حرمان من العيش الكريم واتجاه إجباري نحو الأمية

الأحد 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 الساعة 12 صباحاً / حجة- مأرب برس- خاص- استطلاع/ علي حسن:
عدد القراءات 15752

إلى الشمال من مركز محافظة حجة ومن وسط الوديان مضينا نشق طريقنا إلى منطقة جبل حرام بمديرية الشاهل، حيث تكتوي الناس آلام الفقر وضنك العيش، وما أن اقتربنا حتى استقبلتنا جبال المنطقة الشاهقة التي تتربع عليها قرى (جبل حرام) والتي تحدها من الشرق مديرية المغربة ومن الجنوب مديريتا مبين وكعيدنه ومن الشمال مديرية المحابشة، وتحيطها الوديان من ثلاث جوانب, إلى جانب ذلك فالمنطقة تتبع مديرية الشاهل إدارياً ومديرية الجميمة نيابياً.

رحلة شيقة ومضنية في قرى جبل حرام, ولعلنا بلسان حالها وهو يقول: إن الثورة التي يُتغنى بخيراتها لم تدخل إلى هنا.

دعوة للأخ الرئيس لزيارة المنطقة

كان انطلاقنا برفقة أحد وجهاء العزلة ناصر جهلان – تربوي على وجهه تجاعيد الألم والحرقة على منطقته التي يحلم أن يراها يوما كغيرها من القرى والمناطق والعزل التي تنعم بخيرات الوحدة والثورة.

إصراره العجيب على نزولنا إلى منطقته لإجراء استطلاع حول أوضاع الناس المعيشية جعلني أشفق لحاله وحال منطقته قبل أن أراها. ذهبنا سويا مع شاب لطيف اسمه عبد القوي حفيظ سائق السيارة, الذي ترجاني أن أرسل مناشدته إلى رئيس الجمهورية, عبر "مأرب برس" ليزور عزلة جبل حرام بمديرية الشاهل "لعله يشفق لحالنا ووضعنا المأساوي".

وصلنا إلى العزلة فتذكرت ذلك الإصرار العجيب الذي أصره جهلان في النزول إلى تلك العزلة لمعرفة حجم المعاناة والبؤس والحرمان والفقر الذي يطحن أبناءها.

بين خمس مديريات

تحيط بقرية جبل حرام خمس مديريات من كل الجهات, وتتبع مديرية الشاهل إداريا ومديرية الجميمة نيابيا. استقبلنا أهلها وأطفالها وعلى وجوههم البؤس والإرهاق واليأس, كما استقبلنا شيخها علي صالح جهلان الذي استمتعنا بالجلوس معه للحديث حول العزلة, فحكا لنا ضياعا وحرمانا وفقرا مدقعا طحن الناس وشردهم وهجرهم إلى المديريات والمحافظات الأخرى كما حكا لنا غيابا تاما لبصمات الدولة في عزلته إذ لا يوجد أي شيء من الخدمات الحكومية ابتداء من المبنى المدرسي, باستثناء مبنى مدرسي واحد للصفوف الأساسية فقط, كما أن شربة ماء نقية تكاد أن تكون معدومة, ناهيك عن انعدام الخدمات الصحية ما عدا الفتات من الأدوية لأحد الشباب الذي اتخذ من أحد فصول المدرسة مخزنا لأدويته, ويفد إليه أبناء المنطقة عند الأزمات واشتداد المرض, أما الكهرباء فيكفيهم مشاهدتها من مركز المديرية والمناطق الأخرى, فهم كما وصفهم الشيخ إبراهيم عساج أحد مشائخ المنطقة- عزلة جبل حرام الشاهل, "أشبه بجزء من الصحراء الكبرى في المغرب العربي من حيث التهميش وغياب الخدمات وفقر أبناء العزلة ورداءة الجانب التعليمي وغياب لتوجد الدولة".

شبح الفقر.. قصص مؤلمة

الكثير من الأسر في تلك العزلة يطحنها الفقر والعوز المادي والفاقة وقلة المصادر التي يجلبون منها أرزاقهم, فالمواطن على ناصر أحمد مثالا لمواطن يمني مثله مثل غيره من أبناء المنطقة فرض عليهم الواقع المزري ليظل رهينة بيته لعله يجد فرجا أو ما يسد به رمق أولاده من الجوع وحتى لا يدع أولاده يتسكعون أو يمدون أيديهم إلى أحد بالرغم من أن اثنين من أولاده في عمر الحادية عشرة والآخر في السابعة فهو على حد قوله يخاف عليهم من الخروج إلى مناطق أخرى لجلب مصدر الرزق إلا أنهم اضطروا لترك الدراسة وهم في الصف الخامس والذهاب إلى عزل أخرى وإلى الغربة لإعانة والدهم في البحث عن لقمة العيش أو ما يسدون به جوعهم.

كما أن الواقع أجبره م على ترك منزلهم القديم الذي كاد يسقط على رؤوسهم للخروج إلى أحد البرك القديمة المفتوحة يتخذها سكنا ومقرا له ولأولاده التسعة, ليكن بذلك الحال عرضة هو وأولاده لجرف السيول والأمطار.

مثال آخر من حياة البؤس والنكبات في تلك العزلة للمواطن عبد الله محسن جهلان الذي صارع الفقر منذ طفولته, درس إلى الصف الثامن من ثم ترك الدراسة شأنه شأن غيره من الطلاب في تلك العزلة الذين يصلون إلى المرحلة الأساسية ومن ثم يتركون الدراسة والفرار للبحث عن لقمة العيش لعله يعيل أسرته ويسد رمقهم من الجوع.

اغترب عبد الله كثيرا عن منطقته وعن أسرته وكابد كثيرا حتى استطاع أن يتزوج ليترك بذلك ديونا كثيرة لوالد زوجته وغيره من الناس, لينطلق بعدها للغربة بالمملكة العربية السعودية, وهناك أنهى مشوار الطريق إلى المجهول, فبعد أسبوع من سفره شاءت الأقدار أن يحصده الموت في حادث انقلاب أثناء مطاردة الشرطة السعودية له تاركا خلفه أسرته المنكوبة والمطحونة بالفقر لتزداد بذلك ضربة موجعة من ضربات الحزن والقهر.

الجانب الصحي بالعزلة.. أمراض أخطرها الشلل

وكما يؤكد عضو المجلس المحلي بالمديرية عادل أحمد جعفر, فإن أوضاع الجانب الصحي بالمنطقة متدن إلى أبعد الحدود, ونتيجة للفقر الذي يعاني منه المواطنون فقد انعكس ذلك على أوضاعهم الصحية حيث انتشرت بينهم الأمراض والتي من أشدها وأخطرها حالات الشلل التي يعاني منها بعض أفراد المنطقة ما بين أطفال وشيوخ.

وعند سؤالنا عن سبب عدم ذهابهم للمستشفيات؟ أجاب أهل المنطقة "لا نستطيع", حتى أن أحدهم, وكما وصف الكثير من أبناء المنطقة, يظل يصاحب المرض حتى يتوفاه الأجل, وإضافة إلى الشلل فمرض الملاريا تعاني منه المنطقة أيضا. رأينا انتشار حالات التيفوئيد التي يُستعصى علاجها؛ وانتشار البعوض, إذ الكثير من الأطفال بدأ على أجسادهم أمثال الطفح الجلدي نتيجة للسع البعوض. أضف إلى ذلك إصابة الأطفال والشيوخ والنساء بأمراض أخرى كأمراض الكبد والإسهال وغيرها من الأمراض.

عبد الله العضهي- طبيب, ناشد المجلس المحلي بالمديرية النظر إلى عزلة جبل حرام لإغاثة أبنائها وبناء وحدة صحية لها كونها من أهم العزل المحتاجة للجانب الصحي والعلاجات لبعدها الجغرافي.

الجميع "نحو الأمية"

ربما استبدل شعار "محو الأمية" بـ"نحو الأمية". فالأخير قد يبدو مناسبا لوصف الوضع التعليمي في جبل حرام، حيث تعشعش الأمية بين من هم ملتحقين بالمدارس وغير الملتحقين، والتي تعود أسبابها إلى كثير من العوامل, من أهمها كما يؤكد عضو محلي المديرية "جعفر": قلة المباني المدرسية, وكذا قلة الكادر التدريسي من المعلمين حيث تجد مدرساً واحداً يدرس ستة إلى سبعة فصول مع وجود نقص في الكتاب المدرسي وغيرها من جوانب تدني التعليم، ومن أبرز مظاهر انتشار الجهل بين الناس في المنطقة أن همهم الأول والأخير جلب لقمة العيش فقط أما الجوانب الأخرى كالتعليم أو غيرها إذا درس الطالب فلا يكمل دراسته بل أغلب الطلاب يتركون الدراسة ويذهبون للبحث عن لقمة العيش وشربة الماء التي أصبحت عقبة أمام رب البيت في ظل ارتفاع قيمة (الوايت الماء) لمبالغ باهظة وصلت لأكثر من خمسة عشر ألف ريال, للواحد.

طلاب جامعيون تركوا الدراسة

ويواصل مدير المدرسة حديثه عن طلاب الجامعة الذين التحقوا بالدراسات الجامعية حيث تركوا الدراسة وهم في سنوات الدارسة في الجامعة بسبب فقر أسرهم, ومنهم:

ياسر يحيى صالح جهلان- تخصص أحياء – مستوى رابع, ترك الدراسة في السنة الرابعة ليذهب بعدها لطلب الرزق.

فواز حسن صالح جهلان – تخصص فيزياء – مستوى ثاني, ترك الدراسة وهو في المستوى الثاني منذ سبع سنوات بسبب العوز المادي والفقر الذي لحق بأسرته.

حسن على حسن أبو عساج – تخصص جغرافيا – مستوى ثالث, ترك الدارسة منذ عشر سنوات بسبب الظروف المعيشية السيئة.

ناصر زيد جهلان – تخصص لغة عربية – مستوى أول, ترك الدراسة منذ أربع سنوات.

وهؤلاء هم الطلاب الجامعيون الذين استطاعوا أن يصلوا إلى الجامعات, لكن شبح الفقر لاحقهم حتى وهم في الجامعة, ولم يجدوا من يمد لهم يد العون للمواصلة فاضطروا أن يتر كوا الدراسة والذهاب في طلب المعيشة لإعالة أسرهم الفقيرة, وبهذا نجد أن الجانب التعليمي في المنطقة لا يتجاوز 4%, أما المدرسون في المنطقة والمتعلمون الجامعيون فيكاد أن يكونوا بعدد الأصابع. هذا هو الوضع التعليمي بالمنطقة.

مأساة البحث عن شربة ماء

أما المياه فهي المأساة الحقيقة التي يعاني منها أبناء المنطقة أشد ال م عانة, حيث تكاد أن تكون معدومة, حتى أن الزائر للمنطقة يستغرب من أين يأتي أبناؤها بالماء, المصدر الحيو ي الذي لا تستطيع أن تقوم الحياة إلا به؟ إذ أن جل اعتماد أبناء المنطقة في الماء ينحصر على البرك وما جادت به الأمطار فقط, وبغير ذلك لا يوجد لهم أي مصدر للماء. والشيء المحبط أنك ترى النساء وهن يحملن على رؤوسهن وفي أيديهن حافظات الماء (دبّات) طيلة اليوم, ويسافرن من أجل ذلك مسافات طو يلة. وأحياناً ينتظر أهل المنطقة ناقلات الماء التي تأتي إلى المنطقة؛ لري القات, وإذا بهم يتجمعون عليها كالفريسة لعلهم يروون عطشهم, وهكذا تستمر المعاناة.

أضف إلى ذلك فإن الماشية والحيوانات هلكت وانتهت؛ لانعدام الماء. وكما يروي أبناء المنطقة فإنه كانت لهم الكثير من الأغنام والأبقار وغيرها انتهت بسبب الماء.

هذه هي معاناة الماء التي يتجرعها أبناء المنطقة, إضافة إلى ذلك الجدب وقلة الأمطار التي تعاني منها العزلة منذ سنوات, أما الكهرباء فلا يحلم بها أبناء المنطقة أبدا؛ إذ أنهم يعيشون على ضوء السراجات التي كانت في العصور الأولى, بل إن الكثير من الأسر لا تملك حتى تلك السراجات بتاتا بل إنها تعيش في ظلام دامس طيلة حياتها.

باستثناء الصندوق الاجتماعي.. لا وجود للمؤسسات

لا يعرف أبناء المنطقة من مؤسسات الدولة قاطبة سوى الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي ترك بصماته في العزلة بالاهتمام بالكثير من المجالات الخدمية, ومنها الطرقات التي استطاع الصندوق أن يصنع فيها شيئا كبناء الجدران الساندة لها وحمايتها من السيول وغير ذلك, ليؤمن الناس أثناء مرورهم منها, إلا أن تلك الجدران, كما يصفها المقاول, لا تلامس الألم ولا تسمن ولا تغني من جوع, فهي بحاجة إلى اهتمام أكثر إذ أنها معرضة لجرف السيول أو التهدم, ناهيك عن تشققها وبنائها على طول الطريق في أماكن متفرقة.

ويناشد أبناء المنطقة الصندوق الاجتماعي بالاهتمام بتلك الجدران الساندة, وبنائها على طول الطريق, خاصة الطرق التي في الجبل وممراتها الضيقة. كما يناشدون أيضا النزول للإشراف على تلك الطرق لعلهم يرقُّوا لأبناء المنطقة ففي وعورتها وبعدها الجغرافي عن مركز المديرية. وإضافة إلى ذلك, أنزل الصندوق مناقصة لمدرسة ووحدة صحية, إلا أن المساهمة التي أنزلها, أيضا, على أبناء العزلة من باب التعاون مع الصندوق شكلت مشقة عليهم؛ لفقرهم وعوزهم المادي وقلة مصادرهم ودخلهم, ومن ذلك فإنهم يناشدون إدارة الصندوق التخفيف عليهم من تلك المساهمة, كإيجاد إيجار النقل للحجر الذي كلّف به أبناء العزلة؛ نظرا لأن المنطقة بحاجة إلى تلك المدرسة والوحدة الصحية أكثر من غيرها. وبالمقابل فإن أبناء المنطقة يوجهون شكرهم لإدارة الصندوق على اهتمامها بمنطقتهم, والتخفيف من أعباء الناس ومعاناتهم, وإيجاد بعض الخدمات الحيوية لهم.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن