهي تعبير عن الوصول إلى الحكم ضمن الإطار القانوني والدستوري للدولة، مع الالتزام بهما، والمشروعية تتحقق من خلال التالي:
أ – أن يصل الحكام إلى مواقع السلطة وفق الدستور وبقية التشريعات النافذة في الدولة.
ب – أن تتقيد الدولة بجميع وزاراتها وإداراتها ومؤسساتها وقراراتها بالدستور والتشريعات النافذة أيضاً،عندئذ تتحقق مشروعية السلطة والنظام، ومن ثم فإن المشروعية هي مفهوم قانوني بالدرجة الأولى. من خلال استعراض مفهومي الشرعية والمشروعية نتساءل! هل تملك السلطة الشرعية والمشروعية؟ أنا بنظري الشخصي هي لا تملك لا شرعية ولا مشروعية، وقد يعارضني احد القراء الكرام في وجة نظري ويقول هي تملك شرعية ثورية، لنفترض أن وجه نظرك أخي القارئ صحيحة ونناقش على هذا الأساس. كلنا يعرف ان هذه السلطة أتت على أساس مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي ودعمتها المنظمات الإقليمية والدولية والدول التي تتحكم بالنظام الدولي والتي اعتبرت أن ما يحدث باليمن هو عبارة عن أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة (إي لم تعترف بها كثورة شعبية)وتجاهلت القوى الثورية الأخرى وخاصة الشباب الذين اعترضوا عليها، كما أن المبادرة حلت محل بعض جوانب الدستور إن لم يكن الدستور كله،وأعطت صلاحيات لرئيس الدولة فوق الدستور،وأعطت شرعية لأعضاء البرلمان وأفقدته دورة التشريعي والرقابي وفي المقابل كيف يرضى شعب عظيم كشعب سبأ الغني بتراثه وتاريخه وحضارته أن يُتحكم به، وان يكون تابع لأقطار فقيرة بتراثها وحضارتها وتاريخها، -مازالت تعيش في إطار أنظمة تنتمي للعصور الوسطى- (ملكية، مشائخية،....)،وغيرها من الدول التي تتحكم بمصير اليمن بأيدي يمنـــــــــيـــة ! كل هذا يذكرني بمقوله لأحد المفكرين العظماء مفادها: (الشعوب التي تأخذ حلولاً معلبة من هنا وهناك، تكون النتيجة منها وبالاً وانحرافاً عن جادة الصواب)،او تكون استبدالاً لاستبداد بأخر أشد وطاة.
وعندما نعود إلى نظريات الاعتراف بالحكومة في القانون الدولي كا(نظرية الشرعية الداخلية او الشرعية الدولية ،ونظرية طوبار،ونظرية الرئيس ويلسون،ونظرية بيتا نكور،ونظرية الشرعية الدولية) ونعتبرها حكومة واقعية أو حكومة الأمر الواقع أو حكومة ضرورية لإخراج اليمن من حرب أهلية ونكون متعاطفين قليلاً ونعتبرها شرعية ونتساءل؟ لماذا لم تشكل الأحزاب الموقعة على المبادرة حكومة تكنوقر اط(متخصصين)؟ الواقع يقول أن ثلث أعضاء حكومة الوفاق بحسب معرفتنا غير متخصصين في شؤون وزاراتهم التي تسلموها، فهي تماما، كما تطلب من نجار أن يكون طبيب ويعالج الناس، ونتساءل: هل تفتقر الأحزاب السياسية التي شكلت الحكومة كوادر مؤهله لتكوين حكومة تكنوقراط لقيادة المرحلة الانتقالية لبر الأمان؟ الأسوأ من هذا أن هنالك تبادل ادوار لنخب ابدية، إي هنالك نخب حاكمة لم تتغير على مدى عقود غير أنها تتغير من منصب لآخر، ولم نر أوجه جديدة تحمل دلالة التغيير. هنا سنتفق مع المختصين بشؤون الأحزاب السياسية عند تشخيصهم للأحزاب السياسية اليمنية، حين قالوا إن أغلب الأحزاب السياسية اليمنية في مرحلة قبل الولادة، فهي عبارة عن أحزاب( جهوية ومصلحيه وقبلية وتفتقر للديمقراطية في بنيتها ووو...). وعندما نستعرض واقع ومعاناة الشعب اليمني من خلال عرض بعض تقارير ومؤشرات المنظمات الإقليمية والدولية ومراكز الأبحاث وغيرها، نجد اليمن من أفقر الدول في العالم ويقوم اقتصادها على المساعدات وتعتبر ثاني أفقر دولة عربية! ويشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام2011 ، أن اليمن وفق تقارير التنمية البشرية أتى ترتيبها "154" من بين 178 دولة شملتها التقارير وحسب تقرير منظمة اليونيسيف، وُضعت اليمن في مصاف أكثر البلدان معاناة من سوء التغذية المزمن ،حيث جاء ترتيبها الثاني بعد أفغانستان والصومال في مجال سوء التغذية. أما نسبة البطالة فهي 30% وبين الشباب 50 %، و نسبة الأمية تبلغ 50 % ، وحسب تقرير مجلس الوحدة الاقتصادية العربية سجلت اليمن أدنى نصيب للفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي ، وأتى ترتيب اليمن 119 في تقرير مؤسسة السلام العالمي ،وحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الفساد شَغَلت المرتبة الثالثة في تفشي ظاهرة الرشوة بين 104 دولة شملها التقرير عام 2013م .
إن هذه المؤشرات وغيرها من التقارير المؤلمة, تدفعنا للتساؤل: ماذا قدمت الحكومة لليمن خلال هذه الفترة؟ قد يقول قائل: الحكومة لا تملك عصى سحرية للتغيير بهذه السرعة ، نرد عليه ان الفترة بين يونيو عام 1974 إلى أكتوبر 1977 التي حكم فيها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي والتي من خلالها أحدث نقلة نوعية و جذرية لا مثيل لها، وأصبحت اليمن تقرض البنك الدولي وغير ها من الانجازات. في هذه الفترة أيضًا لم يكن هناك عصى سحرية يملكها الشهيد الحمدي وحكومته. وفي المقابل نجد حكومة لم تستطع ضبط كلفوت (مفجر أعمدة الكهرباء ) ولم تستطع تأمين خطوط النفط أو متطلبات الحياة الأساسية للمواطن اليمني الذي له الحق أن يعيش حياة كريمة كحق أساسي من حقوق المواطنة، فكيف بها أن تحدث تغييرًا وتحقق مطالب واحتياجات شعب له ماضي عريق وحاضر مندثر وسبب الاندثار هو قبولنا بهذا الواقع ؟ خلاصة القول: أن الشرعية والمشروعية ضرورية لأنها إحدى ركائز الاستقرار السياسي ولايمكن أن تقوم تنمية مستدامة دون استقرار ،لان الاستقرار والأمن هما أكسجين التنمية فلابد ان تصل النخب الحاكمة بمشروعية وان تكسب الشرعية وتحافظ عليها ونلاحظ انه قد تصل النخب الحاكمة إلى السلطة دون سند شرعي ولكنها بعد مرور الوقت تكتسب شرعيتها وقبول المحكومين بأحقيتها في ممارسة السلطة ،كما أن نظاماً حاكما قد يبدأ حكمه مستندًا إلى شرعية واضحة ولكنه يفقد هذه الشرعية بمرور الوقت بسبب عدم تحقيق مصالح المحكومين وهنا نتفق مع((سعد الدين إبراهيم))عندما قال:إن أهم وسائل تكريس بناء الشرعية هي الكفاءة والفاعلية في شؤون المجتمع وتحقيق اهدافه،وتجسيد قيمه ومثله العليا. -
أن تتم توزيع الأدوار السياسية استناداً الى الكفاءة والإنجاز،لا على أساس الولاءات الشخصية والمناطقية والمحسوبية وغيرها، والابتعاد عن سياسة المسئول المؤبد. حيث أن هذه السياسة( سياسة المسؤول المؤبد)بحسب علماء الاجتماع السياسي, تمثل عائقًا للإنتاج والتطوير والتحديث والتغيير, كما أنها تفسح مجالاً واسعا للتسلط والتمسك بالمنصب كما لو كان ملكًا شخصيًا. -أن تقوم الأحزاب السياسية بإعادة بناء نفسها وفق معايير الديمقراطية من القاعدة لرأس الهرم الحزبي،وان تؤدي وظائفها في التنشئة السياسية والتثقيف وتكوين القيادات والكوادر المؤهلة القادرة على التعبير عن رغبات الجماهير وان تبتعد عن سياسية الغالب والمغلوب وعن الصراعات السياسية مع بعضها والتي أحدثت شقوقا عمودية في المجتمع ،وان يكون هدفها التنافس على خدمة الوطن. - وأن يقوم النظام السياسي بوظائفه من خلال: بلورة ثقافة سياسية وطنية جامعة والعمل على تحقيق التنمية السياسية وتهيئة الظروف لازدهار مجتمع مدني وان يعمل على توسيع المشاركة الشعبية. -أما نحن فيجب علينا الخروج من الولاءات الضيقة والجزئية والفرعية وان نرتقي لمستوى الانتماء الوطني ونسعى الى إيجاد بناء تنظيمي يقوم على وجود سلطة منتخبة بالإقتراع العام كصيغة شرعية وكممثل للإرادة السياسية للشعب.
في الأحد 11 أغسطس-آب 2013 05:45:56 م