|
نجحت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد في جعل الدول الأكثر تأثيرا في محيطها تبشر باستراتيجية باراك أوباما في أفغانستان وتتبناها إلى حد كبير حيث اعتبر عدد من زعماء دول مجموعة العشرين والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي أن ما يدعو إليه أوباما يعد فتحا لصفحة جديدة من الحرب على القاعدة وطالبان وأن هذه الاستراتيجية الغير مسبوقة قد تؤتي ثمارها بتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان عبر ملاحقة الإهاربيين في ملاذاتهم الآمنة على الحدود مع باكستان ودعم خطط التنمية وبناء قوات الشرطة الأفغانية ومكافحة الفساد المتفشي في حكومة كابل الضعيفة.
تكثيف الرئيس أوباما الحديث بشأن استراتيجية الخروج من أفغانستان لا الاستعمار في أكثر من مناسبة جعل قمة حلف شمال الأطلسي تسمى بامتياز قمة الحرب في أفغانستان وباكستان ، فلقد بدت قناعات الرئيس الأسود في " إعلان القمة حول أفغانستان " وفي أغلب تصريحات القادة إلى درجة أن بعضهم استخدم عبارات أوباما نفسها في وصف الوضع المتفجر في أفغانستان وواجبات المجتمع الدولي تجاه السيطرة عليه ، واعتبرت أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي أن حلف "النيتو" يقود حربا تاريخية ويجب أن ينتصر فيها فهي المحك الرئيسي لإظهار قوته وتماسكه وفي حال فشل في أخطر مكان في العالم فإن الأمن العالمي سيكون معرضا للخطر .
تضع استراتيجة أوباما الجديدة باكستان في قلب المعركة الدموية غير المنتهية مع طالبان والقاعدة حيث أصبحت إسلام آباد في مواجهة مباشرة وشرسة مع رجال القبائل والجماعات الدينية المؤيدة لطالبان وقد خلق ذلك الوضع أجواء من العنف المضطرد الذي قد يقود إلى نشوب حرب أهلية تعم أرجاء باكستان لاسمح الله، ورغم الهجمات الضارية التي يشنها الجيش الباكستاني في مناطق القبائل ووادي سوات إلا أن مسؤولين كبار بوزارة الدفاع الأمريكية لايزالون يتهمون الاستخبارات العسكرية الباكستانية بدعم مقاتلي طالبان والقاعدة بعد أن أبدى مسؤولون باكستانيون معارضتهم قصف الطائرات الأمريكية لمناطق وقرى مأهولة بالسكان بحجة ضرب المخابئ الآمنة على الحدود الباكستانية الأفغانية وهذا الوضع يعكس موقف الحكومة الباكستانية الهش فلا هي ارتقت إلى مستوى الحليف الاستراتيجي في مكافحة الارهاب ولا هي وقفت إلى جانب شعبها الرافض لأن تكون أراضيه ساحة لحرب الآخرين .
العنصر القديم الجديد في استراتيجية أوباما هو الدعوة إلى تشكيل مجموعة اتصال من أجل أفغانستان وباكستان تضم كلا من إيران ودول الخليج ودول آسيا الوسطى أي أن الأمريكيين يتوجهون لكل من ساهم في إخراج روسيا من أفغانستان وقدم دعما كبيرا لإسقاط حركة طالبان وهذا ربما يوضح سبب بدء الاتصالات بين واشنطن وطهران لبدء عهد جديد من العلاقات وحل الملف الإيراني بالوسائل الدبلوماسية.
أراد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تأتي استراتيجيتة محددة الأهداف واضحة الرؤى بعيدة عن الشعارات الفضفاضة التي كان يطلقها سلفه جورج بوش من مثل تحكيم الديمقراطية وتحقيق الحرية والرفاهية للشعب الأفغاني والنتيجة أنه بعد ثمان سنوات لايزال الأفغان يعيشون حياة بائسة ممزوجة بالجوع والخوف ، وهذا مالم يخض فيه أوباما إذ جعل الهدف الرئيسي القضاء على من وصفهم بالسرطان تنظيم القاعدة وطالبان ، لكن القضاء على هذا السرطان لن يكون عسكريا فحسب لأن الخيار العسكري ثبت فشله رغم وجود أكثر من ستين ألف جندي من حلف الناتو وآلافا أخرى تستعد للانضمام إلى ميدان المعركة ، ولذلك يرى أوباما أن تعزيز قدرات الاقتصاد الأفغاني بخمسة مليارات دولار على مدى خمس سنوات وتعزيز القوات الأفغانية ليبلغ عددها 400 ألف رجل وتدريبها تدريبا متطورا يمكنها من حماية بلدها ونشر مئات المدنيين الأجانب في البلاد للقيام بعمليات تدريب الأفغان على إدراة شؤون دولتهم وفي المقابل زيادة المساعدات لباكستان بسبعة مليارات ونصف على مدى خمس سنوات لتحفيز إسلام آباد على الانخراط بشكل كامل في خطة تعطيل وتفكيك القاعدة وطالبان ومنعهما من العودة في المستقبل إلى أي بلد.
وفي مقابل استراتيجية الصالونات المكيفة تبرز استراتيجية الكهوف حيث تقول المخابرات الأمريكية إن قادة طالبان في باكستان وأفغانستان اتفقوا على دفن خلافاتهم وتوحيد قوتهم استعدادا لمواجهة القوات الأمريكية الإضافية وأن عددا من قادة القاعدة الجدد الأصغر سنا يستعدون لتكثيف هجمات بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة لاستقبال القادمين من دول حلف النيتو وأن التحالف بين طالبان باكستان وأفغانستان تعزز بعد اقناع الملا محمد عمر لقادة طالبان باكستان بتركيز اهتمامهم على أفغانستان.
ورغم أن استراتيجية أوباما تتبنى سياسة العصى والجزرة عبر المزج بين الحل العسكري والسياسي إلا أنه لاتوجد إشارات واضحة لحوار قد يجري حتى مع معتدلين من طالبان الذين يتبنون خيار جدولة الانسحاب من أفغانستان مما يعني أن الذهاب إلى عمق المشكلة لايزال بعيدا وأن السعي للتوفيق بين تناقضات الواقع الأفغاني والباكستاني المعقد والمحيط الإقليمي والدولي قد يجعل استراتيجية الخروج استراتيجية بقاء يسلمها أوباما لمن يأتي بعده في حين تتدحرج كرة الثلج لتصنع ربما حرب فييتنام جديدة.
M_hemyari_y@yahoo.com
في الأربعاء 15 إبريل-نيسان 2009 09:16:35 م