المؤتمر الشعبي العام يستعيد قراره بعد عقد ونصف من الزمن ,, والإصلاح الأقل تمثيلاً في الحقائب الوزارية

الجمعة 02 ديسمبر-كانون الأول 2011 الساعة 10 مساءً / مأرب برس- عارف العمري
عدد القراءات 28927
 
 

اليمن بلد المفارقات أو هكذا يبدوا انها ستكون, وهي بلد العجايب التي لاتنتهي, فبينما ينشعل الساسة في العاصمة صنعاء بتقسيم الحقائب الوزارية بين المؤتمر الشعبي العام والمعارضة, يقصف النظام العائلي محافظة تعز ليحيل الحالمة المدينة الجميلة إلى مدينة رعب واشباح, يقتل النساء دون رادع, تقتلع مدافعة رؤؤس الأطفال, وينتزع هدير رشاشاته الأمان من قلوب الآمنين, وتسجل معدلات النمو انخفاضاً متسارعاً في مدينة تعز مع كل قذيفة بارود تقلق سكينته المدينة, فتسقط الأجنة من بطون الأمهات, باحثة عن مكان أكثر هدوء, وعالم أخر لاتنتزع الرحمة من قلوب ساكنيه كما انتزعت من قلب قيران والعوبلي وضبعان.

هناك تعز وهنا أرحب وبينهما مسافات تكتسي بلون الدم,تخيف السامع وتبكي الناظر, وان كان مشهد دماج والمكبرين قد طغى هو الأخر على القتل والدمار الذي تشهده الساحات والقبائل المؤيدة للثورة, الا انه مشهد مشوب بتوجس وحذر من قبل اولوا العلم والدراية في مجال السياسية, وهو ليس إلا ساحة لتصفية حسابات إقليمية, الخاسر الوحيد فيها صعدة وابناء صعدة, والمستفيد منها طرفي النزاع داخلياً وخارجياً.

حكومة وفاق بأغلبية مؤتمرية

قضت المبادرة الخليجية على ان يتم تشكيل حكومة وفاق وطني مناصفة بين المؤتمر والمعارضة, وهي مبادرة شكلت في مجملها مخرج طوارئ لنظام مترهل, لم يكن بينه وبين السقوط المدوي على غرار النموذج الليبي سواء أن يرفع المجتمع الدولي الغطاء عنه, وهو الأمر الذي فطن له صالح مؤخراً بعد أن أبدى المجتمع الدولي – العين الحمراء – لنظام صالح, وهي فرصة ذهبية استغلها المؤتمر ليحافظ على وجوده ويستطيع ان يمتلك قراره بعد ان ظل طيلة عقوداً من الزمن لايمتلك القرار, وظل الرجل الاسطوره هو المؤتمر, وهو من يتحكم بكل قرارته التنظيمية, وليس لأعضائه إلا السمع والطاعة في مقابل حفنة من الريالات التي تستخدم لترضية هذا أو ذاك.

يبدوا ان المعارضة وتحديداً أحزاب اللقاء المشترك هي الأقل تمثيلاً في حكومة الوفاق, التي فاز المؤتمر فيها بنصيب الاسد, وكان له الحظ الاوفر في عدد مقاعدها.

فالمشترك اليوم لم يعد وحده في المعارضة اذ ان ثورة الشباب التي انطلقت في شهر فبراير قد جعلت السواد الاعظم من الشعب ينظوي تحت لافتة المعارضة لنظام صالح, ومن اولئك المنضويين في ركاب الثورة وتكتل المعارضة اعضاء سابقين في اللجنة العامة بالمؤتمر الشعبي العام, وبالتالي فان المشترك سيجد نفسه اليوم امام موقف محرج مع شركاء الثورة فهناك الحوثيين الذين يطمحون بتمثيل لهم في الحكومة, وهناك الحراكيين الذين هجروا شعارات الانفصال ونادوا برحيل النظام, وهناك السلك الدبلوماسي الذي يضم سفراء ووزراء قدموا استقالتهم من الحكومة بانتظار تعيينات لهم في حكومة الوفاق, وهناك القبائل التي انضمت للثورة, وهناك شباب الساحات, بالإضافة إلى أحزاب كانت ضمن أحزاب التحالف الوطني فالتحقت بركب الثورة, وهناك مجالس أخرى كمجلس التضامن الذي يرأسه الشيخ حسين الاحمر, واللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي يرأسها محمد سالم باسندوه.

المشترك امام اختبار حقيقي يريد ان يثبت من خلاله انفتاحه على الجميع وقبوله بكافة الاطياف التي وقفت معه في مهمة اقتلاع صالح من دار الرئاسة, وفي المقابل يبدوا المؤتمر في موقف متفرد فهو الحزب الذي انفرد بالسلطة ثلاثة عشر عاما وعمل خلالها على اقصاء شركاء الوحدة والسياسية واحداً تلو الأخر, وبالتالي فانه لاتوجد لديه مشكلة في تسمية أعضائه في الحكومة.

حزب الإصلاح وهو الرقم الصعب في العمل السياسي , والعنصر الفاعل في مسيرة الثورة يبدو انه سيكون اقل تمثيلاً في الحكومة من نظيره المؤتمر الشعبي العام , ولن تتجاوز حصة الإصلاح 10% من مقاعد حكومة الوفاق الوطني ,بينما المؤتمر الشعبي العام سيحظى بنصيب الأسد 50% .

لن يحرص الإصلاح على الاستحواذ على اكبر قدر من مقاعد الحكومة الجديدة لكنه سيكون الفيصل الذي تؤل إليه اغلب قرارات حكومة الوفاق الوطني, والمرحلة الحالية تستوجب على التجمع اليمني للإصلاح أن يفرد مساحة واسعة لشركائه السياسيين لعزل المؤتمر سياسياً, والمدة الزمنية التي ستشغلها حكومة الوفاق كفيلة بقصقصة أجنحة المؤتمر الشعبي العام, ليحظى الإصلاح في المستقبل البعيد بأغلبية مريحة تمكنه من تبني برامج اقتصادية على غرار برامج حزب العدالة والتنمية في تركيا.

باسندوه والاختبار صعب

يواجه باسندوه اختبار صعب في ظل انفلات امني على طول الوطن وعرضه, ووضع اقتصادي متدهور, وحالة سخط شعبي على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية, بينما يمثل بقاء الشباب في الساحات تحدٍ اخر لحكومة باسندوه.

ثمة تحدٍ اخر وهو تحدٍ مفتعل لاثارة الفوضى وارباك الحكومة القادمة في تادية مهامها, يتمثل في ان المستفيدين الذين بلغوا مرحلة الفطام المالي التي بدءت مع توقيع المبادرة الخليجية قد يثيرون النعرات هنا وهناك, ويشكلوا ميليشيات للاعتداء في بعض المرافق الحيوية, وقد تتلبس هذه الميليشيات بلباس القاعدة التي يمولها بعض الافراد الذين قد يجدوا انفسهم يوماً من الايام بعيداً عن صولجان الحكم ومراكز القوة والنفوذ.

نوايا افشال حكومة باسندوه بدءت مبكرة, قبل تقاسم الوزارات بين المؤتمر المعارضة حيث كشف قيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، عن خطة يجري الإعداد لها، على مستوى عالي، ويشرف عليها عدد من كبار مقربي الرئيس علي عبد الله صالح، بهدف إفشال مهام حكومة الوفاق الوطني، التي تعمل أحزاب اللقاء المشترك، على تشكيلها، لإدارة المرحلة الانتقالية، وفقا للمبادرة الخليجية.

الاجتماع الذي عقد يوم السبت الماضي بحضور كل من: قائد القوات الخاصة، طارق محمد عبد الله صالح، ورئيس المؤسسة الاقتصادية اليمنية، حافظ معياد، وسلطان البركاني رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام ومسئول الحراسة الخاصة بالقصر الجمهوري، محمد الفقيه، وأحمد الخطيب، من الحرس الرئاسي الخاص، ووزير الشباب والرياضة، عارف الزوكا، وعلي دويد، والمسئول المالي بوزارة الدفاع، عبد الله الكبودي، ورئيس المؤسسة الاقتصادية سابقا، علي الكحلاني، وشخصيات أخرى, اقر تشكيل قوة مضادةلحكومة الوفاق الوطني، من خلال تنظيم اعتصام دائم، للموالين للرئيس صالح، في أحد أهم الشوارع المهمة في وسط العاصمة صنعاء، وقال بأن شارع الزبيري كان على رأس هذه الشوارع التي من المقرر أن يتم تنظيم الاعتصام فيها.

وقد خصص اللقاء ميزانية قدرت بخمسة ملايين دولار، لتنفيذ هذه الخطة، أوضح بأن الهدف منها هو تنظيم أعمال شغب، وإثارة قلاقل ومشاكل أمام حكومة الوفاق الوطني، مشيرا إلى أنه تم مناقشة مقترح بأن يتم الاحتكاك بقوات الأمن بهدف إثارة فوضى، وتحميل الحكومة الجديدة مسؤولية هذه المشاكل، وتأليب الرأي العام ضد الحكومة الجديدة.

وياتي التحدي الثاني الذي يبدوا ظاهراً للعيان هو استمرار قصف المواطنين في ارحب ونهم من قبل معسكرات الحرس الجمهوري, اضافة الى قصف مدينة تعز وساحة الحرية بمختلف الاسلحة من قبل قوات الأمن والحرس واللواء 33, وهو الامر الذي دفع باسندوه الى ان يطلب من الرئيس بالإنابة عبدربه منصور هادي اصدار توجيهات علنية إلى القوات في محافظة تعز بالكف فورا عن ارتكاب المزيد من الجرائم بحق أبناء تعز , مهددا في الوقت ذاته بإعادة نظر المجلس الوطني في مواقفة بشان حكومة الوفاق التي أقرتها المبادرة الخليجية, ومتهماً الحزب الحاكم بالسعي لافشالها .

باسندوه تاريخ من النضال توج برئاسة حكومة الوفاق

محمد سالم باسندوه الذي يقرن البعض تاريخه بتاريخ رئيس الوزراء الأسبق نظيف اليد واللسان فرج بن غانم, والرئيس الراحل الذي لم يحالفه الحظ في الصعود إلى منصة كرسي الرئاسة المرحوم المهندس فيصل بن شملان, بين هاتان الشخصيتان الذي يقف الشعب اليمني بطوله وعرضه وشماله وجنوبه أمامها نظره إجلال وإكبار نظراً لما يتميز به تاريخهما من مواقف مشرفة, لم تغيرها بريق الدولارات, ولا صفقات الفساد المشؤمة, يأتي محمد سالم باسندوه ليكون رديف تاريخ عريق عاشته اليمن لعقود طويلة من الزمن .

باسندوه الذي يعيش في العاصمة صنعاء منذ استقلال الجنوب اليمني عام 1967م , نزح إلى العاصمة صنعاء خوفاً من بطش الجبهة القومية التي أصبحت فيما بعد تتخذ من اسم الحزب الاشتراكي شعاراً لها, وفي عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني عين وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية والشباب في الحكومة التي تولى رئاستها الدكتور حسن مكي , والتي أعلن عن تشكليها في 3 مارس عام 1974م.. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تنشأ فيها وزارة للعمل والشئون الاجتماعية والشباب، إذ كانت توجد من قبل مصلحة للشئون الاجتماعية والعمل، ومجلس أعلى للشباب.. لكن لم تعمر تلك الحكومة سوى ثلاثة أشهر وعشرة أيام , حتى وجد باسندوه نفسه أمام حكومة الانقلاب الأبيض التي قادها الرئيس الناصري إبراهيم الحمدي , وماهي إلا أيام حتى استقرت الحكومة الجديدة في صنعاء فصدر المرسوم الجمهوري بتكليف عبد العزيز عبد الغني برئاسة الحكومة الجديدة , وتم تعيين باسندوه حينها مستشاراً سياسياً لرئيس مجلس القيادة ووزير الدولة , فبقي باسندوه محتفظ بمنصبه هذا حتى شهر أبريل عام 1976م, وبعدها تم تعيينه وزيراً للتنمية ورئيساً للجهاز المركزي للتخطيط.. وإثر استشهاد الرئيس الحمدي، قام عبدالعزيز عبدالغني بتشكيل حكومته الثانية فاحتفظ باسندوه فيها بنفس المنصب الوزاري.. وبقي وزيراً للتخطيط طيلة عهد الرئيس الراحل العقيد احمد حسين الغشمي، كما ظلل في الموقع نفسه بعد تسلم الرئيس علي عبدالله صالح سدة الحكم إلى أن عين بموجب تعديل حكومي يوم 30 أكتوبر عام 1978م، وزيراً للإعلام والثقافة- حتى 20 مارس عام 1979م.. ثم أصبحت عضواً في (المجلس الاستشاري) إلى أن عينه الرئيس على عبد الله صالح في فبراير عام 1985م مندوباً دائماً للشطر الشمالي- (الجمهورية العربية اليمنية) سابقاً- لدى الأمم المتحدة.. وبناء على طلبه تم إعفائه من الاستمرار في شغل ذلك الموقع الدبلوماسي , وبعدها تم تعيينه في يونيوا عام 1988م عضواً في (المجلس الاستشاري)، وعضواً في (مجلس الشورى) أيضاً, وفي الحكومة الائتلافية التي ترأسها المهندس حيدر أبو بكر العطاس في تاريخ 30- 5 – 1993م وانتهت فترتها مع بدايات بوادر أزمة أربعة وتسعين التي انتهت بحرب خرجت قوات الوحدة والشرعية المنتصر فيها, تم تعيين باسندوه وزيراً للخارجية, وبعد انتهاء هذه الحكومة عين باسندوه وزيراً للإعلام في حكومة الأستاذ عبد العزيز عبد الغني التي تشكلت عقب حكومة العطاس, إلا أن باسندوه لم يستمر فيها إلا حوالي سنة وخمسة أشهر, حتى أزيح من الوزارة ليتسلم الأستاذ عبد الرحمن الاكوع وزارة الإعلام في13 /12/1995 م , وبعد ذلك تم تعيينه لاحقاً مستشاراً سياسياً لرئيس الجمهورية, وفي 27 فبراير المنصرم من العام الحالي اصدر الرئيس بالانابة عبدربه منصور هادي قراراً بتكليفة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني.

وعلى مدى أربعين عاماً ظل محمد سالم باسندوه واحداً من الشخصيات السياسية التى شاركت في معظم الأحداث التي عرفتها البلاد إذ كان أحد المساهمين في حرب تحرير الجنوب المحتل وكان من أول ضحايا الصراع السياسي الذي شهده الشطر الجنوبي بين رفاق السلاح في الجبهة القومية التى تسلمت السلطة من الحكومة البريطانية وجبهة التحرير التى أستبعدت من جميع المواقع و دخل الطرفان في حرب أهليه أفضت إلى نزوح معظم قادة الأخيرة إلى الشمال.

في شهر نوفمبر 2008م عاد باسندوه ليتصدر المواقف ويحتل اسمه المكان الأبرز في صفحات الصحف الإخبارية اليمنية والخارجية, ويتصدر ساحات المواقع الالكترونية, ويقود المسيرات المناوئة لحكومة المؤتمر , وكان ابرز حدث يتذكره اليمنيون لباسندوه هو وقوفه في اللقاء الموسع للجنة التحضيرية للحوار الوطني عندما سال الدمع من عينية ليس لمصلحة فقدها, أو لحبيب غيبه الموت, إنما كان بكاؤه للوطن وحده وليس لغيره عندما قال أنا حزين على وطني الذي يسير إلى الوراء بعد هذا العمر الطويل.

كانت دموع محمد سالم باسندوه وهو يتحسر على أوضاع هذا الوطن تهوي على نفوس الآخرين ومسامعهم كالصاعقة، لم تكن دموع المستشار السياسي لرئيس الجمهورية تأتي اعتباطاً إذ انه يدرك بحكمته وعمق تجربته أن اليمن أمام أزمة كبيرة, وان رجل القرار فيها لا يكترث، بل والأسوأ يبدوا انه لم يعد يستمع حتى لمستشاريه الناصحين، ولم يعد يعجبه سوى الاستماع لأصوات مستشاري السوء الذي يحيطون به في الدولة والمؤتمر.

في شهر مايوا من العام 2009 أقرت اللجنة التحضيرية المصغرة في أول اجتماع لها عقد بصنعاء, أن يتولى محمد سالم باسندوه الرئاسة الدورية للجنة التحضيرية, ومنذ استلامه رئاسة اللجنة عمل باسندوه مع أعضاء لجنته على كل ما بوسعه من مشاورات ولقاءات بل وقيادة مسيرات, وكان ابرز حدث في مسيرة اللجنة التحضيرية هو انضمام مجلس التضامن الوطني الذي يترأسه الشيخ حسين الأحمر إلى الجنة التحضيرية للحوار الوطني, ونظراً لنشاطاته السياسية التي تهدف إلى إخراج اليمن من نفقه المظلم إلا انه ظل هدف بارز للشتم وكيل التهم من قبل أطراف لا تريد لهذا الوطن إلا البقاء في زنزانة الفساد, والسير في دهاليز النفق المظلم الذي افتقد الجميع فيه بوصلة تحديد الاتجاه الصحيح.

وفي 18 رمضان 1432ه تم انتخاب محمد باسندوه رئيساً للمجلس الوطني لقوى الثورة السلمية, وفي 27 فبراير تم تكليفه رئاسة حكومة الوفاق الوطني.

وكان محمد سالم باسندوة قد أجرى في الاونه الأخيرة عددا من الحوارات الصحفية تحدث فيها عن الأزمة الوطنية في اليمن, وانتقد فيها مظاهر الفساد وعدم تطبيق القانون وسيطرة أصحاب النفوذ القبلي والعسكري على القرار السياسي, مطالبا بضرورة الإصلاحات والحد من الفساد المستشري وغيرها من الآراء السياسية التي لم ترق لبعض الأطراف النافذة داخل وخارج السلطة .

شخصية محمد سالم باسندوه ذو الوجه الأسمر, والرأس الأصلع , تضل واحدة من أهم الشخصيات التي لعب دوراً كبير في عمليات البناء والتنمية, وسارت بالوطن الى بر الأمان, وشاطئ الخير والمحبة.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن