ملعب انتخابي بين السلطة والمعارضة..
عادل امين
عادل امين

كالعادة وعند اقتراب موعد الانتخابات تتسارع خطوات السلطة باتجاه المصالحة مع المعارضة لضمان انجرارها نحو صناديق الاقتراع وإغرائها بإعادة التجربة ذاتها في كل مرة، وبطريقتها تتمكن السلطة من مصادرة العملية الانتخابية حتى قبل أن تبدأ وتصير في موضع المحتل للصناديق قبل أن تبدأ بالزحف نحوها، كل ذلك يتم وفق خطوات إجرائية تسبق العملية الانتخابية وتحظى بشرعية الحوار أو (التواصل) لتمرر –من ثم- ضمن اتفاقاتها الموقعة مع شركائها في العملية الديمقراطية الذين يبدون متلهفين لخوض المنافسة الانتخابية رغم كل التجارب المريرة التي مروا بها والتي لا تُغري أحداً حتى بمجرد التفكير في الانتخابات.

وقد تعود النظام على حل مشاكله (الانتخابية) مع المعارضة في الوقت الضائع، وفي أضيق الحدود بعد أن يكون قد ألجأها إلى أضيق الخيارات وقلل أمامها فرص المناورة، وهي قطعاً سياسة مدروسة بعناية، وتنم عن تطور ملحوظ في آليات العمل السياسي لدى النظام، وتعكس في المقابل تواضع في الأداء السياسي للمعارضة التي مازالت تعتقد بأنها الطرف الأذكى في الملعب والأقدر على تسديد الركلات، فيما تذهب الدلائل في اتجاه مغاير لتشير بأن ثمة لاعب آخر أكثر براعة في اللعب والرقص على رؤوس الثعابين.

ملعب الانتخابات بين المؤتمر والمشترك

تهيئة الملعب الانتخابي كان أحد أبرز شروط المشترك للمضي في طريق العملية الانتخابية، تلك التهيئة كانت تقوم على عديد أسس وقواعد أهمها: إصلاح المنظومة الانتخابية باعتبارها بوابة الإصلاح السياسي الشامل في البلاد، ولحقها بعد ذلك مطلب إطلاق المعتقلين من أصحاب الرأي ونشطاء الحراك السياسي السلمي، ومن تلك الأسس كذلك ضمان حيادية المال العام والوظيفة العامة والإعلام والقوات المسلحة، وقد تمكن المشترك من انتزاع أغلب تلك المطالب من السلطة ليس عبر حوار مع الحزب الحاكم ولكن عبر تواصل مع الحاكم نفسه.

المكاسب التي حققها المشترك في طريق تهيئة الملعب الانتخابي وتسويته أمام المتنافسين وضعها في الحد الأدنى من مطالبه على أمل أن يتم استعمال بقية المطالب عقب الانتخابات.

استطاع المشترك –إلى حد ما- ضمان حيادية اللجنة العليا للانتخابات، وإلزام السلطات بضرورة العمل على حيادية المال العام والوظيفة العامة والإعلام، ومنح اللجنة العليا سلطة مراقبة مستوى تنفيذ ذلك.

وفيما يتصل بموضوع تصحيح جداول الناخبين فعلى الأرجح أن تقوم اللجنة العليا للانتخابات (التي سيتم التوافق بشأنها) بتلك المهمة، لكنها حتماً لن تكون قادرة على إنجاز كامل المهمة في ما تبقى من الوقت، فهناك أكثر من ثلاثة ملايين اسم –بحسب المشترك- مطعون فيها، وحتى لو تم حذف بضعة آلاف من تلك الأسماء فإن التسجيل الجديد للانتخابات كفيل بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، ويبدو أن المشترك تراجع عن فكرة القائمة النسبية ولم يتحمس لها بالرغم من أنه عدها في السابق أحد أهم مفردات إصلاح المنظومة الانتخابية!! ربما فضل ترحيلها إلى إصلاحات مابعد الانتخابات، كما أن الموطن الانتخابي الثالث (ورقة الجيش) التي كانت محل نزاع شديد بين الجانبين حُسم لصالح المؤتمر (بقاء الوضع على ما هو عليه)، وبذلك يكون الملعب الانتخابي قد تهيأ بالنسبة للمشترك وبالحد الأدنى من المطالب!! وهو ما صار يفرض عليه بالتالي قبول نتائج الانتخابات القادمة كيفما كانت وعدم التذرع بغياب شروط الحد الأدنى من نزاهة العملية الانتخابية التي قبل بمحض إرادته المنافسة فيها بتلك الشروط.

أحد النجاحات الأخرى التي حققها المشترك على طريق التهيئة والإعداد للانتخابات الخروج بأمر خطي من رئيس الجمهوري بإطلاق المعتقلين على ذمة الحراك السياسي، وهو أحد شروط المشترك لدخوله العملية الانتخابية المقبلة، الإنجاز الذي حققه المشترك لايمكن في القرار السياسي (بإطلاق المعتقلين الذي استطاع انتزاعه من الرئيس فحسب بل في كونه أيضاً عرى النظام وكشف حقيقة غياب مؤسساته لصالح حكم الفرد الذي يتأكد في كل يوم بأنه المسئول الأول والأخير، كل ما يجري داخل البلد ولا شأن لمؤسسات الدولة من أمن وقضاء وقانون ونواب ولا رأي لها في أي شيء سوى أن تلبي رغبات الحاكم وتضفي عليها الصبغة القانونية.

في المقابل فإن الحزب الحاكم بذل هو الآخر جهوداً كبيرة لتسوية الملعب الانتخابي لا بما يسمح بلعب نزيه ومتكافئ بين المتنافسين، ولكن بما يساعده على ضمان نصر محقق لأغلبية مريحة كما هي العادة من ذلك على سبيل المثال، وقف حرب صعدة للتفرغ لإدارة العملية الانتخابية ومواجهة أحزاب المشترك، إعلان ما يسمى بالتحالف الوطني الديمقراطي مع مجموعة الأحزاب الهامشية (أحزاب الموالاة) التي يراد لها أن تكون البديل عن أحزاب المشترك في البرلمان القادم.

علاوة على شق بعض الأحزاب وجرها إلى ذلك التحالف واستنساخ صحفها لتنضم إلى زفة المؤتمر الإعلامية...

بعض التيارات والجماعات التي عاشت لفترات طويلة تحت عباءته ومنهم الحوثيون أنفسهم، ومن ذلك أيضاً محاولته اللعب بورقة العلماء من خلال ما سمي بهيئة الفضيلة التي لم يكتب لها النجاح، والتي أريد منها إحداث تصدعات وانقسامات وخلافات داخل الإصلاح واللقاء المشترك.

أضف إلى ذلك فإن الحزب الحاكم أخذ يستغل أموال الضمان الاجتماعي لفرز الفقراء والمحتاجين وتصنيفهم ومن ثم إلحاقهم بكشوفات المؤتمر كناخبين ومؤيدين له مقابل حصولهم على أموال الضمان الزهيدة، وعلى الصعيد الخارجي فقد شرع المؤتمر في استجلاب الأموال الليبية عبر اجتماعات عقدت بين قيادتي الحزبين الحاكمين، وفي هذا السياق أيضاً تعمل الحكومة هذه الأيام على ابتزاز بعض دول الجوار من خلال تهديدات القاعدة وعملياتها الأخيرة بحضرموت والإيحاء لتلك الدول بأن خطر القاعدة يتجاوز الحدود اليمنية ليطالها في عقر دارها وهو ما يستدعي قيام تلك الدول بضخ المزيد من الأموال لمحاصرة ذلك الخطر والقضاء عليه.

العودة إلى مربع البداية

في خطوة مفاجئة وبذريعة عدم تقديم المشترك لأسماء أعضائه (المقترحين) في اللجنة العليا للانتخابات قام مجلس النواب بالتصويت على القانون النافذ (القديم) من قانون الانتخابات بعد أن كان المشترك قد توصل مع الرئيس إلى اتفاق حول بعض التعديلات التي كان من المفترض التصويت عليها في المجلس لتصير نافذة، وكانت كتلة المؤتمر (الأغلبية المريحة) قد انسحبت في وقت سابق احتجاجاً على تأخيره عملية التصويت على تلك التعديلات!!

ويبدو أن المؤتمر يحاول استدراك مايعتبره خطأ وقع فيه الرئيس حينما أصدر أمراً خطياً (حصل عليه المشترك) بإطلاق سراح المعتقلين على ذمة الحراك السياسي السلمي في الوقت الذي ينظر فيه القضاء في أمر هؤلاء المعتقلين، وكنوع من العقوبة ضد المشترك فقد سارع مجلس الأغلبية وبدون تردد إلى تمرير القانون السابق الخالي من التعديلات ليدبر قادة المشترك على العودة من جديد إلى طاولة الرئيس فيراجع حساباته معهم ويعدل بعض اتفاقاته وقراراته.

وبالطبع فإن خطوة كهذه –لو أن المؤتمر جاد فيها- تقطع الطريق تماماً أمام أية تفاهات أو اتفاقات بين المشترك والحزب الحاكم للمضي في طريق الانتخابات، وبمعنى آخر فإنها محاولة مكشوفة لدفع المشترك نحو المقاطعة، وربما يكون المؤتمر قد توصل إلى قناعة بعدم إشراك أحزاب اللقاء المشترك في الانتخابات والاكتفاء بما صار يعرف بالتحالف الوطني الديمقراطي الموالي له.

المشاركة بين مؤيد ومعارض

يعتقد المؤيدون لمبدأ مشاركة أحزاب المشترك في الانتخابات رغم عدم توافر الشروط الموضوعية لها بأن المقاطعة في المقابل لن تحقق ما يصبوا إليه المشترك من تغيير وإصلاح، وأن وجود المشترك في البرلمان ولو كأقلية خير من من غيابه بشك كلي، ثم إن البديل لعدم المشاركة هو دخول البلاد في أزمة سياسية ربما تتصاعد وتؤدي إلى نتائج غير مرغوبة وهو ماسيعكس نفسه بشكل سلبي على حالة المجتمع واستقراره، علاوة على أن الانتخابات هي التطبيق العملي لمبدأ النضال السلمي الذي يعمل المشترك من خلاله، وبدون المشاركة في الانتخابات يصير لا معنى لشعار النضال السلمي، فضلاً عن أنه لن يأخذ حقه من النمو والتطور والتجديد والانتقال بالجماهير إلى حالة الفعل الإيجابي المؤثر، ويؤمن هؤلاء بأن كل الخيارات البديلة لا يمكن أن تكون في مثل إيجابية المشاركة مهما كانت تلك البدائل.

في المقابل يرى المعارضون لمبدأ المشاركة في ظل عدم توفر الشروط الكافية لتحقيق فوز مؤكد بأن أية مشاركة هزيلة من المعارضة معناها منح المشروعية وحسب للحزب الحاكم وتكريس هيمنته واستمرار أغلبيته الكاسحة، وهو مايعني تأجيل الإصلاح والتغيير إلى أجل غير مسمى وبقاء الفساد واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، إضافة إلى القضاء على مبدأ التداول السلمي للسلطة وتكريس حكم الفرد وتهميش التعددية السياسية وإضعاف التجربة الديمقراطية وقتل الأمل في النفوس من إمكانية إحراز التغيير المطلوب عبر صندوق الاقتراع، ولذا لابد أن تكون المعارضة واثقة بإحراز نتائج مشرفة وإلا فالأفضل لها عدم المشاركة حتى لا تكون شاهد زور على عملية ديمقراطية ديكورية تؤسس لحكم أبدي يعمل على توظيف العملية الديمقراطية في تجذير نفسه وإقصاء الآخرين.


في السبت 23 أغسطس-آب 2008 07:58:30 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://www.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://www.marebpress.net/articles.php?id=4088