تقرير.. أسلحة مكافحة الإرهاب الأمريكية بيد مليشيات إيران تستخدمها في الحرب على مأرب

الأحد 23 مايو 2021 الساعة 02 مساءً / مأرب برس-مركز أبعاد للدراسات
عدد القراءات 6323

 فيما تتزايد التنديدات الدولية بهجوم جماعة الحوثيين على مأرب، تصر الجماعة المدعومة من إيران على الخيار العسكري للوصول إلى أهم محافظة للحكومة الشرعية والغنية بالغاز والنفط، في محاولة منها لفرض واقع عسكري جديد يرفع من سقف مفاوضاتها مع الحكومة اليمنية وحليفتها السعودية التي فتحت هي الأخرى نافذتي حوار الأولى مع الحوثيين في مسقط، والثانية مع إيران في بغداد، كما أن أي انجاز عسكري للحوثيين في مأرب ستتضرر منه الرياض الحليف المهم لواشنطن في المنطقة وبذلك يعطي سقفا إضافيا لطهران في مفاوضاتها مع الأمريكان في فينا.

في 20 مايو أعلنت الخارجية الأمريكية عن إجراءات عقابية ضد اثنين من قيادات الحوثي العسكرية بسبب ما وصفته " الهجوم الوحشي ضد مأرب الذي يعرض أكثر من مليون نازح للخطر ويفاقم الأزمة الإنسانية " إضافة إلى استمرار الهجمات ضد السعودية.

منذ احكام قبضتهم على العاصمة صنعاء في انقلاب 21 سبتمبر 2014 مدعومين من نظام الرئيس السابق، ظل الحوثيون يخططون للسيطرة على مأرب باعتبارها مصدر إلهام القبيلة في اليمن قبل أن تكون مصدر ثروات الطاقة ( النفط والغاز ومحطة الكهرباء الوطنية)، ولذلك يشعرون أن اجتياح مأرب سيمكنهم من فرض شروطهم على أي اتفاق سلام (محتمل)، لكن بعد تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس 2015 زادت أهمية مارب لديهم ولدى حلفائهم الإيرانيين كونها أصبحت مرتكزا سياسيا وعسكريا لخصومهم الحكومة الشرعية والتحالف، ولذلك يعتبرون أن هذه المعركة قد تؤسس لـنفوذ جديد لما يسمى "محور المقاومة" على حدود السعودية ، مع إدعائهم أن بعد مارب ستبدأ المفاوضات لإنهاء الحرب، وهو ادعاء تكرر في دماج بصعدة وعمران وصنعاء، وظهر عدم مصداقية الحوثيين في مثل هذه الفرضيات، فبعد كل توسع لهم تخلق حروب جديدة أكثر تداخلا وتعقيدا.

المجتمع الدولي أيضا ينظر إلى أن نجاح الحوثيين بالسيطرة على مارب سيؤدي إلى أزمات إنسانية وحروب متعددة وسيفتح ذلك شهيتهم للعودة جنوبا والتوجه شرقا لإكمال سيطرتهم على كل اليمن، لأن مثل هذا الحدث يسهل عليهم الحصول على المال والجنود والسلاح باعتبارهم القوة المسلحة المتبقية في الساحة تمتلك امكانيات دولة، وهذا ما يدركه الحوثيون ويسعون لتحقيقه بكل الإمكانيات، فققد اضطر الحوثيون في معاركهم الأخيرة في مارب إلى استدعاء أسلحة حديثة ومتطورة من تلك التي كانت تابعة لقوات (النخبة اليمنية) سابقا وسيطروا عليها كليا بعد تصفية شريكهم في الانقلاب الرئيس السابق علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017.

اختراق إيران للأجهزة العسكرية النوعية

منذ خروج اليمنيين في انتفاضة شبابية 2011 تطالب بإسقاط نظام الرئيس صالح تحت مسمى ( الثورة السلمية)، وضع صالح وأتباعه استراتيجية للتقارب مع جماعة الحوثي، ومن خلال ذلك التحالف تمكنت الجماعة من النفاذ إلى عمق القوة العسكرية النوعية التي بناها خلال عقود حكمه، من بينها الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب، والأمن المركزي وأجهزة المخابرات والاستخبارات العسكرية، وما إن سلم صالح الحكم لنائبه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي إلا وقد تمكن الحوثيون من الوصول إلى أماكن مهمة في الأجهزة العسكرية والأمنية وتدربوا على استخدام أسلحة من بينها أسلحة أمريكية أعطيت لليمن في إطار برنامج مكافحة الإرهاب، وأهمها منظومة أمنية نقلها الحوثيون إلى إيران تحتوي على معلومات وتقنيات سرية أضرت بالأمريكيين وشركائهم في برنامج مكافحة الارهاب في المنطقة.

استحوذ الحوثيون -بدعم من علي عبدالله صالح- على معظم أسلحة الجيش اليمني، من بينها الأسلحة الثقيلة والنوعية الحديثة التي امتلكتها قوات "الحرس الجمهوري" و"القوات الخاصة" و"قوات مكافحة الإرهاب" والأخيرة دربتها ودعمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

في عام 2015 أعلنت وسائل إعلام أمريكية اختفاء أسلحة أمريكية بقيمة 500 مليون دولار في اليمن يبدو أنها كانت تتبع قوات مكافحة الإرهاب بينها: أربع طائرات بدون طيار من طراز ريفن (Raven ) مطلقة باليد، و160 عربة (Humvees)، إلى جانب أسلحة يدوية وطائرات مروحية وطائرات نقل.

كانت جميع الوحدات اليمنية التي دربتها الولايات المتحدة تحت قيادة أو إشراف أقارب "صالح"، الرئيس السابق، لكن بعد إجبار صالح على التنحي في عام 2012 تم تغيير بعضهم أو إبعاد البعض الآخر، لكن أقر مسؤولون أمريكيون بأن بعض الوحدات حافظت على ولائها لصالح وعائلته، والآن تشير المعلومات إلى أن بعض الوحدات انخرطت مع الحوثيين بعد مقتل "صالح" على أيديهم، ومن رفض تغيير ولاءه سجنه الحوثيون، أو عاد إلى منزله وأوقف الحوثيون راتبه، أو تم تهريبه إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية والبعض توجه إلى الساحل الغربي حيث أنشأ قائد القوات الخاصة السابق طارق صالح هناك قوة عسكرية مناوئة للحوثيين، تاركين ورائهم ترسانة للأسلحة المتطورة.

وبحسب تقرير استقصائي أصدرته لجنة تابعة للأمم المتحدة في فبراير/شباط2015، اتهم نجل الرئيس السابق، أحمد علي صالح، بنقل ترسانة أسلحة من الحرس الجمهوري بعد إقالته من منصب قائد وحدة النخبة في 2013 إلى قاعدة عسكرية خاصة في معسكر "ريمة حميد" الذي يقع في بلدة "سنحان" خارج صنعاء، تسيطر عليها "عائلة صالح"والتي أصبحت في يد الحوثيين بعد مقتله.

ليست "أسلحة الجيش" هي مصدر الحوثيين الوحيد للحصول على الأسلحة والذخائر إذا أن مصادر خارجية مثل إيران، وتُجار الأسلحة مثل "فارس مناع"[6] مصدران لا يستغني عنهما الحوثيون للحصول على ما يحتاجونه من سلاح. لكن هذه المصادر يصعب عليها إيصال مدرعات ودبابات وبقية أنواع الآليات الثقيلة إلى الحوثيين الذي أنشاوا ورش خاصة لتحويل سيارات رباعية الدفع إلى مدرعات ، إضافة إلى إصلاح وتحديث الآليات المنهوبة من معسكرات الجيش اليمني للتغلب على تلك المشكلات.

وعلى عكس ذلك تعاني القوات الحكومية في مأرب من ضعف في "التسليح" إذ أنها تمتلك عدد قليل من الآليات الثقيلة وتعتبر قديمة مقارنة بأسلحة الحوثيين ، بل إن سلاح الجيش غالبا في كثير من الجبهات هو سلاح خفيف ومتوسط خاصة مع شحة الحصول على الذخائر وعدم وجود ورش تصنيع إلى جانب تهالك بعض الآليات لقدمها ، فبعض الدبابات 55 T شاركت في عدة حروب من بينها حروب صعدة الست مع الحوثيين، ومثل هذه الدبابات لم تعد تستخدم ضمن قوات الحوثي .

أسلحة مكافحة الإرهاب الأمريكية في يد ميلشيات إيران :

تشير المعلومات إلى أن الحوثيين الذين أخفوا بعض الآليات الحديثة منذ 2015م، بدأوا باستخدامها في معارك مأرب الأخيرة حيث استأنف الحوثيون هجومهم في فبراير/شباط 2021م، وفشلوا في تحقيق تقدم يعطيهم أفضلية في السيطرة على مدينة مارب، فقد وجدوا مقاومة عنيفة من الجيش اليمني المدعوم من رجال القبائل الذين يطلق عليهم "المقاومة الشعبية".

بعض هذه الأسلحة التي استخدمها الحوثيون في جبهات القِتال الداخلية ضد القوات الحكومية من بينها، دبابات نوع: T 72 ، T 82. ومدرعات: 80 BM 202 ، BTR. ومدافع ذاتية الحركة، وصواريخ كاتيوشا، وصواريخ أرض-أرض، وصواريخ أرض جو -جرى تعديل بعض هذه الصواريخ لتصبح صواريخ أرض-أرض ، وصواريخ سكود، ومنظومة دفاعية، إلى جانب أنواع الصواريخ الإيرانية .

في 26 أبريل 2021 هز شمال شرق العاصمة صنعاء انفجار عنيف تحدثت الصحافة انه لمخزن سلاح خلف المستشفى اليمني الألماني، ويعتقد البعض أنه كان ناجما عن استهداف طائرة تتبع التحالف العربي، لكن لم نقرأ رواية ثابتة لما حصل أو تحقيق رسمي في الحادث، فقد كان الجو ممطرا والغيوم تغطي أجواء صنعاء، كما أن المواطنين لم يسمعوا صوت الطيران، ما جعل البعض يعتقد أن تفجير المخزن كان لحادث عرضي، لكن مسئولا عسكريا رجح أن يكون المخزن ضرب بطائرة درونز أمريكية ، يقول لباحث( أبعاد) " قبل أيام من الضربة نقل الحوثيون اسلحة نوعية من مخازن في جنوب العاصمة كانت تابعة للرئيس السابق إلى عدة مخازن داخل وخارج العاصمة، ومن بينها ذلك المخزن، وقد يكون من بين تلك الأسلحة صواريخ موجهة أو ما تسمى (الصواريخ الذكية) الخاصة بمكافحة الارهاب"، وهي صواريخ قصيرة المدى ودقيقة مهمتها الاغتيال، لكن يبدو أن الحوثيين أخضعوها للتعديلات لتكون مسافتها أطول وقدرة التفجيرأكبر.

احتمال المسئول العسكري يصطدم بشكوى الجيش اليمني من عدم استهداف الدرونز الأمريكي لمدرعات أمريكية كانت ضمن برنامج مكافحة الارهاب وأصبحت تحت سيطرة الحوثيين وأشركت في معارك مأرب بعد تطويرها في ورش صيانة وتصنيع خاصة بالتدريع يشرف عليها قيادات حوثية، خاصة وأن التحالف العربي بقيادة السعودية رفض استهدافها- حسب مصادر عسكرية لباحث (أبعاد).

حصل مركز أبعاد على تقرير أمني غير رسمي يفيد أن جماعة الحوثي استخدمت 30 مدرعة أمريكية في حربها الأخيرة بمأرب بينها 12 مدرعة خاصة ببرنامج مكافحة الإرهاب الذي توقف بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين، ومدرعات أمريكية أخرى مسجلة باسم الجيش الإماراتي وقعت في يد الحوثيين أثناء الحرب.

تقول المعلومات أن أغلب المدرعات الأمريكية تلك هي من النوع المضاد للألغام الذي ينتج عبر شركة (Navistar) ، حيث أدخلت في ورش التصنيع لتكثيف تدريعها باشراف دائرة التأمين الفني التابعة للحوثيين.

 وتم استعراض بعضها في ميدان السبعين تحت مسمى مدرعات ( بأس BAAS1)، وتؤكد مصادر عسكرية تابعة للجيش الحكومي أنهم واجهوا صعوبات في استهداف هذا النوع من المدرعات بالصواريخ المضادة للدروع.

ومنذ شن الحوثيون هجومهم على مأرب في فبراير 2021 تمكنوا من استقطاب ثلاث دفع صغيرة من المجندين في الساحل الغربي الذين التحقوا بمعسكرات طارق صالح بعد مقتل الرئيس السابق، بينهم خبراء عسكريين مهمين كانوا ضمن قوات ( النخبة) للاسستفادة منهم في تشغيل بعض الأسلحة المتطورة، بينها أسلحة متعلقة بمكافحة الإرهاب مثل النواظير الحرارية المتطورة وبعض أنواع الصواريخ الذكية وفك شفرات المدرعات وبرامج أمنية أخرى، وقد حاول الحوثيون أكثر من مرة استهداف وزير الدفاع اليمني وقائد الأركان وقادة عسكريون بصواريخ موجهة أطلقت من اقرب نقطة تمركز لقواتهم في مارب.

وإلى جانب فشل واشنطن في الحفاظ على أسلحتها في اليمن، بالذات تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتي يبدو أن الحوثيين نقلوا تقنيتها لإيران، فإن المجتمع الدولي بشكل عام وخاصة الولايات المتحدة والتحالف العربي بقيادة السعودية فشلوا في منع وصول السلاح المتطور من إيران إلى الحوثيين، كما لم يرغبوا في إحداث توازن عسكري من خلال دعم الجيش اليمني لإرغام الحوثيين على إنهاء الحرب وبدء مفاوضات لتحقيق سلام مستدام.

إذن ماهي ما خطة الرئيس الأمريكي جون بايدن لتحقيق السلام في اليمن ؟ خاصة أن أول قراراته كان من ضمنها رفع جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب تشجيعا لبدء مفاوضات جدية لإنهاء حرب اليمن!  

انعكاس المفاوضات حول اليمن على معركة مأرب

بقدر ما تؤثر الأسلحة والآليات الحديثة في "معركة مأرب"، تؤثر المشاورات الدولية التي تجري بشأن الملف اليمني، وخلال فترة احتدام المعارك حول المدينة الاستراتيجية بدأت مفاوضات متعلقة باليمن، أهم تلك المشاورات:

أولا: المبادرة السعودية:

في مارس/أذار 2021 قدمت الرياض مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن تضمنت: وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وفتح مطار صنعاء لوجهات محددة، والسماح بدخول الوقود والسلع الأخرى إلى مناطق الحوثيين عبر مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، واستئناف المفاوضات السياسية المتوقفة لإنهاء الصراع.

تتقاطع هذه المبادرة مع مبادرتين: المبادرة الأمريكية التي طرحها مبعوث الولايات المتحدة إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، والمبادرة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن "مارتن غريفيث".

لم يُقدم الحوثيون موقفاً واضحاً مُعلناً من المبادرة السعودية لكنهم قدموا رداً عبر سلطنة عُمان حول المبادرة السعودية، وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، فإن الحوثيين يطالبون السعوديين بوقف إطلاق النار من خلال ثلاث خطوات: أولاً، وقف الضربات الجوية، ثم وقف إطلاق النار على طول الحدود السعودية اليمنية، وبعد ذلك فقط وقف إطلاق النار داخل اليمن.

نظرًا لأن الضربات الجوية السعودية هي إحدى الإجراءات المضادة المهمة التي تعرقل جهود الحوثيين في اجتياح مأرب، فإن العرض الذي قدمه الحوثيون محاولة للوصول إلى محافظة مأرب، بتحييد الضربات الجوية الداعمة للقوات الحكومية والمقاومة الشعبية. لذلك توقف الحديث عنها بعد تقديم طلب الحوثيين، ورفضهم النداءات الدولية بوقف الهجوم على مدينة مأرب الذي يؤثر على قرابة مليوني نازح في المدينة- حسب تقارير المنظمات الدولية والحكومة اليمنية.

ثانيا: مشاورات مسقط:

في مطلع مايو/أيار وصل "ليندركينغ" و"غريفيث" ورئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي "كريس مورفي"، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى العاصمة العُمانية "مسقط"، بعد أن حصلوا على موافقة مبدئية من الحوثيين بشأن مبادرة مقدمة لوقف إطلاق النار في اليمن تبدأ بوقف "هجوم الحوثيين" على مأرب، مقابل رفع الحظر عن مطار صنعاء، والسماح بدخول الواردات إلى الموانئ الخاضعة للحوثيين (الحديدة، الصليف) غربي البلاد، ثم وقف إطلاق نار شامل لعدة أسابيع، يعقبه الجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة اليمنية.

لكن بعد عدة أيام غادر "ليندكينغ" و"غريفيث" مسقط معلنين فشل المشاورات المكثفة استمرت منذ ابريل/نيسان. رفض الحوثيون حتى لقاء الرجلين إلى جانب المسؤولين السعوديين.

وحاول "غريفيث" إخفاء خيبة أمله لانتهاء تلك المحادثات وقال "لسوء الحظ، لسنا في المكان الذي نرغب فيه للتوصل إلى اتفاق".

 إذ عند اقتراب الحوثيين من الموافقة على قبول "الاتفاق" عادوا مجدداً ورفضوا العرض المطروح. ويعود الرفض بعد مشاورة المفاوضين الحوثيين في مسقط مع "جناح الجماعة العسكري" الذي أكد أن الهجوم المتصاعد نحو "مدينة مأرب" إذا ما نجح ما سيغير حسابات المفاوضات، على الرغم من أن حدوث ذلك بالنسبة للحوثيين أصبح صعب المنال بعد عدة أشهر من استئناف الهجوم نحو المدينة.

في وقت ما من المحادثات السعودية-الحوثية كان الدبلوماسيون الغربيون يشيرون إلى أنهم توصلوا إلى اتفاق في ما يقارب 90٪ من الملفات المطروحة، بما في ذلك الافتتاح الكامل للموانئ في مناطق الحوثيين ومطار صنعاء، والذي سيؤدي إلى وقف إطلاق النار[13]. وقاد المحادثات في عمان المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام، الذي يعيش في مسقط وتم تكليفه كمفاوض رئيسي.

في 28 ابريل/نيسان2021 التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بـ"محمد عبدالسلام" في مسقط، وجدد "ظريف" التأكيد على موقف طهران المؤيد لوقف إطلاق النار والعودة لطاولة المفاوضات لإنهاء الحرب.

 لكن "اليمن" يعتبر ملفاً يديره الحرس الثوري الإيراني (فيلق قدس) وليس الدبلوماسية الإيرانية، كما أثبت ملف صوتي مسرب لـ"ظريف" نفسه في وحديث سليماني عن "اليمن" في جبهات مفتوحة ضد السعودية.

إلى جانب -ما أصبح يطلق عليه- "الجناح العسكري" لجماعة الحوثي، تشاور كبير مفاوضي الحوثيين مع المسؤولين في طهران. كما حاول الدبلوماسيون الغربيون التواصل مع إيران للضغط على الحوثيين من أجل الموافقة. 

لكن كان الرد الإيراني ثابتاً إنهم سيحاولون إقناع الحوثيين، لكنهم لن يجبروهم على إلقاء السلاح.

في مشاورات مسقط ظهرت ثلاثة أمور بشكل بارز:

 أ) ضعف التأثير الذي يمكن لسلطنة عُمان وضعه على الحوثيين، للقبول باتفاق سلام -مبدأي- يمكنه الوصول إلى طريقة لإنهاء الحرب. 

وحسب ما أفاد دبلوماسيون فإن سلطنة عُمان رفعت من تفاؤل الدبلوماسيين الغربيين المتعلق باليمن بالذات المقيمين في الأردن والذين يتواصلون بشكل دائم مع السلطنة لفِهم التطورات الحديثة. لكن "مسقط" فشلت حتى في إقناع الحوثيين بلقاء "مارتن غريفيث" و"تيموثي ليندركينغ".

ب) أزمة مكتب المبعوث الأممي: بات واضحاً مع تولي "تيم ليندركينغ" منصبه أن معظم الجهود الحالية أمريكية، ساهم في تقويض موقف "مارتن غريفيث" الذي هو الآخر رفض الحوثيون منذ عدة أشهر مقابلته على رغم أنهم احتفوا به عندما تم تعيينه مبعوثاً خلفاً لـ"إسماعيل ولد الشيخ".

ويعود الظهور البارز لـ"ليندركينغ"، بسسبب توقف جهود مكتب المبعوث الأممي منذ منتصف 2020 ، حيث جاءت "إدارة بايدن" لتنفخ الروح من جديد إلى جهود "مارتن غريفيث". واعتمد المكتب خلال تلك الفترة حتى تعيين "ليندركينغ" على التواصل مع ما يصفها الأطراف المؤثرة مثل الشباب والنساء. ومع مطلع 2021 قدم "مارتن غريفيث" طلباً لتغيير مهمته إلى الأمين العام للأمم المتحدة – في ما يبدو معلناً إصابته بالإحباط- ليتحقق طلبه بتعيينه وكيلاً للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في مايو/أيار2021م.

لكن الولايات المتحدة ما زالت تجمع معلومات حول طبيعة الصراع وأسبابه وجذوره في اليمن، وتتعمد تقديم "حسن النيّة" -كما يصفها المسؤولون في البيت الأبيض- للحوثيين بناءً على الدعاية التي يتلقونها، ويحتاج ذلك وقتاً حتى يتمكن المكتب الجديد لـ"ليندركينغ" -رغم ارتباطه بالصراع خلال منصبه السابق- من تحديد آليات متعددة وعملية للتعامل مع "الأطراف" وعلى رأسها الحوثيين، وكان ذلك واضحاً إذ عقب عودة "ليندركينغ" من مسقط إلى واشنطن، فرض عقوبات جديدة على القياديين في جماعة الحوثي محمد عبدالكريم الغماري، ويوسف المداني، وهما قياديين كبيرين مرتبطان بالهجوم على محافظة مأرب.

ج) تأثير القادة العسكريين وإيران: ظهر بشكل بارز عدم قدرة المفاوضين الحوثيين على اتخاذ خيارات، حيث وافقوا على مسودة اتفاق، ثم تراجعوا عنه بعد اتصالات متعددة مع "الجناح العسكري"، ومع المسؤولين في طهران -التابعين للحرس الثوري صاحب الكلمة العليا عن الوضع في اليمن وليس الخارجية الإيرانية-. وتواصلت تلك الاتصالات حتى بعد أكثر من أسبوع على فشل المشاورات بما في ذلك تواصل "محمد عبدالسلام" مع "علي ولايتي" مستشار المرشد الأعلى في إيران.

ثالثا: مشاورات بغداد:

في التاسع من ابريل/نيسان 2021 بدأت السعودية وإيران مفاوضات سرية في العاصمة العراقية "بغداد"، في محاولة لاستعادة العلاقة بين الخصمين الإقليميين اللدودين، وإعادة فتح السفارة والقنصلية السعودية في إيران بعد إغلاقها عام 2016. لكن للوصول إلى هذه المرحلة يجب أن تتوافق طهران والرياض على القضايا العالقة في الإقليم لذلك برزت القضية اليمنية في مقدمة القضايا التي جرى مناقشتها. وعبر مسؤولين أكدت كُلا من إيران والسعودية حدوث مفاوضات في بغداد -حيث خرجت تلك المشاورات للعلن في الصحافة الغربية أولاً- وأكدها الرئيس العراقي الذي قال إن "بغداد استضافت أكثر من جولة من المحادثات بين الدولتين". وتكون الوفد السعودي من ستة أشخاص بينهم مستشار أمني رفيع المستوى لولي العهد السعودي برئاسة خالد بن علي الحميدان رئيس جهاز المخابرات السعودي.

 أما الوفد الإيراني فترأّسه سعيد عرافاني نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

البلدان لديهما دوافع قوية في اتجاه تهدئة التوتر بينهما في هذه المرحلة تحديدًا، كما لمّح إلى ذلك ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة تلفزيونية قائلًا إنّ بلاده "تطمح إلى علاقات إيجابية مع إيران، رغم الخلافات الكبيرة معها".

 وهو تبدل ملحوظ في لهجة الرياض تجاه طهران، إذ شدد "ابن سلمان" في مقابلة عام 2017 على عدم وجود نقاط التقاء مع النظام الإيراني ووصف نظام طهران بأنه قائم على "أيدولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره وأن السعودية هدف رئيسي للنظام الإيراني"، كما تعهد، بالعمل على نقل المعركة إلى داخل إيران.

لا حقاً قال مسؤول في الخارجية السعودية إن بلاده "تريد من إيران

أفعالاً يمكن التحقق منها"، في تعليقه على مشاورات بغداد مع طهران. جاءت تلك التصريحات بعد إعلان فشل المشاورات في مسقط.

 وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف "لقد أجرينا بعض الاتصالات مع السعودية ونأمل أن تؤتي هذه الاتصالات ثمارها من خلال تعاون أكبر بين إيران والسعودية من أجل السلام والاستقرار في المنطقة، لا سيما في اليمن".

 هل يمكن للمشاورات السعودية الإيرانية في بغداد أن تنهي الحرب في اليمن؟! وكيف تؤثر على معركة مأرب؟!

لطالما سعت السعودية لخروج مشرف من حرب اليمن وإلى وضع نهاية للصراع اليمني دون استعداء أي طرف، لكن لا توجد طريقة حل لسلام مستدام. وتريد الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إنهاء هذا الصراع، ما جعل تلك الدول تضغط على طهران للضغط هي الأخرى على الحوثيين. لذلك فإن الأطراف المحلية والفاعلين الدوليين يحتاجون أن يتفقوا على حجم وجود الحوثيين في السياسة اليمنية خلال المرحلة المقبلة وآلية مشاركتهم، وهذا يعتمد على العديد من القضايا: بينها من يسيطر على الحدود مع السعودية؟ من هي الجماعة التي تمتلك حقول نفط مارب؟ من يسيطر على المنطقة بين ميناء الحديدة وعدن، بما فيها باب المندب ؟ ما حجم سيطرة كل طرف على المطارات والموانئ والمعابر وحقول النفط ؟

ومعرفة هذه القضايا والنقاش حولها هو ما سيوصل إلى حكومة سياسية لمرحلة مقبلة التي تعتبر في الوقت الحالي بالغة الصعوبة، فهناك عدة تساؤلات: ما هو نصيب كل طرف من كعكة القوة وفي أي جزء من السلطة هذه الحصة؟ هذا الحل سيكون على حساب اليمنيين إذا لم يتم نزع سلاح الحوثيين والمليشيات الطارئة الأخرى. وما يريده النظام الإيراني وجماعة الحوثي، هو استمرار الهيمنة الحوثية على اليمن التي تعتبر خطاً أحمرا بالنسبة للسعودية. لذلك سيكون على طهران والرياض الوصول إلى توافق بشأن حجم هيمنة الحوثيين في السياسة اليمنية، وهذا سيستدعي فتح ملفات باقي المليشيات التي تمولها إيران في العراق وسوريا ولبنان، أي حدوث تفاهمات أمنية على مستوى المنطقة والإقليم بين الدولتين ، يشجع ذلك حالة الانسحاب الأمريكي من المنطقة والتركيز على "الصين" و"روسيا".

ومن أجل "الحلول" المقدمة من الأمم المتحدة وواشنطن والمجتمع الدولي والمفاوضات الإيرانية-السعودية –إلى جانب أسباب داخلية أخرى- يندفع الحوثيون للوصول إلى "مدينة مأرب" للسيطرة على حقول النفط. إذ أن ذلك سيجعلهم مهيمنين على اليمن خلال الفترة القادمة، ويُجبر الرياض -التي تعاني من مشكلات داخلية وضغوط خارجية خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة- على القبول بهذا المستوى من الهيمنة الحوثية على حدودها.

رابعا مشاورات فيينا:

توصلت إيران والقوى الدولية (المعروفة باسم P5+1) إلى اتفاق عام 2015م، سُمي "خطة العمل الشاملة المشتركة" أو "الاتفاق النووي الإيراني" والذي يشير إلى عدة مراحل تمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ عقود. لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية في 2018 في محاولة لتنفيذ سياسة الضغوط القصوى على طهران لإجبارها على إعادة التفاوض مع تقديم المزيد من التنازلات.

وحتى ربيع 2021 بدأت مشاورات سريعة لعودة واشنطن إلى الاتفاق في ظل إدارة الرئيس الحالي "جو بايدن"، كانت سياسة إدارة بايدن هي أنه "إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم لالتزاماتها ... فإن الولايات المتحدة ستفعل الشيء نفسه". ومع ذلك، أشارت الإدارة أيضًا إلى أنها تعتزم معالجة "سلوك إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار وتطوير الصواريخ الباليستية وانتشارها" [26]- وهو هدف رفضه الرئيس الإيراني حسن روحاني بشدة، واصفًا هذه القضايا بـ "غير قابلة للتفاوض" في هذه المحادثات.

في حين أنه من غير المرجح أن تحقق المفاوضات الحالية أي توسع كبير عن الصفقة الأصلية، فإن المستقبل قد يفتح المزيد من المفاوضات وفق مبدأ "المزيد من أجل المزيد". بحيث تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاقية وترفع العقوبات المتصلة بها، بعد ذلك، ستكون واشنطن قادرة على فرض عقوبات أمريكية إضافية على الطاولة كحوافز لمزيد من التنازلات الإيرانية. وهذا المنعطف هو الذي سيمثل فرصة لبناء إطار أمني إقليمي جديد.

ولتحقيق ذلك بدأت السعودية وإيران في إجراء مشاورات سرية في بغداد، والتي تشير بعض التسريبات إلى أن طهران طلبت من الرياض دعم الاتفاق في "فيينا" مقابل الضغط على الحوثيين لإنهاء الهجمات الصاروخية وطائرات بدون طيار على المملكة والتي اشتدت بالفعل منذ بدء "مشاورات فيينا" والهجوم على مدينة مأرب. كما أن إيران تواصلت بشكل مكثف خلال الأعوام القليلة الماضية مع الإمارات وهي فاعل إقليمي مؤثر في جنوب اليمن.

وعلى عكس موقفها الرافض بشدة للاتفاق النووي تبدو دول الخليج أكثر قبولاً له -كما يرى الأمريكيون- في الوقت الحالي. 

يذهب السيناتور الأمريكي الديمقراطي "كريس مورفي" إلى أن نجاح "مشاورات فيينا" سيمثل خطوة للأمام لإنهاء الحرب في اليمن. وقال عقب زيارته للمنطقة إن "اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية "مهم للغاية، وربما حاسم للسلام في اليمن" ، وأضاف "أعتقد أن إجراء حوار مع الإيرانيين يأتي من خلال إعادة تشغيل خطة العمل الشاملة المشتركة سيكون مفيدًا لدفع مسار السلام في اليمن إلى الأمام".[32] كما أن تحقيق تقدم في مشاورات "فيينا" سيعني تحقيق تقدم مماثل في المشاورات بين إيران والسعودية في "بغداد".

تقع معركة الحوثيين في مدينة مأرب في قلب هذه التحولات والمشاورات المتعلقة بإيران، حيث ترى إيران في سيطرة الحوثيين على مأرب انتصاراً لمحور المقاومة الذي تقوده، وتثبيت مكتمل الأركان لوجود طويل الأمد ومؤثر في السياسة والأمن القومي لشبه الجزيرة العربية. وساهم النهج الذي اتبعته "إدارة بايدن" تجاه الحوثيين وإيران خلال الفترة الماضية في تقوية شوكة الطرفين تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

وبينما تجري "مشاورات فيينا" واصلت طهران إمدادات الأسلحة إلى اليمن: اعترضت البحرية الأمريكية حمولة سفينة واحدة في مايو/أيار 2021، محملة بكمية كبيرة من الأسلحة بينها صواريخ متقدمة في وقت تدور معركة طاحنة في محافظة مأرب.

 ولا يعرف عدد السفن التي ترسلها إيران وتصل إلى السواحل اليمنية. واستمر تباهى المسؤولين الإيرانيين علانية في تزويد الحوثيين بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار والصواريخ.

تداعيات التحولات والمشاورات الخارجية على حرب اليمن

ترتبط نهاية الحرب في اليمن بموقف الأطراف المحلية ونيتهم إنهائها. وهذه النيّة مرتبطة بشكل أساسي بجماعة الحوثي التي رفضت الحلول التي طرحت مؤخراً في مسقط والمبادرة المطروحة من السعودية. ومن خلال هذا التحدي العلني والتجاهل الواضح للتفاوض، أظهر الحوثيون أنهم غير مهتمين بالسلام، وأنهم أكثر استعداداً على استمرار الصراع. كما يؤكد هذا التحدي أنهم لا ينوون ترك النزاع ينتهي في أي وقت قريب، وأن “الحرب المفتوحة” هي نيتهم ​​الواضحة على المدى الطويل. إذ أن هدفهم الأساسي ليس "مدينة مأرب" بل السيطرة على كل الأراضي اليمنية وحكمها بالقوة الجبرية. ويعتقد الحوثيون أن فرض سيطرتهم على كل اليمن سيدفع السعودية للمغادرة وإنهاء التحالف والخروج دون "مفاوضات" كما حدث للولايات المتحدة في فيتنام.

ومن هذا المنطلق، يبدو من غير المحتمل أنهم سيكونون مستعدين لقبول أي شكل مهم من التسوية أو الصفقة من أي مفاوضات محتملة مع السعودية في المستقبل، في حالة حدوث أي محادثات سلام. علاوة على ذلك، فإن الحوثيين عبر استعراض القوة العسكرية يريدون إظهار أنهم بعيدون عن “اليأس” والضعف. كل ذلك تجلى في هجومهم الأخير على مأرب[36]، التي فشل الحوثيون في الوصول إليها.

ويبدو أن وصول الحوثيين إلى هذه المستوى من "الغرور" بالقوة ورفض التفاوض وإنهاء الحرب يأتي لعدة أسباب:

 أ) زيادة الفاعلين المحليين داخل المعسكر المناوئ : حيث يقدمون أنفسهم بالجماعة الأكثر تنظيماً وقدرة على ضبط الأمن ومواجهة "القاعدة" و"داعش" وحماية باب المندب. والطرف الأساسي الذي يواجها "الحكومة الشرعية" لا تملك سوى الاعتراف الدولي بها وإذا ما فقدت السيطرة على "مأرب" فلن يكون هناك وجود ميداني مؤثر لها.

ب) تفكك الفاعلين الإقليميين الداعمين للحكومة الشرعية: حيث انسحبت الإمارات من معركتها مع الحوثيين، وغادرت قطر قسراً من التحالف، وغادرت دول أخرى بإرادتها من التحالف مثل الأردن والمغرب ودول أخرى.

لقد أدى توقف "معركة تحرير الحديدة" من سيطرة الحوثيين -نتيجة ضغوط خارجية- إلى خسارة الحكومة والداعمين لها أداة ضغط قوية ضد الحوثيين ودفعهم إلى طاولة المشاورات. ومثّل "اتفاق ستوكهولم" 2018 الذي أدى إلى وقف إطلاق نار "هشّ" في محافظة الحديدة -الاستراتيجية المهمة- رؤية لما يريد الحوثيون تحقيقه في محادثات السلام، حيث نقل الحوثيون قوتهم من الحديدة إلى جبهات القِتال الأخرى، ومنذ بدء معركة "مأرب" نقل الحوثيون معظم قوتهم المدربة إليها.

كما أدى توقف هذه المعركة إلى ترسيخ طرف جديد يُعرف باسم القوات المشتركة التي يقودها العميد "طارق صالح" نجل شقيق الرئيس اليمني السابق المدعوم من الإمارات. وأعلن "طارق صالح" في مارس/أذار 2021 عن مكتب سياسي يمثل قواته لضمان دوره ونفوذه في أي محاصصة سياسية متوقعة. مضيفاً عبئاً جديداً على الحكومة الشرعية التي يُحسب المكتب الجديد عليها رغم عدم اعترافه بها، تماماً كما هو "المجلس الانتقالي الجنوبي".

ج) الضغط الدولي والخسائر الاقتصادية: تتكبد السعودية خسائر اقتصادية كبيرة في معركتها مع الحوثيين، ومع ركود الاقتصاد بفعل كورونا وركود الأسواق فإن رؤية "2030" التي قدمها ولي العهد تتأثر بشدة، ومشروع "محمد بن سلمان" قائم على الاقتصاد وسيقوم بما يلزم حتى لا يتأثر بما في ذلك محاولة وقف هجمات الحوثيين المستمرة للمنشآت الحيوية.

الضغط الدولي على السعودية ووقف تصدير السلاح إليها، و"صورتها المشوهة " الذي تتزايد عالمياً بفعل انتهاكات مزعومة للتحالف، وإطالة أمد الحرب في اليمن ، قد يدفع ذلك الرياض إلى البحث عن خروج آمن لها يحميها من الملاحقة المستقبلية، ويؤمن حدودها مع الحوثيين ثم الانتقال إلى فرض سياسة صارمة لإجبار الحوثيين والحكومة القادمة في اليمن للرضوخ لمطالبها.

د) الدعم الإيراني وعدم الفهم الدولي: إن استمرار إيران في تزويد الحوثيين بالأسلحة والدعم المالي والعسكري -بما في ذلك التخطيط لمعركة مأرب عبر سفيرها لدى صنعاء حسن إيرلو وقادة أخرون في فيلق قدس بما في ذلك "إعادة هيكلة القوات" وتأمين وصول الأسلحة إلى الجماعة عبر المنافذ البحرية ساهم في استمرار قوة الجماعة ونفوذها في مناطق سيطرتها.

إلى جانب الدعم الإيراني فإن عدم وجود فِهم دولي خاصة من الغرب لطبيعة الحوثيين ورغبتهم في السيطرة على السلطة والاستئثار بها، ورؤية اليمن من زاوية السعودية وطبيعة سياستها الداخلية والخارجية يُقدم الحوثيين أنفسهم في حجم من الدعاية هائل بصفتهم "مظلومين" يتعرضون لحرب، وقوة قادرة على تحييد اليمن من الأخطار التي قد تؤثر على أمنهم القومي.

قلق المجتمع الدولي:

هناك قلق أممي من اي سقوط لمدينة مأرب بيد الحوثيين ، حيث سيختفي الحديث عن "اتفاق سلام" إلى تمدد الحوثيين في المناطق الأخرى غير الخاضعة لسيطرتهم وسيكون ذلك صعباً مع ضعف تأثير "الحكومة الشرعية"، وتعدد الأطراف بتعدد الفاعلين الإقليميين. لذلك فقد تؤدي هذه النتيجة لتغير موازين القوى الاقليمية في اليمن، فقد يزداد نفوذ أبوظبي وإيران مع تراجع نفوذ السعودية - وربما سيكون هناك تواجد روسي صيني كفاعلين محتملين مع تراجع التأثير الأمريكي، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو التالي:

1- الحاجة الأمريكية: منذ يناير/كانون الثاني 2021 تمكنت "إدارة بايدن" من الضغط على السعودية ودفعها إلى تقديم مبادرة لإنهاء الحرب، لكنها الآن بحاجة إلى الضغط على إيران لوقف تسليح الحوثيين ومساعدتهم. بينما تحتاج طهران إلى ورقة ضغط لتمرير ما تريده في "محادثات فيينا" والعودة للاتفاق النووي لذلك قد تمنح "طهران" هذه الورقة لـ"واشنطن". وستستخدمها أيضاً في "محادثات بغداد" مع السعودية، مقابل تفاهمات حول نظام أمني جديد في الإقليم يشمل سوريا والعراق ولبنان. وفي كل الحالات سيبقى الحوثيون قوة مؤثرة في صناعة القرار السياسي اليمني لكن ما سيتم الاتفاق حوله هو حجم هذا التأثير، وطبيعة مكون الحوثيين في مستقبل اليمن. وإذا ما سقطت مأرب في يد الحوثيين، فإنه لا خيار أمام السعودية سوى القبول بما تطرحه إيران مقابل وقف هجماتها.

2- نفوذ إماراتي بطبيعة روسية: يُقدم الحوثيون معركتهم في مأرب وفق ثلاثة خطابات ، الأول: لأنصارهم أنهم يقاتلون "مرتزقة ومنافقين وعملاء". والثاني: لأعداء تيارات الإسلام السياسي أنهم يقاتلون الإخوان المسلمين "حزب التجمع اليمني للإصلاح"، وهو خِطاب يتفق مع الإمارات العربية المتحدة. والثالث: للغرب أنهم يقاتلون "تنظيم القاعدة" و"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) في مأرب.

وتريد الإمارات استبعاد "حزب الإصلاح" و"الحكومة الشرعية" من أي حل سياسي في المستقبل - تتفق فيه مع الحوثيين- ليحل محلهما الفاعلين المحليين التابعين لها. وتمكنت أبوظبي خلال سنوات الحرب من إدخال روسيا إلى الحرب اليمنية، واستخدمت نفوذها وعلاقتها لزيارات "المجلس الانتقالي الجنوبي" وممثلين عن عائلة الرئيس اليمني السابق الذي يمثلهم "طارق صالح". وتظهر سياسة "موسكو" -التي تملك علاقات جيدة مع إيران- متوازنة في اليمن باعتبار إمكانية أن تصبح وسيطاً أمرا محتملاً.

ويحقق استمرار السياسة الأمريكية الحالية (كما أشرنا في السابق) إمكانية أن تصبح "موسكو" ذلك الوسيط، حيث تفقد واشنطن أوراقها ضد الحوثيين وإيران، وتعكس سياستها الجديدة تجاه حليفتها السعودية المزيد من الشعور لدى الرياض وباقي عواصم الاقليم بأن هناك رغبة أمريكية بالانسحاب من المنطقة. وقد يؤدي ذلك إلى إضعاف "الرياض والحكومة الشرعية" في أي عملية سياسية قادمة ، وتبح "أبوظبي، وموسكو، وطهران" وحلفاء العواصم الثلاث المحليين الأكثر تأثيرا في مرحلة اليمن القادمة. ومن الواضح أن "اتفاقية السلام (اتفاق الرياض) بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية في طريقها للانهيار، لذا فإن الأشهر القليلة المقبلة قد نشهد اختفاء تأثير (حكومة الشرعية) ، وبالتالي يضعف تأثير دور السعودية، كقوة ذات صلة في اليمن"،مالم تعيد الرياض ترتيب أولويتها في الإقليم وبالذات في اليمن، بتقديم الحاجة الأمنية والعسكرية على وهم الحاجة الاقتصادية، لأن استرار الأخير يعتمد على الأول.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن