حقيقة الدولة المدنية والدولة الدينية

الأحد 03 يوليو-تموز 2011 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - محمد مصطفى العمراني –خاص
عدد القراءات 11336
  
  

أهداني الباحثان الأكاديميان الدكتور أحمد عبد الواحد الزنداني والدكتور إسماعيل السهيلي كتابهما الصادر مؤخرا حول الدولة المدنية والدينية والذي يضم خلاصة رحلة مضنية من البحث والدراسة ، الكتاب الذي حمل عنوان: (مقاربات في الدولة المدنية والإسلامية: السياقات الفكرية والإستراتيجية) يعد دراسة أكاديمية منهجية تسعى إلى تقديم رؤية واضحة عن الدولة المدنية, هذه الدولة التي يرى الباحثان أنها خرجت من رحم الخبرة التاريخية لأوربا , ومن ثم فقد بحث المؤلفان طبيعة الدولة الدينية ( الثيوقراطية ) التي سادت التجربة الأوربية خلال العصور الوسطي ,ودفعت بالمفكرين الأوربيين إلى البحث عن نموذج جديد للدولة والسلطة السياسية ( الدولة المدنية ) ورفض نموذج الدولة الدينية.

وفي ليلة البارحة التي سلمت من انقطاع التيار الكهربائي كليلة استثنائية منذ شهور أخذت الكتاب بحقه وعلى مدى ساعتان أكملت قراءة هذه الدراسة العلمية التي أرى من وجهة نظري أنها تعد إضافة إلى المكتبة العربية في هذا المجال حيث عالجت هذه الدراسة بأسلوب علمي منهجي إشكالية الجدل حول مصطلح الدولة المدنية ولم تقف عند هذا الأمر بل سعت إلى الإجابة العلمية على تساؤل مركزي قوامه: ما هي الدولة المدنية ؟ وما هي السياقات الفكرية التي قادت العقل الأوربي للتنظير لهذه الدولة ؟ وما هي الأبعاد الإستراتيجية للترويج لهذه الدولة في بلدان العالم الإسلامي المعاصر ؟ وهل هنالك فوارق حقيقية بين الدولة المدنية التي سادت التجربة السياسية الغربية , و نموذج الدولة الإسلامية المنشودة ؟

تساؤلات كثيرة أجاب عليها الكتاب والذي أفردت له صحيفة "الوسط" في عددها الماضي صفحتين لتهاجمه حيث ترى الوسط ومن يقف وراءها في السفارة الأمريكية أن الكتاب الذي تم طباعته وتوزيعه على نطاق واسع وذلك لتوضيح مفهوم الدولة المدنية الحديثة هو محاولة سلفية لإجهاض مشروع الدولة المدنية كمطلب لشباب الثورة في ساحات التغيير والحرية في عموم الجمهورية وبدلا من أن تناقش الوسط الكتاب ومضمونه أو تحاور مؤلفيه ذهبت بعيدا لتوجه للإصلاح والتيار العلمي فيه ممثلا بالشيخ الزنداني تهمة الشراكة في سفك دماء اليمنيين كما حدث في حرب صيف 1994م وهذا الاتهام الباطل والافتراء الكاذب الذي يكشف زيفه الطفل هو هروب من مناقشة ما تضمنه الكتاب من حقائق ومعلومات موثقة بمراجعها الغربية والعربية وهو نوع من التكسب بشتم الآخرين والافتراء عليهم دأبت عليه الوسط منذ سنوات وهو تكسب مكشوف ومفضوح يعرفه القاصي والداني .

· الدولة المدنية كما يراها شباب التغيير

شباب التغيير يطالبون بدولة مدنية أي بحكم مدني وليس عسكري وليس في تفكيرهم تلك الدولة المدنية بالمصطلح الغربي والتي تعادي الدين وتقصيه من الحياة السياسية والعامة.

ولا شك أن البحث العلمي الرصين يعد من أهم السبل لإرساء قواعد تبنى عليها حياة الأمم والشعوب وأرى أن الباحثان حرصا على التزام الموضوعية في البحث كما حرصا على الإصرار على عدم الاكتفاء بظواهر الأمور وبذل الجهد واستنفاذ الطاقة في استقصاء الأبعاد الكامنة وراء الدعوات المروجة لنموذج الدولة المدنية .

· شكل الدولة بعد الثورة

وفي تقدير الباحثان أن ذلك الإسهام العلمي المتواضع يقدم إجابات علمية شافية للنخب الفكرية خاصة وأننا نعيش ثورات عربية يطالب كثيرا من أبنائها بإقامة دولة مدنية حديثة وهذه المطالبة وغيرها من الأطروحات الفكرية التي تتناول شكل الدولة بعد رحيل هذه الأنظمة الديكتاتورية القمعية أوجدت ذلك الجدل الذي تخوضه الشعوب حول المصطلحات الفكرية من قبيل الدولة المدنية والدولة الدينية والدولة المدنية الحديثة ودولة مدنية بمرجعية إسلامية كصيغة توافقية يطرحها بعض المفكرين للتوافق بين الدولة المدنية والإسلام كدستور ومنهاج حياة ليس بالأمر الهين ويؤكد الباحثان على أنه لا ينبغي أن يعالج هذا الجدل والنقاش بأسلوب الإصرار على الرأي ورفض الرأي المخالف , وإنما الواجب هو أن نبحث ونصل إلى الحقيقة بأنفسنا لنتخذ على ضوئها ما يناسبنا على هدى وبصيرة , ولذا كان من اللازم عند البحث عن تطور مفهوم الدولة المدنية العودة إلى السياقات الفكرية المؤسسة لهذا النموذج , وبالطبع تاريخ المجتمع الذي نشأ فيه هذا المفهوم, فقدمنا مبحثا بعنوان من الدولة الثيوقراطية إلى الدولة المدنية ثم البحث في مبحث آخر عن ماهية الدولة المدنية ثم ناقش الباحثان في المبحث الثالث مسألة الجدل حول مصطلح الدولة المدنية أما المبحث الرابع فقد تناول موضوع أهمية المصطلحات ودورها في المعارك الفكرية, وبعد أن تبين للباحثان كثيرا من الحقائق المثبتة علميا وتاريخيا في هذا الشأن.

· حول مفهوم الدولة المدنية

لنتعرف على مفهوم الدولة المدنية لابد لنا أن نعود إلى الفترة التي استخدم فيها هذا المصطلح هو مصطلح حديث في الأدبيات السياسية فلم يكن له وجود قبل انهيار الإتحاد السوفيتي خلال الثلاثة العقود الماضية كان هناك مصطلح الدولة وهي معروفة وتتكون من أربعة أركان وهي : الإقليم والسكان والحكومة والسيادة وكان هناك أيضاً مصطلح المدنية منفصلاً وهو يعني عند البعض التمدن أو الحضارة أو ضد العسكرية أو القبلية لكن صياغة المصطلح وتركيبه بهذه الطريقة ( الدولة المدنية ) يعد مفهوماً جديداً وتبني خلال فترة انتصار الليبرالية الأمريكية على الشيوعية الروسية وتبنته النخب العلمانية وأول ما تبنته في المنطقة العربية كانت النخبة المصرية ومعظم النقاشات التي دارت تؤكد على أن الدولة المدنية هي تلك الدولة التي تتبنى الليبرالية في الحكم فهي دولة المواطنون فيها متساوون في الحقوق والحريات بغض النظر عن العقيدة والدين والجنس وبلا تمييز لأي سبب كان وتطور المفهوم على أساس إقامة انتخابات نزيهة وتساوٍ في الحقوق والحريات وأضيفت إليه الكثير من المفاهيم الإيجابية كانتخاب الشعب للحكومة وله الحق بعزلها إن اقتضى الأمر كما له حق الرقابة عليها.

· إستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة

إن دراسة كهذه ما كانت لتبدو كاملة لو أغفلت أن إستراتيجية علمنة المجتمعات المسلمة, وهو ما تنبه له الباحثان في نهاية الدراسة فأفردا له بحثا يوضح أهداف تلك الإستراتيجية ومن يقف وراءها ونحن هنا نلخصه للقارئ فعلى سبيل المثال قدم الباحث خالد الحروب للجمعية العربية في بريطانيا بحثا بعنوان: "فصل الخطاب في أطروحة الإسلام والغرب"، وأكد فيه على أهمية تفكيك القناعات الدينية والحضارية عند المسلمين وغيرهم من الأمم من أجل التعايش بسلام على أسس كونية قيمية، ومن تلك القناعات التي يجب تفكيكها على حد زعمه قناعة المسلمين بقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).[آل عمران:110].) (

الحقيقة أن العديد من الباحثين تنبه إلى مثل هذا النهج، وأدرك ما ترمي إليه مراكز الأبحاث الغربية التي تُعنى بهذا النوع من الأبحاث، فتهيئ لها البيئة الملائمة في ما يعرف بمراكز أبحاث الشرق الأوسط التي تنتشر في الدول الغربية ولها بعض الفروع في الدول المسلمة، والتي يطلق البعض عليها مراكز الاستشراق المعاصر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يرى عمرو جمال الدين ثابت في بحث له بعنوان (اللبرالية وتقويض سيادة الإسلام) أن "الإسلام دين قائم بذاته وذو مبدأ منهجي ذاتي المرجعية، [و] إن علمنته تعني النجاح في إخضاعه") (، ويبدو أن هذا الأمر لم يعد سرا، فالمؤسسات البحثية المؤثرة في عملية صناعة القرار في الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ترسم استراتيجيات واضحة في هذا المجال، فمؤسسة راند الأمريكية التي تعد أكبر مركز فكري في العالم تؤمن بضرورة مواجهة الإسلام وإقصائه ما أمكن عن الحياة العامة، وبنظرة سريعة إلى التقرير الذي أصدرته هذه المؤسسة في العام 2007م بعد أن عكف باحثوها على إعداده لمدة ثلاثة أعوام يتضح لنا بجلاء السر وراء إصرار البعض على فرض مصطلح الدولة المدنية وغيرها من المصطلحات التي لا تتناسب البتة مع المجتمعات المسلمة، فالتقرير الذي صدر بعنوان: "بناء شبكات مسلمة معتدلة" يقدم توصيات محددة وعملية للحكومة الأمريكية في التعامل مع العالم الإسلامي، ومن أخطر تلك التوصيات أن على الولايات المتحدة أن تتعامل مع العالم الإسلامي على غرار ما تعاملت به مع الشيوعيين إبان الحرب الباردة، أي بتطبيق إستراتيجية مواجهة شاملة لإسقاط الخصم، ويوصي ذلك التقرير الإدارة الأمريكية بدعم قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني اللبرالي في العالم الإسلامي، للتصدي للتيار الإسلامي باعتباره تياراً متطرفاً، ويؤكد التقرير أهمية أن يكون مفهوم الاعتدال ومواصفاته مفهوما أمريكيا غربيا وليس إسلاميا، ينبني على تهميش الشريعة الإسلامية في حياة الفرد المسلم،( ( ويضع هذا التقرير إستراتيجية أمريكية للتعامل مع الإسلام والتيار الإسلامي من خلال بناء شبكات معادية للإسلام تسمى شبكات مسلمة معتدلة لخدمة المصالح الإستراتيجية الأمريكية،..

 وكان أهم عناصر تلك الإستراتيجية يتمثل فيما يلي:

1- أن المعركة لن تحسم فقط بمقاومة الإرهاب وإنما المشكلة في الإسلام ذاته والتيار الإسلامي بمجموعه كمعبر عن روح الإسلام.

العمل على نقل الصراع إلى داخل العالم الإسلامي وبين المسلمين أنفسهم بدلا من الصراع بين الإسلام والغرب.

2- العمل على تغيير الإسلام أو احتوائه أو تهميش دوره وإعادته إلى المسجد ومنعه من التأثير على الأفراد إلا في مجالات العبادات الفردية فقط.

3- يجب أن يكون مفهوم الاعتدال وفقا للتصور الأمريكي كمصطلح رئيسي في المواجهة الفكرية، وأن أي مقاومة للاعتدال بالمفهوم الأمريكي هي تعبير عن التطرف والغلو الذي يجب مقاومته باسم القوانين الدولية.

4- العمل على جمع كل من لا ينتمي للتيار الإسلامي في جبهة موحدة ضد الإسلام، وذلك من خلال وضع كل من لا ينتمي إلى التيار الإسلامي في صف الاعتدال بالمفهوم الأمريكي، وبحيث ينظر إلى التيار الإسلامي على أنه أقلية متطرفة في الأمة الإسلامية.

5- العمل على إعادة تفسير مبادئ الإسلام لتستجيب للمصالح الغربية، أو إعادة كتابته لكي يتلاءم مع التغيرات العالمية كما تم من قبل مع النصرانية واليهودية.

6- العمل على استخدام الإسلام في مواجهة الإسلاميين، وذلك بأن يتم استخدام النصوص الشرعية، وأن يتم التنقيب في التراث الإسلامي عما يمكن أن يستخدم لتبرير تغيير المواقف الإسلامية، أو يساهم في تغيير الإسلام، وستقوم الإدارة الأمريكية ومن يحالفها في عالمنا الإسلامي بترويج تلك المعلومات والأفكار بكثافة في الفترة القادمة لزعزعة ثقة المسلمين فيما لديهم من حقائق ومعلومات، كما أنه من المتوقع استخدام بعض التيارات الإسلامية ضد البعض الآخر.

7- العمل على إحياء ودعم وتقوية العلمانيين في مواجهة التيار الإسلامي.

8- القيام باتهام كل الخصوم بالسلفية والوهابية والتطرف، وعلى سبيل المثال تم وصف الشيخ يوسف القرضاوي في هذا التقرير بأنه "سلفي متطرف".

وبهذا يتضح لنا أن مسألة الجدل حول تبني مصطلحات غربية وإسقاطها على واقع الدول المسلمة ليس مجرد معارك فكرية محلية محضة، وإنما هي مرتبطة بأبعاد خارجية لها تحالفاتها المحلية، ولقد عبر عن ذلك بكل وضوح إدريس أبو الحسن حيث كتب في مقال له أنه:

"من الناحية الواقعية، فإن قراءة إستراتيجية في التحولات السياسية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر في العالم العربي، توضح مدى الترابط الوثيق بين أجندة المشروع الأمريكي في المنطقة وبين أجندة الليبراليين العرب، ... وأن من بين أهم المؤتمرات التي شكلت أحد محاور الدستور العراقي الأربعة والمعلن عنها في بيان لجنة دعم الديمقراطية بلندن كان مؤتمر الدولة المدنية، والتي اعتبرها المؤتمر نقيضة للدولة الدينية التي تستمد دستورها من الشريعة، ولتأكيد ذلك طار الرئيس العراقي جلال الطالباني إلى الفاتكان مباشرة بعد نجاح التصويت لصالح الدستور العراقي، ليعلن بعبارة صريحة للغرب أن العراق دولة مدنية، وأن لا مكان للشريعة الإسلامية في الدستور العراقي الحالي!")

· إسقاط تعسفي للتجربة الأوربية

يؤكد الباحثان على أن تخويف الناس من الدولة الدينية يأتي كمحاولة إسقاط التجربة الأوروبية الكنسية على المجتمعات الإسلامية وهذا إسقاط تعسفي فمثلاً مصطلح رجال الدين والذين كانوا في أوروبا العصور الوسطى يعتبرون أنفسهم في مقام الآلهة فالقساوسة والرهبان كانوا يشرعون للناس وبأيديهم صكوك الغفران مصطلح " رجال الدين " تستخدمه النخب العلمانية لوصف علماء المسلمين وهذا نوع من الإسقاط التعسفي للتجربة الكنسية والدولة الثيوقراطية الأوروبية في عصور الظلام الأوروبية على وضع الدولة الإسلامية .

· هل توجد ثيوقراطية في الإسلام؟!!

في أوروبا وفي عصور الظلام شاعت النظرية الثيوقراطية أو النشأة المقدسة للسلطة السياسية والتي فيها يدعي الحكام بشكل مباشر أو غير مباشر أنهم يستمدون السلطة من الله سبحانه وتعالى وأنهم تبعاً لذلك مسئولون أمامه فقط فبينه وبين ضميرهم يجري النقاش الوحيد والممكن ويتبع ذلك أن المواطنين أو الرعايا ملزمون بأن يطيعوا أولئك الحكام سواء عدلوا بتلك السياسات أو جاروا وأنه لا يمكن بأي حال أن يعترضوا على تلك السياسات أو الممارسات لأن سلطتهم ليست مستمدة من الشعب وإنما هي مستمدة من إرادة إلهية وهنا لما يعتقد الحاكم أنه يستمد سلطته من مصدر إلهي وأنه ليس هناك سلطان عليه لا في مراقبة ولا محاسبة ولا اعتراض على سياساته فإنه سيتحول إلى إله بين البشر وهذا ما حصل وأدى ذلك أيضاً إلى أن الكنيسة اتخذت مركزاً محورياً في الحياة السياسية الأوروبية في تلك العصور عصور الظلام وأدى ذلك إلى أن أصبحت أوروبا في عصور من الجهل والطغيان والاستبداد السياسي والديني استمرت عشرة قرون فعلى سبيل المثال للاستبداد الديني كانت الكنيسة المسيحية أدخلت عقيدة جديدة على المسيحية وهي عقيدة التثليث بعد أن كانت المسيحية الأولى مع السيد المسيح عليه السلام تعتقد بإلهٍ واحد ثم جاءوا بعقيدة جديدة في الشأن الاقتصادي فيما يتعلق بصكوك الغفران أن الكنيسة تغفر لمن تشاء مقابل عوائد مالية وزاد الأمر سوءاً عندما اتخذت الكنيسة موقفاً سيئاً من العلم فأحرقت العلماء وهم أحياء وكان أي مفكر أو عالم يأتي بأمور من شأنها أن تطور حياة الإنسان يتهم بالهرطقة والتجديف فأدى ذلك إلى انسداد المجال أمامهم نتيجة هذا الدين المحرف والدولة الدينية التي كرست الظلم والطغيان والاستبداد ، هنا الإشكالية الكبيرة البعض يستحضر هذه التجربة ويريد أن يسقطها على واقع الدول العربية والإسلامية بينما الواقع أن هناك خلافاً تاماً ومطلقاً ما بين مفهوم الدولة الدينية وفق التصور الذي ذكرناه سابقاً والذي حضر وفق التجربة الأوروبية في العصور الوسطى وما بين دولة الإسلام التي ينشد الإسلام إقامتها وهي دولة دستورية الحاكم فيها مجرد وكيل عن الأمة والأمة هي مصدر السلطة والحاكم فيها يخضع للرقابة والمساءلة والمحاسبة السياسية من الأمة وللأمة حق عزله ومحاسبته وتتخذ من السبل والوسائل ما يضمن هذا الشأن .

ويؤكد الباحثان على أنه يستحيل أن توجد ثيوقراطية في الإسلام فنصوص القرآن والسنة وأقوال الفقهاء الراشدين وأئمة الفقه السياسي الإسلامي يقولون : إن هذا المفهوم هو مفهوم دخيل ولا وجود له في الفقه والممارسة السياسية الإسلامية .

· معركة فرض المصطلحات

ويرى الباحثان السهيلي والزنداني أن الحركة الليبرالية العالمية والتي تأتي ضمن حركة العولمة تحاول فرض مصطلحات على بقية المجتمعات وتحاول قولبتها وفق مفاهيمها فيما يسمى بمعركة المصطلحات وهي معركة مفهومة وشهيرة فعندما أقول لك مصطلحاً معيناً أقول لك رسالة وأعطيك منظومة متكاملة من الأفكار لمجرد أن استخدام مصطلح واحد فمثلاً عندما أقول لك مثلا هذا الشخص ديموقراطي هنا أعطيك مجموعة كبيرة من التصورات والأفكار عن الشخص الديموقراطي فمعركة المصطلحات معركة مهمة ومن يفرض مصطلحاته يفرض آراءه على الواقع السياسي.

بقي أن نشير في نهاية هذا القراءة لمحتويات الكتاب الذي صدر بحوالي 65 صفحة من الحجم الوسط أن هذا العرض لا يغني عن قراءة الكتاب الأصل وإنما يقدم لمحة عن مضمونه ويشجع على قراءته.

كما لا بد من التنويه إلى أن هذا الطرح ناقصا إذا لم نتطرق للتجارب الإسلامية من تجربة النهوض الحضاري في ماليزيا وتركيا إلى تجربة طالبان المريرة والتي يتخذها الكثيرون شماعة للهجوم على الإسلاميين ودليلا على فشلهم في إدارة الدولة وكذلك ما جرى بالسودان بالإضافة إلى كثير من القضايا التي لم يحسمها الإسلاميون بعد كقضية الفنون وكذلك هناك تحديات كبيرة ومخاوف سنتطرق لها في المقال القادم.