كيف غدر المخلوع بمشايخ البيضاء الأربعة؟.. ما لا تعرفه عن أسلوب صالح في تصفية الخصوم!

الإثنين 10 أكتوبر-تشرين الأول 2016 الساعة 04 صباحاً / مأرب برس - الوطن
عدد القراءات 21527

"ما أشبه الليلة بالبارحة" هكذا قال طرفة بن العبد منذ مئات السنين، وهكذا تتكرر الأحداث مذكرة بسابقاتها، ولعل آخر حلقاتها ما تمثل بمقتل عدد من شيوخ البيضاء، وهو الحدث الذي أعاد إلى الأذهان عمليات القتل التي كان يمارسها المخلوع علي عبدالله صالح باستخدام الخديعة، وعبر استدراج مناوئيه، ونصب الكمائن لهم.

وحتى مع شعور الحوثيين بالضغط الكبير بعد مقتل أربعة من شيوخ البيضاء من قبيلة آل عمر حيث عثر على جثثهم بإحدى شعاب مديرية الملاجم، وهو ما اضطر الانقلابيين إلى عرض تحكيم العرف القبلي، وقبول دفع الدية التي وصلت إلى 20 مليون ريال يمني وأسلحة، إلا أن رد قبائل آل عمر كان الرفض لأن القتل تم بطريقة الغيلة والغدر وبشكل بشع، وهو الأسلوب الذي انتهجه المخلوع صالح لتصفية خصومه، ما يؤكد استمرار منهجيته القائمة على الغدر.


01 - سوابق

وكانت "الوطن" قد نشرت سابقا وثائق وحقائق تدين المخلوع بمقتل الرئيسين الأسبقين إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي، مشيرة إلى أنه بعد مقتل الأول الذي كان يتمتع بشعبية جارفة، كان عدد كبير من مشايخ تعز ومواطنيها يطالبون كغيرهم من اليمنيين بالكشف عن قاتله والقصاص منه، وكانوا يعلمون أن نائب الرئيس اليمني الأسبق، الرائد عبدالله عبدالعالم كان من أقرب الناس للحمدي وأخلصهم له، وأحد المطالبين بالقصاص من قتلته، وكان ثمة خلافات حينئذ بين الغشمي وعبدالعالم حول مقتل الحمدي، ولذا فر عبدالعالم من صنعاء إلى تعز طلبا حماية شيوخها، وطلبا للقصاص من قتلة الحمدي.

وكان المخلوع يعلم أن مشايخ تعز يطالبون بنفس الطلب، ولذا ضرب عصفورين بحجر واحد، متخلصا من عبدالعالم والمشايخ في آن واحد، خصوصا أن مشايخ تعز كانوا يعيقون مشروعه السلطوي، حيث كان يرى أن الطريق نحو الرئاسة لابد أن تمر بالتخلص من القيادات البارزة في تعز، ومن ضمنهم مشايخ مؤتمر الروضة الذين ساندوا الحمدي ضد مشايخ مؤتمر خمر عام 1977.

ولجأ المخلوع للحيلة فذهب إلى مشايخ تعز وأقنعهم بالتدخل والوساطة عند عبدالعالم لإقناعه بالعودة إلى صنعاء ومقابلة الغشمي، وحين وافق المشايخ نصب لهم كمينا في الطريق وقتل أكثر من 30 منهم، ما دفع عبدالعالم للفرار إلى عدن ومنها إلى خارج اليمن، حيث استقر في سورية منذ قرابة الـ30 عاما، ليستغل المخلوع الأمر ويلصق تهمة اغتيال المشايخ بعبدالعالم.


02- بداية القصة

بعد اغتيال الحمدي كان عبدالعالم في صدام شديد مع الغشمي استمر قرابة 7 أشهر، حيث كان عبدالعالم يطالب بفتح تحقيق عاجل وفوري حول مقتل الحمدي، وبعد ذلك غادر عبدالعالم صنعاء متوجها إلى تعز برتل عسكري قوامه 100 فرد مع بعض الأسلحة، وعند وصوله مشارف تعز طلب منه المخلوع الذي كان قائد أمن اللواء في المحافظة ألا يدخل المدينة، وأبلغه أن عليه التوجه إلى عدن عبر طريق الحوبان الراهدة، لكن عبدالعالم رفض الطلب، وكسر أوامر صالح ومر بقواته وسط المدينة حتى وصل إلى التربة، وهنا اتخذ المخلوع عهدا بأنه سوف "يربي" عبدالعالم، ويرد له الصاع صاعين، وبدأ التخطيط لكسر شوكة عبدالعالم حتى لا تعيق طموحه الرئاسي، واستغل خلافات هذا الأخير مع الغشمي، وأفشل محاولات حل الأزمة بينهما، واختار الحل العسكري كخيار وحيد للحسم. 

وكان الغشمي يعرض حينئذ على عبدالعالم اختيار أي بلد لتعيينه سفيرا فيه، وعندما علم صالح بإرسال عبدالعزيز عبدالغني مبعوثا من الغشمي إلى عبدالعالم في تعز للوساطة، اعترض المخلوع طريقه في الحوبان، وطلب منه إيقاف أي مساع للحل والعودة إلى صنعاء، وبدأ المخلوع في محاصرة عبدالعالم في الحجرية.

ورغم رفضه كل الوساطات بين الغشمي وعبدالعالم إلا أنه عاد إلى المشايخ وجمعهم وطلب منهم الذهاب إلى عبدالعالم في الحجرية، وألح على ضرورة مشاركة الجميع تحت طائلة تهديد الرافض بالقتل، ولم ينج إلا الشيخ أحمد سيف الشرجبي الذي حاول صالح إقناعه بمرافقة البقية لكنه رفض، وقد تمت معاقبته على ذلك وجرى اغتياله في العام التالي.

تقدم بعض مشايخ تعز بفكرة إزالة سيطرة قوات المظلات على الحجرية بأيدي أبناء تعز عن طريق جمع أفراد مسلحين من المحافظة، لكن صالح رفض الفكرة، لأنه كان يرى أن أمرا كهذا سيؤدي إلى نشوء قوة جديدة مضادة لطموحاته، خصوصا وأن بين هؤلاء المشايخ من يتهمه بقتل الحمدي. 

تحرك المشايخ بحراسة مرافقين وعسكريين ومسؤولين، وفي وسط الطريق أوقف هؤلاء المرافقين والمسؤولين قافلة اللجنة وأبلغوهم أن مكالمة وصلت تفيد أن عبدالعالم تحرك نحو الوازعية وطلبوا من القافلة التحرك نحو الوازعية لإتمام الوساطة، وهناك حيث المساحات الترابية الخالية من السكان انزلوهم بحجة تناول الغداء والراحة ثم قاموا بتصفيتهم.


03- التاريخ يعيد نفسه

يقول الشيخ محمد المري من مشايخ البيضاء إن صالح "غدار كبير وله أيد خفية، ويخرج من جرائمه كشعرة من العجين، والمشكلة إن اليمنيين صفقوا له أكثر من 33 سنة حتى استفحل الفساد والإجرام في عهده".

وأضاف "المشايخ الذين قتلوا في البيضاء كانوا مسالمين، حضر إليهم المتمردون وأخذوا 22 من مشايخ مديرية ذي ناعم بحجة عقد صلح معهم، ولكنهم طلبوا منهم تعهدا بعدم إيذاء المقاومة لهم، وقد صدقهم المشايخ وذهبوا إلى السوادي "معسكر الحرس الجمهوري سابقا"، وتحدثوا معهم قرابة الساعتين، وعملوا مسودة، وقالوا لهم: "اذهبوا ونحن سنطبع المسودة ونرسلها لكم للتوقيع، والمسافة بين السوادي وذي ناعم قرابة 40 كلم، وعاد المشايخ وفي اليوم التالي حضر المتمردون وأخذوا 4 مشايخ بحجة توقيع الاتفاق، وتوقع هؤلاء الأربعة أن البقية سيذهبون للتوقيع معهم، وعند وصولهم طلب منهم ترك أسلحتهم بحجة عدم جواز مقابلة القائد بالأسلحة، وبعد تجريدهم منها قتلوهم".

وتابع "صالح هو المجرم الكبير، وهو خبير هذه المؤامرات، وكثيرون كشفوا الآن ملفات غدره، بما فيها جريمة اغتيال مشايخ تعز التي نسبها إلى عبدالعالم".

ويلجأ صالح إلى القتل الجماعي عندما يتعلق الأمر بالمشايخ لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

وأكمل المري "يدعم المخلوع المشايخ الذين يخضعون لأوامره ورغباته بالأموال والسلاح، ويصفي مخالفيه منهم بطرق خبيثة، وينفذ جرائمه عبر عملاء يخضعون لأوامره ويوفر لهم الحماية، وهناك حوادث كثيرة جدا انكشفت خيوطها وأثبتت أنه يمارس الغدر والطعن في الظهر والقتل وإثارة الفتن، وضرب الأطراف الأخرى بعضها ببعض لتصفية حساباته".


04- خيانة المشايخ

اعترف أحد مشايخ البيضاء أن هناك مشايخ خونة ربطتهم بالمخلوع في الماضي والحاضر علاقات عدة، وقد اشتراهم المخلوع بأمواله، وقال "اشترى المخلوع ذمم بعض المشايخ الكبار الخونة، وهو يقدم لهم المال، ويقدمهم في الوظائف، وهم من خانوا ورتبوا لعملية اغتيال المشايخ الأربعة، وهناك مشايخ رفضوا توجهات المخلوع والمتمردين الحوثيين ومنهم العمري والحميقاني والمشقلي والقيفي، ورفضوا الترسيم والرشوات، لذا تم استهداف البيضاء ومشايخها المعارضين لمشروع الحوثي وصالح".


05- ممارسة الغيلة

أبرز مشايخ الرضمة وآب، وأحد أبرز المقربين للمخلوع سابقا اللواء عبدالواحد الدعام قال لـ"الوطن": "ما حدث لمشايخ البيضاء جريمة شنعاء، ومن نفذها مجرمون، وقد سبق للمخلوع أن نفذ جريمة مشابهة في تعز، فقد قتل مشايخ تعز بكمين، حيث دأب على تصفية مخالفيه بطرق غريبة وحشية، كما أنه يوجه تهم القتل لآخرين لإثارة الفتن وتصفية خصومه فيما بينهم، ولديه أعوان يساعدونه في عملياته، وما قام به المتمردون تجاه مشايخ البيضاء هو الغيلة وخيانة المستأمن وسفك دمه، وجاءت الجريمة بعد عقد المجلس السياسي في صنعاء ما يكشف أن المخلوع هو العقل المدبر لتلك العمليات".

بدوره، يقول رئيس التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة اللواء محسن خصروف إن مشايخ تعز قُتلوا في عهد الرئيس الغشمي، والقاتل هو المخلوع صالح الذي كان قائدا للواء تعز، وقد قتل هؤلاء كجزء من مخططه للوصول إلى السلطة.

06- مخاوف المخلوع من الوحدة 

يؤكد الدكتور عبده سعيد المغلس وهو أحد أقارب مشايخ تعز المغدور بهم، أن المخلوع بدأ التفكير مبكرا بتأسيس حكم قبلي يستمر طويلا، وذلك منذ كان قائدا للواء تعز، وقد سافر من تعز إلى إثيوبيا لترتيب الصفقة مع أجهزة استخبارات دولية.

وكان على المخلوع حتى يصل إلى الحكم أن يتخلص من قيادات 13 يونيو، فبدأ بقتل عبدالله الحمدي وأخيه الرئيس إبراهيم الحمدي ومن يوالونه بالانقلاب الذي أوصل الرئيس حسين الغشمي لسدة الرئاسة، وكان صالح اليد المنفذة لذلك، ولم يتبق سوى العقبة الناجية من مجزرة قتل قيادات حركة 13 يونيو الرائد عبدالله عبدالعالم قائد المظلات ونائب الرئيس الحمدي الذي كان يتجنب حضور الولائم، والذي غادر صنعاء مع بعض مرافقيه إلى مسقط رأسه في الحجرية، تمهيدا لمغادرة اليمن عن طريق عدن بعد أن سيطر رجال الغشمي وصالح على مقاليد الأمور، وتم قتل كل مؤيدي إبراهيم الحمدي في القوات المسلحة والأمن. 

وهنا برزت قضية لم تكن بالحسبان لمخطط صالح في السيطرة على السلطة، وهو عبدالعالم الذي لم يتوقع نجاته ووصوله للحجرية، وكونه كان نائبا للرئيس الحمدي وامتدادا لشرعيته ما جعل صالح يدرك أن مخططه سيذهب أدراج الرياح إن لم يقتل عبدالعالم، وبدأ التخطيط للقضاء عليه في الحجرية، لكن واجهته عقبة مشايخ الحجرية، ففكر بقتلهم وإلصاق التهمة بعبدالعالم.

أدرك صالح أن ما يعيق وصوله للرئاسة هي حركة 13 يونيو وقادتها، وحين بدأ الرئيس إبراهيم الحمدي التفاوض والاتفاق مع سالم ربيع علي "سالمين" لتحقيق الوحدة، وكان طبيعيا أن يتولى سالمين منصب نائب الرئيس، أدرك صالح أن حلمه بأن يكون رئيسا لليمن ستذروه الرياح فأسرع بقتل الحمدي في منزل أحمد حسين الغشمي الذي أصبح رئيسا، وصار صالح نائبا له، وحين لم ينفذ الغشمي ما تم الاتفاق عليه قام بالتنسيق مع محمد خميس مدير الأمن السياسي حينها واتفقا على قتل الغشمي بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في عدن، وبعد أن أصبح صالح رئيسا تخلص من محمد خميس.

07- التخطيط والتنفيذ لجريمة الحجرية

عمل الغشمي بعد أن استقر له الأمر على تلطيف الأجواء بينه وبين عبدالعالم وفكر بأن يعينه سفيرا في الخارج، فأرسل له من صنعاء وساطة برئاسة عبدالعزيز عبدالغني، لكن صالح وجد أن هذه الوساطة ستعرقل مخططه، فعمد إلى منعها، واحتجز عبدالغني ومن معه في تعز وأعادهم إلى صنعاء، مطلقا إشاعة أن عبدالعالم رفض مقابلتهم.

وواصل صالح مخططه المكون من شقين، الأول تجهيز حملة عسكرية للتوجه للحجرية وحصارها وهذا ما بدأ في 27 أبريل 1978 وانتهى في 22 مايو 1978، والثاني تجميع مشايخ الحجرية لإرسالهم كوساطة لعبدالعالم لإقناعه بالعودة وتجنيب الحجرية الحرب والتدمير على أمل إحضاره للتخلص منه، وقد غدر بالشيوخ، ولم ينج منهم غير الشيخ أحمد سيف الشرجبي الذي رفض الذهاب معهم، لكنه قتل بعد عام في كمين في الطريق الذي يربط التربة بتعز.


08- تبني الرواية

يضيف المغلس أن السلطة تبنت رواية صالح التي تقول إن عبدالعالم قتل المشايخ في منزل الشيخ سعيد الأصبحي.

والحقيقة تشير إلى أن وفد مشايخ تعز الذي غادر كلجنة للوساطة كانت ترافقه حراسة من قيادة تعز، وكانت مسؤولة عن حمايته، وفي وسط الطريق تم إبلاغ المشايخ من قبل الحراسة المرافقة بأن عبدالعالم غادر التربة إلى الوازعية، وعليهم التوجه إلى هناك لمقابلته، وهناك في الطريق تم قتلهم ولم ينج من المذبحة غير الشيخ حزام مغلس، وأحمد الوزير اللذين سلما ومن كان معهم من المرافقين بعد أن منحوا الجنابي والمال الذي معهم مقابل إطلاق سراحهم. 

ويشير المغلس إلى أن قتل الوسطاء كان منهجية عند صالح، وهي عملية تكررت بقتل مشايخ الحجرية، ومع وسطاء اللواء علي محسن من مشايخ جبال الروس وبني بهلول عندما قام بمهاجمتهم وقتل عددا كبيرا منهم، وجنود الفرقة الأولى مدرع في منطقة مذبح، وكذلك فعل بالوساطة التي بعثها للشيخ صادق الأحمر بقيادة غالب القمش حيث هاجمهم بالصواريخ، وقتل عددا منهم وضيوف وحراسة الشيخ صادق الأحمر. ومما يدلل على مخطط قتله لمشايخ الحجرية هو منع وساطة صنعاء من الوصول للحجرية.


09- شاهد عدل

وبين المفلس أن اللواء علي محسن الأحمر "الفريق ونائب رئيس الجمهورية حاليا"، يعد رجل السلطة الأقوى، والثاني بعد صالح، وهو الذي حافظ على النظام طوال الفترات السابقة حتى اللحظة التي اختار فيها الانضمام لثورة الشباب عام 2011، وقد قدم شهادته مثبتا أن من قتل مشايخ الحجرية هو صالح بقوله في 22 مايو 2011 إن "من حاك دسائس الحجرية، وقتل مشايخ الحجرية وتعز هو علي عبدالله صالح، مذبحة مشايخ الحجرية قضية إنسانية وجريمة حرب، ما حدث في الحجرية من حملة عسكرية وقتل للمشايخ يعد قضية من قضايا حقوق الإنسان وجريمة من جرائم الحرب.