أنا خائف وأطفالي في رعب ومصنعي تحت سيطرة العصابة

الثلاثاء 13 مايو 2008 الساعة 04 مساءً / مأرب برس - خاص: موسى النمراني
عدد القراءات 5387

لا يستطيع أطفالي الذهاب للمدرسة، ولا استطيع الاقتراب من مصنعي الذي بنيت رأس ماله من خلاصة سنوات عمري التي قضيتها في الشتات مهندسا ما بين العراق ولبنان والأردن ثم اليمن.

هكذا يخبرك حال المواطن العراقي المهندس أحمد كامل عاشور الذي تعرض للاختطاف من قبل الشيخ صالح العميسي، وأفرج عنه بعد أن نشر خبر اعتقاله في موقع "الحدث" الإخباري، وموقع "الوحدوي"، وأعلن حينها لخدمة "ناس موبايل" مصدر باسم وزارة الداخلية، أن الوزارة قامت بتحرير اللاجئ العراقي، غير أنه تحرير منتقص الشروط والأركان، فلم يعرف أحد كيف تم تحريره، ولم يتم القبض على الجناة، ولا حتى توجيه تهمة إلى أحد بالاختطاف، ليتم بعدها عقاب الجاني وتعويض الضحية .

المهندس أحمد كامل عاشور لاجئ عراقي بملامح يمنية، لا يمكنك أن تعرف أنه عراقي إلا من خلال ما تبقى له من لهجته، غير أنك تستطيع أن تعرف حجم الظلم الذي يتعرض له في الغابة التي نعيش فيها دون كثير من شرح.

اختلف عاشور مع بعض عماله، فلجأ لمحام يقوم بإجراء الأمور القانونية حتى لا يقع في مطب قانوني؛ هكذا يفعل الناس في كل بلاد الله، غير أن المحامي أحال موكله على صديق له يعمل في التجارة، والصديق أحال عاشور على شيخ يعمل في الابتزاز.هذه هي خلاصة قضية لها الكثير من التفاصيل المؤلمة.

استلم الشيخ صالح العميسي القضية، وبحنكته المعروفة تخلص من غرماء عاشور، وكان يعلن أن عاشور أصبح أخاه، ودخل أحد أقارب الشيخ في مصنع عاشور الخاص ببناء الكانتونات "البيوت المتحركة" ومن حينها أصبح عاشور بلا صلاحيات، سوى أن يجيب على اتصالات الدائنين، الذين يطالبونه بما يقارب المليون والنصف مليون قيمة المواد الخام التي اشتراها قبل النكبة.

ثم بدأ الشيخ بمطالبة "أخيه" عاشور بمبلغ خمسة عشر ألف دولار، ومصاريف العمال في المصنع، في نفس الوقت الذي يقوم عمال المصنع بتشغيله لصالح الشيخ!لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فلا بد للأحداث أن ترتفع درجة الإثارة فيها، ولو على حساب المنطق ومكارم الأخلاق وآداب الجوار.

اختطف اللاجئ العراقي من عدن إلى قرب صنعاء، وبعيدا عن أعين الناس حفروا له قبرا مناسبا وواسعا وعميقا يعوضه عن حياة التعب والضيق وعن ساعات القيد التي قضاها بالقرب من أرجلهم؛ على طريق طويل لم يمر بنقطة تفتيش واحدة.

 ولم تنقذه من الموت حينها سوى رسالة جوال، كان قد أرسلها لزوجته يخبرها أنه مختطف برفقة الشيخ. لم نكن نعرف أن المشائخ يمارسون هذا الدور، حتى المرحلة الأخيرة من عمر الدنيا، لقد كان المشائخ هم المجتمع المدني العامل على الإمساك بمفاصل الحياة؛ ومصدر التطور وشوكة العدالة، ربما لأن المشائخ السابقين لم يكونوا على رأس عصابات أراضي وشركات وهمية لغسيل الأموال.

أعادوا عاشور إلى السيارة التي يحتفظ برقمها وساروا به إلى مكان يعرفه جيدا، وأمروه بتوقيع شيكات بمبلغ عشرين ألف دولار، ربما كانت الخمسة آلاف التي زادت هي مصاريف اختطافه التي عليه أن يدفعها، غير أنه رفض.

وبينما كان عاشور يعاني آلام القيد والإهانة كان الشيخ يقول للناس إن العراقي "لطش مائتي ألف وهرب" يقول عاشور .. من يعوضني عن الإهانة التي تعرضت لها، وعن القبر الذي حفروه أمامي، وعن القيد الذي حفر معصمي، وعن سمعتي التي بنيتها في سنوات، ودمرها الشيخ في أيام؟ ومن يعوض هذا العراقي عن وهم الوطن الواحد، والروح الواحدة، ومن يعوضه عن وهم القانون في بلاد للأقوياء؟ من يعوض زوجته عن دمعه، أو فقدانها لطعم الحياة، حتى أصبحت تطلب الموت أكثر من حرصها على الحياة؟ .

من يعوض أطفاله عن حقهم في الحياة الآمنة؟ وفرح عودة الأب كل مساء؟ ومن يعوضه عن الغطاء الذي وضع على رأسه وعن ربط عينيه كما يفعل الأميركان في أبو غريب؟ هل أخطأ عاشور -المهندس العراقي- حين اختار اليمن كبلد صالح للحياة والاستثمار؟ أم أخطأنا نحن حين تركنا الحبل على الغارب لقراصنة البحر يقودوننا حيث تريد رياحهم؟ نقلوه من مكان إلى آخر، ومن ريف إلى مدينة، ومن مدينة إلى ريف وعرضوه على الموت، وأروه مكان موته أكثر من مرة، في كهف ببطن جبل لا يصل إليه سوى الموت والموتى، وازرورقت يداه من القيد، وذبلت عيناه من السهر المتواصل والفزع الدائم..كنت أطلب منهم أن يقتلوني فيقولون "لازم توقع على الشيك أو تقول لمرتك تدي الفلوس وتجي".

وبينما كان عاشور مخطوفا كانت زوجته وجعا لا يهدأ، كنحلة فقدت سربها أو كروح عطشانة إلى نبع، بحثت عنه في الأماكن التي تعرفها، وعادت إلى الناس الذين تدري أنهم يخطفون زوجها، ليقول لها أحد الوسطاء -وكلهم وسطاء- "زوجش في الحفظ والصون.. سيري البيت دوري عشرين ألف دولار هانا ولاهانا واديها للشيخ وان زوجش تجاهش".

وكأن البيت مصنع للدولارات؛ أو كأن هذا اللاجئ العراقي سحابة تمطر أوراقا خضراء؟ وبينما كانت لهفتها تقودها للبحث عن زوجها الذي جاءت به من أواسط الأرض إلى البلاد التي قالوا إن النبي نصح بالتوجه إليها حين تكثر الفتن؛ كان أحدهم يسألها "مش انتي خايفة نخطفش؟" غير أن الخوف يتبدد حين لا يكون سوى خيارات ضيقة تتشابك فيها الحياة مع الموت.

جاء إلي الشيخ وقال لي "زوجتك قد عملت شوشرة كبيرة وأنت لازم الآن تسير تخليها تهدأ وتدي الفلوس وتجي".

اللاجئ العراقي بيأس تام يناشد رئيس الجمهورية أن يتدخل لإعادة حقوقه المنهوبة، ويقول "مو معقول أن الرئيس يعرف إنو أكو مجرمين ونصابين هيشي ويسكت"! يبتلع غصته ويستطرد "آني أناشد رئيس الجمهورية اللي نعرف عنه كل خير أن ينتبه لهؤلاء الذين يخيفون الناس بأن لهم صلات قوية بيه وأن يقطع الطريق عليهم".فهل يسكت الرئيس عن مناشدة هذا اللاجئ العراقي، أم أنه سينتبه لمن يخيفون الناس بعلاقاتهم القوية بالرئيس و "يقطع الطريق عليهم"؟ أم أن هذه البلاد لا تقطع بها سوى الطرقات السوية؟.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن