حسابات أمريكا واسرائيل المؤجلة مع الحوثيين
عبدالفتاح الحكيمي
عبدالفتاح الحكيمي
 

. ألتمس العذر لبعض اليمنيين البسطاء المنبهرين بمجرد وصول بضعة فرقعات صاروخية حوثية وبضعة طائرات مسيرة قد تكون وصلت أو لم تصل إلى تل أبيب مع حرب غزة.

وكان على عبدالملك الحوثي نفسه لعب دور حقيقي في معركة غزة حتى النهاية ليبدو منسجماً مع شعاراته المناهضة لأمريكا وإسرائيل , أو ترك الضحك على الناس في اليمن وغيرها كما ضحكت عليه إيران وحسن نصر الله. وقبل عنتريات دكّ قواعد اسرائيل وتل أبيب وضرب أساطيل أمريكا, فخلال تسع سنوات أسقط الحوثيون على رؤوس اليمنيين ولا يزالون هنا من مأرب إلى الجوف وتعز, حجة, والبيضاء, وشبوة وعدن أكثر من 1500 صاروخ متوسط وبعيد المدى ونحو 1000 طائرة مسيرة, وليست مجرد خمس أو عشر فقط تصدت لها البوارج الأمريكية والقُبّة الحَديدية, وَسَقَط مُعظمها في أرض خالية.

ومن يتساءل أين ذهب ضجيج ووعيد الحوثيين لأمريكا وإسرائيل ولماذا فقط ٥ أو ٧ صواريخ ومثلها طائرات مسيرة, وأين مخزونه الإستراتيجي وما هي وجهته القادمة, وماهي أهدافه المستقبلية, سيكتشف إن عبدالملك الحوثي وجماعته معذورون, لإنهم يَتَوَّسَّلُون الأسلحة الفتّاكة لمعركتهم الأساسية المستمرة في إبادة الشعب اليمني. وليعذرهم الأشقاء الفلسطينيون عن التقصير رغم تأكيد خالد مشعل إن مناوشات حزب الله وغيرهم غير كافية والمعركة تتطلب أكثر ??.

* فخ إيراني للحوثي *

عندما تنصَّلت إيران وحزب الله عن العهود والوعود تحملت جماعة الحوثي كمليشيات العواقب الأخطر بالنظر إلى موقع اليمن الجغرافي الحيوي للتجارة والملاحة الدولية وإمدادات النفط العالمية عبر البحر الأحمر وقناة السويس, والأمن العالمي.

هذه الجزئية هي نقطة قوة وضع الحوثيين (المؤقتة فقط) بالنسبة إلى جسامة الدور الخطير الذي قاموا به ليس لإسناد غزة عسكرياً بالقطع, ولكن لجهة تهديد المصالح الحيوية والإستراتيجية لأمريكا والغرب لصالح إيران فقط, مقابل هروب نصر الله وجماعته المتاخمين لحدود فلسطين مباشرة من عبئ المواجهة العسكرية وإطلاق صواريخ ردع حقيقية بأقل من مدى وكلفة الكروز التى زعم أولياء صعدة إطلاقها, وبفاعلية أكبر. لدى الحوثيين ترسانة ضخمة من مخزون الصواريخ الباليستية الإيرانية والطائرات المسيرة قال عنها الصهاينة إنها أفضل من ما توفر لحزب الله) لكنها لا تعكس حجم قدراتهم الحقيقية في دعم كفاح وجهاد فلسطين, حيث انتظر الناس من الحَوَثة المزيد وليس الدعاية الرَّغَوِيَّة كما هو حال حزب الله وإيران التي أوعزت لأدواتها العراقية بضرب قاعدة أمريكية في سوريا فقط بعد تعرض قاعدة للحرس الثوري في دمشق لهجوم أمريكي في إطار مناوشات تقليدية تحدث منذ سنوات بين الطرفين, ولاعلاقة لها بمجازر غزة.

تَخَفَّى الإيرانيون وحزب حسن نصر الله واختفوا وراء طَيش الحوثيين ورعونتهم بإسناد إطلاق الكروزات من مناطق سيطرتهم, لتظهر مليشيات نصر الله أقل خطراً على الكيان الصهيوني من الحوثيين الذين بلعوا الطعم تحت نشوة وسَكْرة الإعلام الدولي الذي تناقل أخبارهم.

لو كانت مشاركة الحوثيين في جهد الدفاع عن غزة بالحدود المعقولة أو بشرب الكأس حتى النهاية لبَهَروا العالم كله وليس اليمنيين والعرب والمسلمين.

*تأجيل الرد على الحوثيين *  

كان رد قوات الإحتلال الصهيوني الأمريكي على مقذوفات حزب الله والحشد العراقي وصواريخ سوريا المباشر بعمليات أكبر وأعنف في وقتها, فيما نجح عبدالملك الحوثي وجماعته (مؤقتاً فقط) بتجنب ردود الأفعال العسكرية المشابهة إزاء مناوشاتهم أكثر من غيرهم عبر لعبة خلط الأوراق والرهان على مخاوف أمريكا وتحاشيها حالياً ردود فعل متهورة من شأنها تعطيل خطوط التجارة والملاحة الدولية ومصالحها الإستراتيجية والحيوية في باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

فتأجيل الرد الأمريكي الإسرائيلي لا يعني اعطاء اعتبارات لقدرات الحوثيين(الإيرانية العسكرية) من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة, وإنما لتجنيب مصالح أمريكا والغرب التجاربة حالياً أضرار الإنسياب والعوائق الأمنية في البحر الأحمر وقناة السويس.

وظهر جلياً إن اسرائيل وأمريكا بدأوا يُعِدُّون العُدَّة لمخطط أكبر وأشمل لا يكتفي بتوجيه ضربات مضادة إلى مصادر إطلاق الصواريخ الحوثية كما يفعلون مع حزب الله وسوريا والعرااقيين حالياً, لكن مؤشرات ذلك في رغبة اسرائيل إلى جر الدول العربية المطلة والقريبة من البحر الأحمر إلى تحالف وتعاون عسكري أوسع لاحقاً ضد تهديدات الحَوَثة كما نفهم ذلك من محاولة التحريش الصهيونية بين مصر والحوثيين, واتهام الأخير بالوقوف وراء إطلاق طائرة مسيرة لضرب معبر رفح كمقدمة لما بعده في جر مصر وغيرها لتصفية حساباتها معهم, خصوصاً بعد إشاعة الحوثيين قبل يومين مزاعم ضرب قاعدة عسكرية للمحتل الإسرائيلي في جزيرة دهلك الإريترية.

أضعف أهمية مشاركة الحوثيين المتأخرة في المناوشات العسكرية إنطلاقهم من حسابات غير يمنية ولا عربية لتصطدم بمعايير المصالح الإيرانية في المنطقة فقط وإبقاء قيادات الحوثيبن تحت السيطرة والتحكم والتبعية, واستغلال لافتة نصرة الشعب الفلسطيني للمزايدة بالقضية ودغدغة العواطف. وعلى عكس ذلك كان يمكن لمشاركة الحوثيين المُتحررة من التَّبعية للأجنبي إحداث معادلة ردع حقيقية ضد الإحتلال الصهيوني ومجازره الدموية والإبادة الجماعية لإخوتنا في الدين والإنسانية من اليوم الأول للمعركة وليس صاروخ يتيم هنا أو هناك في اللحظات الفارقة بعد إحراز المقاومة الوطنية-الإسلامية الفلسطينية إنتصاراتها الساحقة والتطفل عليها.

كان لأي إسناد عسكري حقيقي ومعقول من تجار مُسمّى محور المقاومة والممانعة تحرير الأقصى وفلسطين كلها من المجرمين الغاصبين وليس نعيق هؤلاء فقط ومطالبتهم بإعادة خدمات المياه والصرف الصحي والمعونات الغذائية, فالثمن الذي دفعه الفلسطينيون الأُباة الشُّرفاء الأطهار بعشرات آلاف القتلى والجرحى في منازلة واحدة فقط لا يوهب بسخاء إلَّا في معركة تحرير ملحمية كبرى, وليس لتبادل الأسرى ووقف إطلاق نار انتحاري دون ثمن بحجم أرض وكرامة ووطن. هل كانت مقذوفات حزب الله والحشد العراقي و الحوثي في مستوى ذلك أم إسقاط واجب ودعاية مضللة للناس, ومن يعتبرون فرقعة عابرة هنا أو هناك هي حرب تحرير المقدسات والكرامة. ما الذي حققه حزب حسن نصر من تقديم ٥٠ ضحية لبنانية بزعم إرباك الجيش الصهيوني بمناوشات عبثية, لماذا لم تستهدف صواريخ جنوب لبنان تل أبيب ومصالح المحتل الحيوية وأولئك الضحايا أصحاب الحق الفلسطيني يذبحون بالآلاف يوميا بدم بارد, وهناك من يستثمر دعائياً على هامش المأساة والكارثة البشعة. ومثلما تخلى حزب الله وإيران ومليشيات العراق عن نصرة الفلسطينيين في أبشع مجازر ومذابح تعرضوا لها طوال تاريخهم سوف يتخلون ببرود عن مليشيات الحوثي لحماية مصالحهم حال قيام أمريكا وإسرائيل ومعهم بريطانيا وألمانيا بتوجيه ضربات عسكرية منسقة ومؤلمة لمليشيات صعدة.. وسيدرك زعيم الحوثيين متأخراً وقتها إن الصواريخ والطائرات المسيرة التي يُوَفِّرها لإبادة وتنكيل الشعب اليمني وضرب بها من قبل موانئ تصدير النفط والغاز في شبوة وحضرموت وحرم الموظفين والعسكريين من أدنى متطلباتهم المعيشية كان أولى به التكفير بها عن فضائعه لنصرة الفلسطينين المستضعفين بعمل كبير لائق ومشَرِّف بمستوى معركة غزة المصيرية لا بمجاراة ابتزاز إيران ومناوراتها بقضايا العرب والمسلمين لتعتاش من تعليقها إلى أبد الآبدين دون حسم.


في الأحد 29 أكتوبر-تشرين الأول 2023 07:09:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://www.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://www.marebpress.net/articles.php?id=46617